لوحظ وقوع كثيرين في فخ السرعة عند الإجابة عن سؤال عنوان هذا المقال والمقصود بـ فخ السرعة هو تصوّر أكثر المجيبين بأن الاختلاف العقائدي او المذهبي هو السبب الأول والأخير لتخوّف (آل النجيفي) من مشاركة قوات الحشد الشعبي في تحرير مدينة الموصل، وعند الغوص نحو أعماق الأسباب الخفية، ستقفز تحليلات كثيرة قد لا يرد بعضها على بال من يهمه الأمر.
ليس اختلاف الانتماء المذهبي هو السبب الأول لحالة التوجّس والخشية من فصائل الحشد، لأن كثيرا من العُقَد الأكبر نجحت الأطراف المختلفة في معالجتها بدواء التفاوض والاستعانة بالحلول الوسطى، فثمَّ قواعد تتقارب أو تتباعد الفِرق السياسية تبعاً لها، معرفة هذه القواعد والتعويل عليها وهضم بنودها، واحترامها، تفتح مساحات ليست متوقَّعة من التوافق للأطراف المتضادة، وسوف يمضي الاختلاف العقائدي الى الحلول المناسبة بعد الالتزام بقواعد الحوار، وتوفير كمية من التفاهمات والبنود يتم الاتفاق عليها.
السبب الأول بحسب تحليلات عميقة داخلية خارجية هو محاولة المشككين بالحشد ابتداع نوع من الخداع المزدوج الأول ذو مستوى محلي الوسط المستهدَف فيه هو أهل الموصل فمالمسؤول التنفيذي الأول للموصل في السابق مارس ولا يزال لعبته المفضوحة والتي تتخذ من الطائفية لحمة لها وسداها الخداع، فهو يريد أن يصّور لأهل الموصل أنهم حريصون على هذه المدينة وسكانها، فيضع هذان الأخوان نفسيهما في موقع التمثيل لأهل الموصل وللمدينة، ويُظهران أنهما حريصان على المدينة وأهلها.
وهذا موقع لا يصلح لها المجرّب سابقا، فالعراقيون كلهم يعرفون وأولهم أهل الموصل بأن الذي باع المدينة لداعش ولمن صنع داعش هم القائد التنفيذي الأول لها، والذي يبيع لا يمكن أن يشتري المدينة وأهلها إلا بالدسائس والخداع، ومن يسلم المدينة للأعداء لا يصلح أن يكون ممثلا لها أو لسكنتها.. والأخبار والوثائق كلها تشير الى قلة أعداد الدواعش المهاجمين... ولكن ثمَّ أوامر للقوات الأمنية والشرطة الداخلية وهي تفوق أعداد المهاجمين بكذا مرة، فلماذا ألقيت أنوع الاسلحة وخلت الشوارع والساحات وغابت الروح الوطنية وفي غضون سويعات تسقط المدينة سقوطا ذريعا!...
القائد التنفيذي السابق للمدينة كان يمثل أعلى سلطة تنفيذية أمنية فيها.. فمن يا تُرى أعطى الأوامر للقوات الداخلية (شرطة المدينة ويبلغ عددهم بحسب مصادر اعلامية 28 ألف عنصر) بإلقاء السلاح.. والهزيمة أمام بضعة آلاف من الهمج الرعاع، ومن كان يدير الأوراق في الخفاء مع الدوائر المخابراتية والجهات التي ابتدعت داعش الارهابي.. وهكذا تمت عملية تسليم المدينة باسرع من البرق الى الدواعش، وحدث ذلك الانهيار الآثم.
في قناة السومرية وغيرها من القنوات.. ظهر الرئيس السابق لمجلس النواب اسامة النجيفي.. كي يعلن تمسكه برفض مشاركة (الحشد الشعبي) للموصل، أجابه وزير الخارجية الجعفري لاشيء هناك يمنع الحشد من المشاركة في تحرير مدينة الموصل.. وساسة عراقيون كثر.. قادة كتل.. وعاملون فاعلون في السياسة العراقية.. رفضوا تصريحات النجيفي.
القيادة الامريكية ترفض تقويض جهود تحرير الموصل.. وهي اشارة الى عدم الممانعة، رئيس الوزراء حيدر العبادي هو صاحب القرار، ومحللون أمنيون.. أقروا بقوة على أهمية أن يشترك جميع العراقيين في هذه المعركة الكبرى.. وأعلنوا أن الفشل في تحرير المدينة سوف يعود بعواقب وخيمة على البلاد، وهذا نفسه موقف القيادة الامريكية.. من مصلحة من؟ أن يعترض النجيفي على مشاركة الحشد الشعبي؟؟.
ولماذا يتحدث النجيفي باسم أهل الموصل.. من سمح له.. من فوّضه.. من أعطاه هذا الحق المصيري.. قد تكون حالة من تأنيب الضمير وجلد الذات والندم على ما فات من امتيازات، ولا يُستبعَد أنهم يرومون الدخول الى الانتخابات القادمة بهذه الورقة الحساسة.. لكنهم ليسوا أهلا لتمثيل أهل الموصل الكرام الذين يعرفون جيدا أن من باع مدينتهم للدواعش لن يكون حريصا على تحريرها.
جميع الأوراق أصبحت تحت الضوء لا مجال للتدليس وانتهى زمن الخداع المزدوج.. طُرد النجيفي من قلوب أهل الموصل ومن عقولهم بعدما حصل لهم على يد داعش وما ذاقوه من ويلات.. بعدما أعاد الدواعش مدينتهم التاريخية الى همجية الظلام، بعدما حطموا رونق المدينة وسحقوا كرامتها.
وليبقى النجيفي على موقفه من الحشد الشعبي.. فقد عارض امثالهم مشاركة هذه القوات المهنية في تحرير صلاح الدين والرمادي واخيرا في الفلوجة.. ولكن في كل المدن المغتصبة من داعش، كان الحشد الشعبي يقول كلمته الفصل، والموصل العراقية لن تختلف بشيء عن المدن العراقية التي تم اطلاق سرحها من أسر الدواعش.
لتبقى عقدة النجيفي ازاء الحشد الشعبي متأججة في عقولهم وحدهم.. فهم الذين سيحترقون بها... أما أهل المدينة وكل العراقيين يعرفون بالدقّة ما هو دور الحشد الشعبي في هذه المعركة المصيرية.. وما هي درجة تأثيره على النتائج العسكرية لصالح او ضد العراقيين..
ختاما قد يحتاج أعداء وحدة العراق من القوى الداخلية التي لا تريد تحرير الموصل.. نصيحة نقولها لهم.. وهي نصيحة التاريخ والتجارب.. أن من يقف مع أهله وشعبه هو الذي يربح على مدى التاريخ.. والذي يسير عكس ذلك ويؤمن بما لا يؤمن الشعب سوف يكون الخاسر الأول.. وشتان ما بين الربح المشرّف.. والخسارة المقرونة بالذل.
اضف تعليق