يُشاع بيننا، أن كل ما نراه من مظاهر التطور العلمي والتقدم التقني والمنجزات والابتكارات، إنما هي نتاج عامل السرعة، فكل شيء في أعيننا يسير بسرعة البرق، حتى لا يكاد الواحد منّا يعدّ ما يظهر يومياً من منجزات صناعية وابتكارات في شتى المجالات، حتى سمى البعض جزافاً العصر الحالي بـ "عصر السرعة"، ربما تأثر البعض بمصاديق السرعة في الواقع الخارجي، عندما يسمع بتسابق المصانع على انتاج القطار الأسرع او السيارة الأسرع او الطائرة النفاثة وهكذا.
هذا ما موجود في العالم المتقدم، أما نحن فلم نتعلم كيفية التقدم والتطور، إنما التفنن في إثارة مشاعر الضعة والضعف، مما يستدعي التعويض او – على الاقل- التخلّص من آثار تلك المشاعر المزعجة، بالدعوة الى التسرّع في الاصعدة كافة، على أمل اللحاق او الاقتراب من الدول المتقدمة علمياً وصناعياً وتجارياً، فما هي النتيجة؟.
لو تمعنّا في سلوك القط؛ هذا الحيوان الأليف واللطيف، وهو يتجول ويتنقل من جدار الى آخر، فلا يمكن ان نرصد له زلّة يوماً ما، ويسقط من قفزة يقفزها من حافة جدار الى آخر، والسبب في ذلك، دقة حسابه للمسافة بين المكان الذي فيه والجهة الاخرى، فإن لم يكن متأكداً من الوصول، وفق حسابات القدرة وطول المسافة، من المستحيل ان يغامر بالقفز وتعريض حياته وسلامته للخطر.
ولذا قيل: " أن العجلة لا تقصر الوقت، كما يظن البعض، بل تقصر العمر، وتكسر الظهر، وتبعد الهدف".
أسرع...! فالزمن يمضي
انه خرافة اخرى تشعل في النفوس مشاعر التخلف أمام الآخرين المتقدمين، فبدلاً من أن ينظر البعض منّا الى نفسه، ويراجع قدراته ويختبر مهاراته بين فترة واخرى للتحقق من الجاهزية او للبحث عن مواطن الخلل، نلاحظ إلقاء اللوم على الزمن لانه يمضي بخطى سريعة، وعليه لابد من اللحاق به والإسراع في التعليم وفي العمل وفي الانتاج وفي اتخاذ القرارات، في حين حقيقة الأمر تؤكد أن الزمن لا يمضي، بل هو باقٍ، إنما نحن الذين نمضي فيه ونسير من حالة الى أخرى، وما التقسيمات التي ابتكرها الانسان للزمن؛ من ساعة ودقيقة وثانية، إلا لحساب حركته هو، وليس حركة الزمن، وإلا فان الأمس واليوم وغداً لا تزول، فهي باقية، وهنالك دوماً غد وبعد غد، وهكذا... الزمن طويل الى ما لا يدركه الانسان، بل انه يموت ويبقى الليل والنهار يتناوبان بنفس الشكل، فالنهار الذي كان قبل مئة عام أو ألف عام – مثلاً- هو نفس النهار والشمس المشرقة التي نعيشها اليوم.
وربما هذه المعادلة الكونية والرحمة الإلهية، تكون باعثاً على الالتفات الى الواقع الداخلي الذي يعيشه الانسان، قبل النظر الى الواقع الخارجي، للمزيد من التحكم بالافعال والسلوكيات والمشاعر، وبالنتيجة الحذر من مآلات الانزلاق في أقوال متسرعة او مواقف عجولة، وقد كثرت الاحاديث المروية عن الائمة المعصومين، عليهم السلام، وايضاً اقوال الحكماء عن مساوئ استعجال الامور قبل التأني والتفكّر.
يقول الامام علي، عليه السلام: "اياك والعجلة بالامور قبل اوانها، او التساقط فيها عند امكانها، او اللجاجة فيها اذا تنكرت، او الوهن عنها اذا استوضحت، فضع كل امر موضعه، و أوقع كل عمل موقعه"، ويقول الحديث الشريف: "انما هلك الناس بالعجلة، ولو ان الناس تثبتوا لم يهلك احد".
وفي هذا السياق لابد من الاشارة الى الاستثناء في هذه القاعدة، وهي أعمال البر والخير، فان الاسراع فيها مطلوب والترويّ فيها مكروه، والسبب المنطقي في ذلك؛ تعلق الأمر بحاجات الاخرين والعمل على معالجة ظواهر معينة، مثل الفقر والعزوبية والتشرد وغيرها، الى جانب الاسهام في مشاريع تنموية واقتصادية، يقول الامام علي، عليه السلام: "التؤدة ممدوحة في كل شيء الا في فرص الخير"، كما لدينا الحديث الشريف والمأثور: "خير البر عاجله"، وهذا وغيره، لن يكون كل حياة الانسان، إنما فرص – كما يضيء لنا الامام علي- بينما سائر أيامنا حياة عادية تدعونا لالتزام الهدوء والتأنّي والتفكر علّنا نتلمس مراقي التقدم والتطور.
فريق كرة القدم
إن التسرّع والاستعجال، تمثل حالة نفسية غير مستقرة، واذا اردنا مصداقية للفشل في التسرّع، فما أدلّ على تعرض العقل للتوتر في اللحظات الحرجة والضغوط النفسية، فأي حركة او قرار او عمل متسرّع يخلق لصاحبه المكاره بمختلف الاشكال.
هذه الحالة النفسية تتعلق -عادة- بالانسان الفرد، ومن النادر ان تصاب جماعة كبيرة في المجتمع بحالة اضطراب، إلا في حوادث معينة او كوارث طبيعية، مثل الزلازل او الحرائق وغيرها، بينما الاغلب، تعرض الانسان الفرد الى ضغوطات نفسية لاسباب عديدة تدفعه لأن يسلك شتى المسالك لتحقيق المطلوب.
ولكن؛ اذا خرج هذا الانسان المأزوم من قوقعه نفسه وسجن ذاته وتخلص من تلكم الضغوطات بالتنفس عبر الاستشارات من هذا وذاك، وفتح نوافذ الاتصال مع الآخرين ، فان احتمال تحقيقه هدفه يكون كبيراً جداً، وبسرعة كبيرة ايضاً.
لنلاحظ فريق كرة القدم في ميادين المحترفين – وليس فيما لدينا نحن!- نجد أن بعض الكرات تتحول الى هدف وبسرعة فائقة لا يتوقعها الخصم، وعندما نراقب المشهد عن كثب، نجد أن الكرة لم تلتصق برجل لاعب واحد يصول ويجول لوحده من وسط الساحة الفسيحة ثم يصل الى مرمى الفريق الخصم ليحرز هدفه، إنما تتنقل الكرة بين هذا اللاعب وذاك في حركات فنية سريعة لا يمكن السيطرة عليها، حتى تصل الى الهداف او اللاعب في المكان المناسب ليتفاجأ حارس المرمى بالكرة وقد هزت شباكه، بينما ما نلاحظه في بعض ملاعبنا، إصرار البعض على الاستمرار في المراوغة من خط الوسط وحتى خط الجزاء، وأن يكون هو صاحب الادوار كلها، فتكون النتيجة إما السقوط بين اللاعبين المعرقلين، او الفشل في السيطرة على الكرة وضياع الفرصة.
اضف تعليق