لا يزال الصراع السعودي الايراني في الشرق الاوسط يتجه نحو التصعيد وتشابك الازمات، فلا تكاد تخلو ازمة اقليمية الا وكانت الرياض وطهران طرفا هذا الصراع، فمن العراق الى سوريا وحتى اليمن وليس انتهاء بلبنان والبحرين، في صراع مستميت بدأ منذ اندلاع الثورة الاسلامية في ايران وحتى هذه اللحظة وكانت اغلب ادوات الدولتين استخدام الحرب بالوكالة، فيما وصلت بعض الازمات الى ما يفوق كل التوقعات، محولة الشرق الاوسط الى بركان قد يثور في اي لحظة.
رئيس جهاز المخابرات السعودي الاسبق وسفير بلاده في بريطانيا والولايات المتحدة سابقا، نقل الحرب الايرانية السعودية الى مرحلة جديدة من خلال التركيز على التوغل داخل العمق الايراني من خلال مشاركته في مؤتمر حركة مجاهدي خلق المناوئة لحكومة الجمهورية الاسلامية. ودعوته لإسقاط النظام الحاكم في البلاد في خطوة لاقت ردود فعل متباينة بين اغلبية مؤيدة واقلية معارضة داخل السعودية وفي الجانب الاخر لاقت تهويلا وتقليلا من شانها بالنسبة للجانب الايراني.
سعودياً بدت اللهجة الاحتفالية بهذه الخطوة واضحة وقد تكون نابعة من طبيعة النظام الحاكم الذي عودنا على حشد اكبر عدد ممكن من الارقام دون النظر الى فاعليتها على غرار التحالفات العسكرية الثلاثينية او خطتها الاقتصادية لعام 2030 التي اجاد الاعلام السعودي في رسم الصورة الناصعة لها والتي لم نلتمس اي من نتائجها لحد الان، وفي تعليقه على مشاركة تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الايرانية عبر الإعلامي السعودي جمال خاشقجي عن تايديه لتدخل بلاده في الشان الداخلي الايران حيث كتب عبر صفحته بموقع تويتر "انتقد البعض مشاركة الأمير تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الإيرانية كونه يعطي ذريعة لإيران للتدخل! وهل بقي في جعبة إيران شر لم تفعله ضدنا؟. وقد عد خاشقجي عمل الفيصل بالجهد الوطني حيث تابع قائلا "انتقاد مشاركة تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة يشي أن بعضنا يريد دحر إيران بالتمني ومن دون عمل وجهد وطني او بالاعتماد على حليف لا يوجد".
صحيح ان تركي الفيصل لا ينتمي رسميا للنظام الحاكم في السعودية وهو ما بررته الاوساط الرسمية في البلاد، الا انه يمثل احد اكثر الفاعلين بالسياسة السعودية وتوجهاتها الاقليمية، ولقائه في مناظرة جمعته مع الجنرال الإسرائيلي، يعقوب اميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، جزء من هذا التوجه الجديد للقيادة السعودية التي باتت اقرب لاسرائيل من اي دولة عربية والحديث يدور عن تحالف قوي بين الطرفين واعطاء الرياض قاعدة عسكرية لتل ابيب في اليمن فيما انظمت مؤخرا لمعاهدة السلام مع اسرائيل من خلال تاكيد سيادتها على جزيرتي تيران وصناقير من مصر.
والواضح ان الخطوة السعودية بدعم المعارضة الايرانية لا تختلف عن القرارات السعودية السابقة من حيث افتقادها للتقدير الجيد للموقف، فوضعها الداخلي قد ينفجر في اي وقت ليس الامر مرتبط في المنطقة الشرقية فقط، بل تصاعد الخلافات بين العائة الحاكمة والمؤسسة الدينية ذات النفوذ الواسع في المملكة وهذا الخلاف مرشح للتصاعد في المراحل المقبلة من الصراع الايراني السعودي، فخطة بن سلمان الاقتصادية تركز على التحديث الاقتصادي وبعض الجوانب التي تتعارض مع رؤية المؤسسة الدينية المحافظة خاصة ما يتعلق بسياسة الانفتاح واقامة المتنزهات وفتح دور السينما.
