الاستعدادات الكبيرة لمعركة حلب تؤكد أهميتها الاستراتيجية لجميع الأطراف المشاركة في الحرب السورية، وقد اتخذت هذه الاستعدادات جانبي المفاوضات والتنسيق المباشر بين القوى العظمى، بالإضافة الى التحشيد الميداني عبر ادخال المزيد من العسكريين والأسلحة المتطورة من اجل قلب ميزان القوى الذي ما يزال يترنح باحثا عن الطرف الأكثر قدرة على التحكم في تعقيدات المشهد السوري الملبد بطائرات متعددة الجنسيات أصرت ان تكون هذه الأرض هي الميدان التاريخي لتحولات القرن الحادي والعشرين.
الجيش السوري وحلفاؤه احتفلوا بمحاصرة المعارضة المسلحة في حلب قبل أيام، حتى ظن البعض ان الحسم بات قريبا وهذا ما اشارت اليه التقارير الإعلامية الواردة من ارض الميدان، وعلى إثر ذلك بدأت الدول الداعمة للمعارضة المسلحة بالحديث عن حقوق الانسان ومعانات المدنيين من اجل الضغط وتقليل زخم المعارك، وهو ما دفع روسيا الى التأكيد بان عملياتها إنسانية بحته ولا توجد أي نية لشن هجوم عسكرية، وبنفس اللهجة قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ عيسى قاسم بان السيطرة على حلب ليست هدفا للنظام السوري والقوى الحليفة له.
تصريحات روسيا وحزب الله ربما كانت نتيجة تخوفها من امرين أساسيين: الأول، هو التخوف من حصول هجمة إعلامية شرسة تؤدي الى ادانة الحصار وتسهم في تشكيل راي عام عالمي ضاغط على الجيش السوري وحلفاؤه مثلما حدث في مضايا سابقا. ومن جهة ثانية كانت لتخفيف الضغط على المعارضة من اجل عدم خنقها في زاوية ضيقة تجبرها على شن هجوم مضاد تكون نتائجه غير محسوبة وقد يؤدي الى انهيار الخطة السورية باستعادة حلب قبل موعد المفاوضات المقبلة.
حتى وقت قريب كان اغلب المحللين يعتقدون ان معركة حلب جاءت وفق تفاهمات دولية افرزتها اللقاءات الامريكية الروسية المتواصلة في موسكو، وان تعديل اسم جبهة النصرة كان أحد مؤشرات هذه التفاهمات، لكن حجم الرد الذي قامت به المعارضة على الجيش السوري وحلفاءه في الميدان كشف ان لا أساس لهكذا تفاهمات وان وجدت فقد تتعلق بأمور خارج سياق المعارك الجارية من قبيل ضمان عدم الانجرار الى حرب كبرى بين روسيا وامريكا، وان ما يجري على الأرض هو صراع لفرض ارادات لا تفاهمات، اون اختلفت بذلك والوسائل والأدوات.
وفي هذا السياق يجري الحديث عن تزايد الدعم الروسي للجيش السوري واستقدام مزيد من المعدات العسكرية الحديثة بالإضافة الى زيادة ضربات القاذفات الروسية بعيدة المدى، مع تسريبات تقول بان الروس نشروا ثلاث منصات على الأقل من صواريخ الدفاع الجوي البعيدة المدى إس-200 شمال مطار "كويرس"، على بعد لا يزيد عن 50 كيلومتراً عن الحدود التركية تحسبا لأي طارئ في هذه الجبهة، فيما تحدثت وكالة فارس الإيرانية عن استقدام 2000 مقاتل من حركة النجباء للمشاركة في المعارك الجارية مع تعزيز هذه العناصر العسكرية بقوات النخبة من حزب الله التي دخلت منطقة الحمدانية غرب مدينة حلب.
الدور الأمريكي الذي يوصف بالمتراجع كان حاضرا بقوة في هذه المعركة، فقد كشفت صحيفة "الغارديان"، أن آخر شحنة أسلحة بلغارية نقلتها الولايات المتحدة إلى أحد موانئ البحر الأحمر، لتكون سوريا وجهتها النهائية غالباً، كانت في 21 حزيران الماضي وبحمولة 1700 طن. فيما تقول صحيفة السفير اللبنانية انه "خلال تمشيط حي بني زيد، عُثر على مستودعات ذخيرة تشمل كمياتٍ كبيرةً من الأسلحة الأميركية، ولاسيما صواريخ "تاو" المضادة للدبابات. وقد كشف التصوير العالي الدقة أن الصواريخ ومنصات الإطلاق تحمل أرقاماً (DAAH01-74 C 0544) تعود لعقد خاص بالجيش الأمـــيركي، أي أن الولايات المتحدة تُقدم الصواريخ من مخزونها الخاص، بينما كانت المعلومات السابقة تقول إن أطرافاً إقليمية أخرى هي من يقدم الصواريخ من مخزونها بإشراف أميركي".
الحصار الذي فرضه الجيش السوري وحلفاءه لم يصمد طويلا وقد استطاعت فصائل المعارضة المسلحة من كسر هذا الحصار، وهذا التحول السريع يعطي رسائل ان الفصائل المدعومة خليجيا لا تزال تستطيع التحرك والمناورة وتملك إرادة قتال عالية. كما ان هذه المعركة تؤكد ان الفصائل المسلحة "الإرهابية" هي التي تقود المعارضة المسلحة وعلى رأسها جبهة النصرة "المعدلة" مؤخرا وحركة نور الدين الزنكي ذابحة الطفل الفلسطيني، أبرز الفصائل المسلحة هناك، وهذه نقطة ضعف المعارضة السورية التي توفر الاعذار للنظام السوري بقصفها وتدمير قواعدها العسكرية، ويضعف في المقابل حجة الحلف الخليجي الداعي الى تخفيف حدة العمليات الحربية الجارية.
الفصائل المسلحة التي سادت بين عناصرها حالة من الياس بعد حصار الجيش السوري عادت لتؤكد رغبتها الجامحة في شد المعارك وتعقيد عملية الحسم، وتكشف عن غياب الحل السوري الذي قد يطول أكثر او حتى يتوسع لإحراق ما تبقى من أدوات الحرب بالوكالة، وليقترب من أطراف الصراع الكبرى التي قد تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع بعضا في ميداني سوري بات "مَوْقِداً" لأحدث الأسلحة الغربية والشرقية.
اضف تعليق