الربيع الاوربي الذي بدأ ينتعش منذ الحرب العالمية الثانية وحتى السنوات الاخيرة عاشت في ظله القارة الاوربية بحياة مرفهة تفوق التصورات، يبدو انه تأثر كثيرا بالحركة التكنلوجية السريعة في القارة العجوز لينطلق بذات السرعة ويؤشر الى نهاية عمره بشكل مخيف، ما قد يهدد الوجود الاوربي ويفقده ثقله السياسي والاقتصادي في العالم نتيجة ارتفاع مستوى الهجمات الارهابية وراتداداتها.
سابقا كانت اخبار القتل والدمار مخصصة للشرق الاوسط والذي لا تنازعه فيها الدول الغربية الا في هجمات تقع بين الفينة والاخرى قد تمر خلال اشهر او حتى سنوات، الا ان سماع خبر عن هجوم في باريس او برلين لم يعد كذلك في هذه الايام، وقد تفنن الارهابيون في استحداث اساليب القتل لتختلف عن تلك التي استخدمت وما زالت تستخدم في الشرق الاوسط، وربما يكون ذلك مقصودا من قبل الارهابيين لزيادة التشويق في افلام الموت التي نقلت السينما من الخيال الى الواقع حتى اصبح الممثلون لا يستطيعون الا اداء دور واحد في هذه الافلام.
عدة عوامل اسهمت في تنامي ظاهرة الارهاب في القارة العجوز منها ما يرتبط بعوامل اجتماعية وسياسية واخرى دينية فضلا عن حالة الفلتان الامني التي تتضح معالمها يوما بعد اخر مع كل عملية ارهابية جديدة سيما بعد عجز الاجهزة الامنية في منع وقوع حوادث كادت ان تصل الى قاعة الاجتماعات في مقر الاتحاد الاوربي في بروكسل وهو ما اعتبر اكبر خرق امني لاوربا. ويمكن تلخيص عوامل تنامي الارهابي في اوربا الى الاسباب الاتية:
اولاً: ازمة اللجوء؛ فقد ادى تدفق اللاجئين من الشرق الاوسط الى حدوث خلل في النظام الاجتماعي وحتى القانوني في التعامل مع السيول الانسانية الجارفة والتي حملت معها بعض الشوائب الارهابية والخلايا الاجرامية المجهرية التي تتنقل تحت مظلة اللاجئين.
ثانياً: الخلافات الداخلية وصعود الاحزاب اليمينية المتطرفة؛ والخروج البريطاني من الاتحاد الاوربي قد يكون المثال الابرز للخلافات التي تدور في البيت الاوربي، وادى تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الاوربي الى زيادة المخاوف من عدوى الـ"بريكسيت" ومع صعود الاحزاب اليمينية المتطرفة تزداد هذه المخاوف اكثر حيث تقوم هذه الاحزاب باستغلال مخاوف بروكسل من تفكك الاتحاد الاوربي وعدم ممارستها ضغوطات كبيرة على اعضاء الاتحاد الاوربي، فيما لجأت بعض الدول الى اتخاذ خطوات احادية مثل فرض بعض القيود على حركة المواطنين على الحدود وغيرها من الاجراءات التي تتعارض مع القوانين الاوربية.
ثالثا: انضمام عدد من مواطني اوربا الى الجماعات الارهابية حيث يقاتل عدد كبير من الاوربيين مع جماعة داعش الارهابية في سوريا والعراق او حتى مع التنظيمات الاخرى التي تقاتل في سوريا، وقد حذر الكثير من الخبراء الامنيين والمسؤولين من ان عودة هؤلاء المتطرفين الى بلدانهم قد يؤدي الى احداث خلل امني يجعل اوربا ساحة حرب للجماعات الارهابية وهو ما يحدث هذه الايام، حيث دونت اغلب الدول الاوربية حضورها في سجل ضحايا العناصر المتطرفة.
رابعا: الهزائم الكبيرة التي تتعرض لها الجماعات الارهابية في بؤر الصراع بالشرق الاوسط وخاصة في العراق وسوريا، ما جعلها تبحث عن ساحة حرب جديدة توفر لها هامشا من المناورة واثبات الوجود بعد استحالة بقاء سيطرتها على المناطق التي كانت تحتلها في العراق وسوريا. فضلا عن استخدامها لاستراتيجيات جديدة تتمثل في تنويع الهجمات وتكثيفها مع تقليل خسائرها الى الحد الادنى من خلال الهجمات الفردية.
خامسا: عدم نجاعة سياسات ادماج المهاجرين والتعامل السيء مع المسلمين وهذه لا تتعلق بازمة اللجوء الحالية التي جاءت بسبب داعش واخواتها، بل ترجع الى التعامل الفوقي وغير الانساني مع المسلمين خاصة في فرنسا التي كانت ولا زالت من ابرز الدول التي تتعامل مع المسلمين بشدة مثل منع ارتداء الحجاب والتمييز العنصري ضد المهاجرين وهو ما ادى الى ظهور احياء كاملة تتسم بالفقر في ضواحي باريس.
الدول الاوربية فشلت في تقدير امكانات الجماعات الارهابية في تنفيذ هجماتها بالداخل الاوربي، فداعش التي تنفذ حرب ابادة جماعية ضد الشعب العراقي استخدمت الادوات البسيطة المتاحة في هذا البلد وهي العبوات الناسفة والسيارات المفخخة حيث لا تملك الدولة العراقية اجهزة متطورة لكشف المتفجرات وبالتالي كانت هذه الاستراتيجية ناجحة بالنسبة للارهابيين، الا ان الاسلوب اختلف في اوربا مع وجود اجهزة متطورة يمكنها ملاحقة العجلات المفخخة او اكتشاف الاحزمة الناسفة وبالتالي نجد ان حوادث اطلاق النار والطعن بالسكاكين هي السائدة في الدول الاوربية، حيث لم تستطع الاجهزة الامنية هناك من التعامل بشكل فعال لايقاف هذه الهجمات التي اصبحت شبه يومية.
كلما زادت حدة الهجمات الارهابية في دولة ما ارتفع معها حجم الكراهية والحقد وسادت الافكار الثأرية والانتقامية، وبما ان اوربا مرشحة لتربع مكانة متقدمة في تصنيف المناطق المعرضة للمخاطر الارهابية فان فرص صعود الاحزام اليمينية المتطرفة تزداد ما يهدد بعودة اوربا الى زمن ما قبل الحرب العالمية الثانية لتكمل اوربا بذلك دورة حياتها وتنتقل مباشرة من ربيع الرفاهية والاستقرار الى خريف التفكك والتطرف.
اضف تعليق