وفق الاعرف العسكرية فان خوض اكثر من حرب دون حسم يجعل التنبؤ بالنتائج امرا مستبعدا وبالتالي فان توسيع السعودية لدائرة الصراع مع خصمها الايراني يعد نوعا من الهروب الى الامام اكثر منها خطوة باتجاه فرض رؤيتها على خصومها اذا ما علمنا ان حرب اليمن التي اعتبرت حركة مفصلية في اطار هزيمة ايران لم تحسم حتى الان وفي سوريا ولبنان والعراق تبدو السيطرة على الامور ايرانية بامتياز، وحتى الاجواء الاحتفالية التي سادت بين المعلقين السعوديين على خطوة اميرهم تركي الفيصل في مواقع التواصل الاجتماعي لا تتعدى حدود المكابرة التي عودتنا عليها السعودية.
لكن هذه العقبات التي تحيط بالسعودية لا تعني ان طريق الفوز بهذه الحرب الاقليمية معبد امام طهران فمشاكلها كثيرة وتوغلها اكثر في صراعات المنطقة قد يفضي الى نتائج غير مرغوبة لقيادتها السياسية والعسكرية فالصراع الانتخابي قد بدأ مبكرا هذه المرة وعودة المتشددين الى الحكم تبدو وشيكة بعد خيبة الظن بالاتفاق النووي الذي لم تظهر نتائجه المتوقعة حتى الان، بالإضافة الى تزايد نفوذ الحرس الثوري الذي قد يقوض الحنكة السياسية التي لا تزال تتمتع فيها طهران، وقد يفرض معادلة جديدة تؤدي الى اضعاف النظام السياسي في البلاد. وما يعزز نفوذ الحرس الثوري هو الخوف من عدم النجاح السياسي في مواجهة التصعيد السعودي الذي لا توجد اي مؤشرات على تراجعه.
الا ان ما يسعف ايران هو قدرتها على التاقلم وخبرتها الواسعة في صراعات الاستنزاف فضلا عما تتمتع به القيادة الايرانية من حكمة سياسية والاتفاق النووي وصراعها مع واشنطن يعبر عن قدرتها على تحقيق اهدافها بغض النظر عن شراسة خصومها، لا سيما بعد تطوير تقنياتها التسليحية التي تعد السند القوي لاي مفاوض يريد فرض ارادته على خصمه.
الاقتصاد الذي يعد احد اهم نقاط القوة في اي نظام سياسي تتشابق الاوضاع الاقتصادية بين الرياض وطهران من حيث ما يعيشه البلدين من مرحلة يمكن ان نسميها "انتقالية"، فعلى المستوى السعودية اطلقت رؤيى بن سلمان لعام 2030 والتي توصف بالطموحة حيث تعتمد على توسيع الاستثمارات وتقليل الاعتماد على القطاع العام وجذب الشركات الاجنبية والاهم من ذلك تقليل الاعتماد على النفط، وهذه الاهداف لا يمكن ان تتحقق في ظل تصاعد حدة التوتر والتي تهدد استقرارها السياسي.
اما بالنسبة لايران فقد مر عام على ابرام الاتفاق النووي وما يزين عن نصف عام على رفع العقوبات الاقتصادية عنها، الا ان اقتصاد البلاد لا يزال يعاني بل ان بعض التقارير تشير الى تراجع اقتصادي بسبب ازدياد المخاوف من غياب الاستقرار السياسي على وقع الخلافات بين الاصلاحيين والمتشددين وتوغل ايران في دوامة صراعات الشرق الاوسط.
لا تضيف الخطوة السعودية من خلال مشاركة تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الايرانية جديدا للصراع السعودي الايراني وما هي الا تمديد لامد الحرب المستعرة منذ عدة سنوات وبمحاولة نقل المعركة الى الداخل من قبل الطرفين يبدو ان الشرق الاوسط مقبل على مزيد من الخراب والدمار والتراجع الاقتصادي، وفي ظروف الحرب ترتفع اسهم التشدد التي لا ترى في السياسة الا ترفا لا فائدة منه.
اضف تعليق