اثارت الجرائم البشعة التي ارتكبها الارهابيون مؤخراً في العاصمة الفرنسية باريس، اهتمام المؤسسة الدينية بشكل عام والشيعية على وجه الخصوص، لتوجّه خطابها هذه المرّة الى الشعوب الغربية لدعوتها لقراءة الاسلام بعقول منفتحة بعيداً عن حصار الاجندات الإعلامية التي تسعى لتحديد طريقة تفكيرهم ووسائل اطلاعهم على الاسلام.
فلقد دعا مثلاً المرجع المحقق السيد صادق الحسيني الشيرازي الشعوب الغربية الى التعرف على الاسلام من خلال مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ليميّزوا بين ما يسوقه لهم الارهابيون والتكفيريون من صورة عن الاسلام وبين ما هو حقيقي وواقعي لدين الله العظيم في قيمه وأخلاقه ومبادئه وفي كل شيء.
وبرأيي، فإننا بأشد الحاجة اليوم، وأكثر من اي يوم آخر، الى ان نتوجه بخطابنا للشعوب الغربية، بنفس المقدار الذي هم كذلك بأمسّ الحاجة الى ان يقرأوا الاسلام بشكل سليم، لنُطلق معاً مشروع حوار الأديان والحضارات من أوسع ابوابه وعلى اعلى المستويات (المرجعية الدينية) فعلى الرغم من ان الظّرف الذي يمرّ به الغرب اليوم ازاء التهديدات الإرهابية صعبٌ جداً ومعقّد ومخيف، الا انه في نفس الوقت يُعتبر الارضيّة الخصبة لشعوبه للتوجه الى قراءة الاسلام بشكل صحيح وسليم بعيداً عن المؤثرات السياسية والأجندات الإعلامية.
ولذلك فانا اقترح ما يلي:
اولاً؛ تدوين مشروع حوار الأديان بشكل مفصّل كبرنامج عمل تشرف عليه المرجعية الدينية العليا، فهي من أكثر الجهات (الدينيّة) قدرة على إنجاز ذلك، إنْ على صعيد الفكر والثقافة او على صعيد الإمكانيات المالية، فما هو معروف فانّ مثل هذا المشروع بحاجة الى إمكانيات فكرية هائلة وكذلك الى قدرات مالية كبيرة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان الحوزة العلمية هي الجهة (الدينية) الوحيدة التي ظلت محافظة على استقلاليتها، لم تتدخل في شؤونها وبرامجها وإدارتها الحكومات على الرغم من كل ما بذلت من جهد بوليسي وآخر (دبلوماسي) لتحقيق ذلك، ولذلك فهي الاقدر على إنجاز هذا المشروع بعيداً عن التأثيرات السياسية والأجندات السلطوية والحكومية التي يقدمها الاعلام، الامر الذي لا يرغب فيه من يسعى للتعرف على الأديان وتحديداً الاسلام، وخاصة الشعوب الغربية.
ثانياً؛ المبادرة لتشكيل مجموعات حوار على مختلف الاصعدة، بدءاً من أكبر مؤسّستين دينيّتين في العالم، واقصد بهما الحوزة العلمية في النجف الأشرف وحاضرة الفاتيكان، مروراً بالجامعات ومعاهد الدراسات الدينية، بالإضافة الى مراكز الأبحاث وما شابهها.
اعتقد ان الفرصة سانحة اليوم لتتبادل النجف الأشرف والفاتيكان زيارات عمل تضع أسس حوار الأديان وانطلاق به على اعلى المستويات.
ثالثاً؛ الاهتمام باللغات الأجنبية في تبليغ الرسالة، فلتبادر المرجعية الدينية العليا فوراً لتأسيس فضائية عالمية على الأقل باللغات الثلاث (الانجليزية والفرنسية والصينية) يديرها ويشرف عليها ذوي الاختصاص من العلماء والفقهاء والمفكرين بالتعاون مع اخصائيّين لغتهم الام اللغات الثلاث المشار اليها، فلا يكفي ان يتكلّم المحاضر او ُمعد البرنامج الانجليزية مثلاً، انما يجب ان يكون ممن يفهم الثقافة الانجليزية وطريقة فهم الاخر للأمور وطريقة تفكيره، لينجح في إيصال الرسالة بشكل دقيق جداً، فالرسالة الدينية تختلف اختلافاً كلياً عن اية رسالة اخرى، السياسية مثلاً او حتى العلمية، لان الدين عقيدة بالإضافة الى العلم.
وبهذا الصدد، ينبغي الاستفادة من الأجيال الجديدة التي وُلِدَت ونمت وترعرعت في بلاد الغرب، فهؤلاء يتميّزون بخصلة في غاية الاهمية، الا وهي؛ انهم يفهمون ثقافة الغرب وفي نفس الوقت فهم يهضمون ثقافة الاسلام ومدرسة اهل البيت (ع) فبقليل من الرعاية والاهتمام يمكنهم ان يلعبوا دوراً في غاية الاهمية على صعيد الاعلام، وبحمد الله تعالى فإننا نرى عدداً منهم وقد نجح في اداء رسالة التبليغ بشكل ملحوظ بل ومتميّز.
ولا ينبغي ان نغفل مشروع ادخال تعلّم اللغات العالمية في المناهج التعليميّة الحوزويّة، ففي الولايات المتحدة الأميركية، مثلاً، عندما تقرّر التوجه الى الصين اقتصادياً قبل عدة سنوات، بادرت كل المؤسسات التعليمية الى تدريس اللغة الصينية بشكل واسع جداً، حتى كانت الاولى بين كل اللغات العالمية في السنين الأربع الاولى.
رابعاً؛ ان تهتم المرجعية الدينية العليا بالزمالات الدراسيّة العلمية للطلاب الأذكياء والمتفوقين ليدرسوا في ارقى الجامعات العالمية، ليس علوم الطب والهندسة وما شابهها، ابداً، وإنما ليدرسوا علوم الحياة مثل التاريخ والأديان والاجتماع والقانون والعلاقات الدولية والسياسة والاعلام وما شابهها.
يجب الاهتمام بهذا الامر ليكون عندنا بعد عشر سنوات مثلا (١٠) آلاف أستاذ جامعي متخصص بهذه العلوم ينتشرون في الجامعات الراقية في مختلف دول العالم، فإلى متى تظل مدرسة أهل البيت (ع) مغيّبة في مناهج هذه الجامعات؟ الى متى يظل (نهج البلاغة) مغيٌب عن المناهج التعليمية والبحثية الراقية في هذا العالم؟.
اننا اليوم بحاجة الى خطة عمل استراتيجية ستؤتي أكُلها على الأقل بعد عقد من الزمن، وهكذا هي المشاريع الاستراتيجية التاريخية، فلا ينفعنا في شيء ان نخطط لِغَد او بعِد غد، فان ذلك لن يغير من الامر في شيء.
لقد تقدّمت قبل (٨) سنوات بمشروع تأسيس (كرسي تدريسي) في احدى ارقى الجامعات الأميركية، بعنوان؛. [Imam ali chair]
ولقد حاولت مع العديد من الجهات الدينية، في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، ولكن بلا نتيجة، ولو كنّا قد أسّسنا هذا المشروع وقتها لكنّا اليوم على وشك ان نقتطف ثماره خلال عام او عامين، ولكن، آه من لكنّ!.
اضف تعليق