بعيدا عن كون الانقلاب العسكري الفاشل الذي جرى في تركيا في 17 تموز الجاري حقيقة ام لا فان ما حدث هو انقلاب فعلي في سياسة تركيا سواء الخارجية وستتبعها سياستها الداخلية ايضا، فخروج اوردغان عن توافق الكبار (اميركا-روسيا) منذ فترة ليست بالقصيرة وحلمه بعودة الامبراطورية العثمانية على يديه ورسمه لأهداف صعبة المنال سببت له مشاكل كبرى مع الكثير واولهم مع كبار اللاعبين السياسيين.
الرجل ذهب بعيدا في تدخلاته في شؤون ليبيا وسوريا والعراق وحاول ان يفرض لنفسه رقما في المعادلة الدولية او الاقليمية، غير انه لم يراع الطرق السياسية والحسابات الدولية في كيفية ادارة اللعبة سواء بشأن الحل السياسي للأزمة السورية، فضلاً عن محاولته ان يكون متوازياً مع شخصيات (أوباما-بوتين) من ناحية الثقل العالمي.
ومنذ سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة من سوريا وشمال وغرب العراق والكلام يدور عن شبهات عن تسهيل او غض النظر من قبل حكومة تركيا عن مرور المسلحين الاجانب الملتحقين بتنظيم داعش في سوريا والعراق وبصورة شبه يومية حسب روايات مصادر اعلامية، كذلك موضوع المهاجرين غير الشرعيين لاوربا عبر الحدود التركية.
اردوغان بقى طيلة تلكم الفترة غير واضح القرار ولا التوجه بل ان مشاكله متعددة ومتشابكه مع اغلب دول الجوار له ومع روسيا وحتى مع الامريكان (في بعض الامور على مايبدو)، مضافا الى ذلك عدم تنسيقه في اغلب تحركاته مع الاقطاب العالمية للعبة الدولية.
حاول السيد اوردغان ان يكون رقما اقليميا وحتى عالميا من خلال فرض بعض الوقائع على معادلة الشرق الاوسط، وتعقيد بعض مشاهدها ليحاول ان يجعل مفتاح الحل من خلاله فقط، او فرض نفسه على القطبين(أمريكا-روسيا) في ايجاد حلول للوضعين العراقي والسوري وضمن شروطه التي يراها.
احلام الرجل ذهبت ادراج الرياح فقراءته للمشهد الدولي لم تكن مبنيه على حقيقة او تصور فعلي، او ان احد اصدقائه المقربين أراه صورة أخرى غير التي تجري على الارض.
اليوم تركيا ادركت جيدا ان احلام اليقظة لا تبني سياسة الدول بل ان الحسابات على ارض الواقع هي من يحكم فرغم ان تركيا استدركت بالاستدارة نحو سوريا من خلال تصريحات بن علي يلدرم، الا ان قرار (العقوبة) على مايبدو كان متخذا قبل هذه الفترة ووجد طريق التنفيذ كحركة انقلاب تحذيرية بعدم تجاوز اتفاق الكبار، وهذا ما ادركه اوردغان ليلة الانقلاب وجعله يقدم تنازلات كثيرة لخارطة شرق اوسط جديدة لا يكون طرفاً فيها مقابل بقائه في السلطة.. لذلك تركيا على المستوى الخارجي ستكون بوجه اخر، اما داخلياً سيكون منتشياً (لفترة ليست بالقليلة) بدحر الانقلاب ويحكم بقبضة من حديد وتصفية الخصوم لكن هذا سيفتح له ابواب رفض قد يصل حد انقلاب سياسي او عنف داخلي.
ماهو الحل؟
يملك السيد اردوغان فرص عديدة للعودة للمشهد الاقليمي والدولي ويكون رجل بلده بطريقة اخرى غير طريقة (علمدار) فما تملكه تركيا من موقع استراتيجي ودور اقليمي وحركة اقتصادية تمكنها من العودة بقوة للعب دور الرجل -الهادئ- العاقل الغني، من خلال التوسط في حل مشاكل المنطقة وعدم التدخل السلبي فيها والنظر بواقعية للعالم الجديد، والتخلي عن فكرة تركيا الامبراطورية العثمانية الى تركيا الحديثة العلمانية، مع اعتزاز كل دولة بتاريخها، ولكن الواقعية هي الحل والقراءة المتأنية للمشهد الدولي وترك التعصب السياسي والحكم على الاخرين من خلال افكار الامس، بل ان الابواب مفتحة لتركيا في اوسع طرقها ان جاءت بلباس التهدئة ومساعدة جيرانها على اعادة الهدوء، ورفض المساس بشرعية الوضع التركي، فان الاحترام الدستوري لدول الجوار من قبل تركيا سيكون لها موقف ايجابي في بناء علاقات جديدة تصب في تهدئة الاوضاع وبناء منطقة فعالة ومتفاعلة في البناء الحضاري للعالم.
اضف تعليق