نغرق اليوم في مشهد عالمي للعنف، ويحصل ذلك مزامنة مع شهر رمضان، حيث بات العنف أكثر سطوعاً هذا العام، فهو يتواجد بيننا، ويفرض نفسه عليها طيلة أيام العام، إنه العنف العالمي، فالعالم يتفجر من حولنا، حتى المدن المثالية بهدوئها وجمالها ورفاهيتها، باتت بؤرا تبث العنف في أرجاء العالم، كما تفعل باريس الآن مثلا، او مدن أمريكية كأورلاندو، او ما يحدث في بلجيكا، في الحقيقة باتت أوربا والغرب مسرحا للعنف، والأصح منتجة للعنف الذي بات صناعة غربية بامتياز.
أطرف العنف العالمي، ونعني المشتركين في تدويره وإنتاجه عالميا، هم الغربيون، فهو نتيجة لصراعاتهم المادية التي لا تنتهي، وقد حاولوا إيجاد أمان لإدارة العنف خارج مدنهم ومساحات دولهم الغربية، وقد نجحوا في ذلك الى حين، فما يحدث في سوريا، (التي باتت مسرحا لجيوش غربية غربية) هو عنف غربي عالمي يحدث بين الغرب والشرق الاوربي بحضور امريكي، عنف (خبيث) تدور رحاه على ارض عربية اسلامية، بين ارادات غربية، وقوده وحطبه الشعب السوري، والعراقي ايضا، فما يدور في العراق تصنعه يد الغرب وتغذيه.
لقد وقع الغربيون في الفخ الذي صنعوه بأيديهم، يوجد مثل يقول (من حفر حفرة لأخيه وقع فيها)، كان الغربيون يدركون أن العنف صناعة ايدهم، ولكنهم يدركون ايضا، أنهم لا يتمكنون من الخلاص من العنف الذي يدور بينهم سرا وعلنا، إنه كاللعنة التي لازمتهم في حياتهم، لذلك حاولوا تجنب العنف ليس بالقضاء عليه وكف شره عنه.
بل فعلوا ما هو أسوأ بكثير، عندما خططوا لنقل العنف الى أماكن اخرى في العالم خارج مساحاتهم الجغرافية والمجتمعية، ولكنهم صُدموا بعودة العنف الى أرضه الأم، الى اوربا والغرب، الى امريكا، فعودة الذئاب المنفردة، كانت ولا تزال تؤرق حكومات الغرب، فهذه العناصر الشاذة المشاركة بقوة في صناعة العنف مع داعش ومنظمات إرهابية متطرفة أخرى، تم صناعتها في الغرب نفسه، من حيث الانتماء والرعاية والتدريب والتمويل، وكل تصورهم إنما يبعدون العنف عنهم بهذه الطريقة، فطالما أنهم غير قادرين على وأده وحز رقبته، فالحل إذاً بنقله الى خارج مساحاتهم الجغرافية، عبر أسلوب القتال البديل او بالوكالة.
فهل نجح الغرب بذلك؟؟ ان ما يدور في أرضهم من مظاهر عنف اليوم، هو الجواب على مثل هذه الأسئلة، لقد تورط الغرب بصناعة خبيثة شريرة، وكان يتصور أنه (بذكائه)، إنما سيبعد بؤر العنف عن شعوبه وبلدانه الى الأبد، وأن فقراء الدول الفقيرة والمتخلفة، هم الذين يصلحون وقودا وحطبا للعنف العالمي، هكذا كان يتوقع الغربيون، بيد أن البراهين تترى عليهم، على نحو تتابعي يومي، إنهم اليوم يعيشون في عمق العنف، أو أن العنف يجتاح عمقهم.
العنف الذي صنعوه بأيديهم يعود إليهم، وكان الحري بهم، عدم تصدير العنف الى الفقيرة او المتأخرة علميا واقتصاديا وسياسيا، فالجميع بالحسابات الانسان (أرواح متساوية)، الكل كان يجب ان يتعاون لصناعة عالم خال من العنف، هذه رؤية طرحها سماحة المجدد الثاني الامام السيد محمد الشيرازي في نظرية اللاعنف التي قدمها للعالم في قمة الوضوح من حيث جوهرها الفكري او العملي، وقد جرب السابقون كيف كانت نتائج اللاعنف على الارض، كما فعل غاندي في صراعه المرير ضد الاستعمار البريطاني.
لا تزال ثمة فرصة سانحة أمام الغرب، فمعالجة العنف ليست في تصديره، ولا تحاشيه بعدم منحه الاهتمام، ولا ينجح الغرب في أساليب إبعاده بالوكالة، التخلص من العنف كمشكلة عالمية، لا يتم بنقله الى المناطق والأماكن الفقيرة المتأخرة، إنما في وضع قواعد دولية صارمة لمكافحة العنف، تسري على الجميع وأولهم الغرب باعتباره اكبر الحواضن المنتجة للخراب العالمي.
اضف تعليق