منذ انضمام اللقيطة إسرائيل إلى منظمة الأمم المتحدة عام 1949 ولغاية شهر حزيران الجاري، كان الموقف العربي والإسلامي المعارض علنا، والمهادن باطنا، والمؤيد سرا، يحول دون تولي إسرائيل رسميا أي مهمة رئاسية في تنظيمات المنظمة الدولية، وإلا فإنها واقعا تتولى حتى رئاسة المنظمة بصورة غير رسمية!
وكان من الغرابة أن يستمر هذا الموقف التعنتي العلني بالرغم من تبدل مواقف الكثير من الدول العربية والإسلامية من كثير من القضايا الحساسة والشائكة بعد ما سببه الربيع العربي الأجرب، ولاسيما بعد أن اعترفت الكثير منها بإسرائيل وتبادلت التمثيل الدبلوماسي معها.
لكن يبدو أن بعض العرب والمسلمين، تخلوا عن خوفهم وعن حيائهم لا ليمتنعوا عن معارضة إسرائيل فحسب وإنما ليعلنوا تأييدها ودعمها! في الأقل هذا ما أكدته وأيدته المفاجأة الكبيرة التي حدثت في انتخابات رئاسات لجان الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي أجريت قبل أيام، وكان من نتائجها تولي إسرائيل رئاسة إحدى اللجان المهمة، وبتأييد ودعم عربي!
المعروف أن هنالك ست لجان دائمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة تشرف حسب تخصصاتها على بعض المفاصل الدولية الحساسة، كل منها حسب تسميتها؛ هي على التوالي: لجنة نزع السلاح. لجنة القضايا الاقتصادية والمالية. لجنة حقوق الإنسان.
لجنة إنهاء الاستعمار. لجنة ميزانية الأمم المتحدة. لجنة الشؤون القانونية.
تتولى هذه اللجان عادة متابعة التقارير التي تقدم لها حسب تخصصاتها، وترفع توصياتها بشأنها.
المفاجئ في صعود إسرائيل أن آلية التصويت المتبعة لانتخاب رؤساء اللجان كان يسبقها إجماع قبل التصويت على أسماء المرشحين لرئاسة اللجان الستة، لكن اعتراض المجموعتين الإسلامية؛ التي تحدث باسمها الممثل الدائم للكويت منصور العتيبي، والعربية التي تحدث باسمها الممثل الدائم لليمن خالد اليماني على ترشح إسرائيل لرئاسة إحدى اللجان، أخل بالإجماع، ودفع الجمعية العامة إلى إجراء التصويت الأخير في 13 حزيران الجاري بالاقتراع السري، وفي هذا التصويت فازت (إسرائيل) برئاسة اللجنة القانونية، التي تشرف على القضايا المتعلقة بالقانون الدولي، بواقع (109) أصوات من أصل (175) صوتا في الجمعية العامة المؤلفة من (193) دولة، وجاءت السويد في المركز الثاني بواقع عشر نقاط فقط. وهي المرة الأولى التي تتولى فيها إسرائيل رئاسة واحدة من هذه اللجان منذ انضمامها إلى الأمم المتحدة.
إن ترأس إسرائيل لهذه اللجنة سيمنحها فرصة للعب دور أكبر في شؤون المنظمة الدولية وبشكل رسمي وعلني بعد أن كانت تلعب من وراء ستار.
المفاجأة الأكبر أن أربع دول عربية، لم تُعرف أسماؤها بعد، صوتت لصالح إسرائيل مما منحها الأفضلية، وهذا تبدل مثير في الموقف العربي الإسلامي من إسرائيل، يؤكد أن سياسة بعض الدول العربية ولاسيما الخليجية منها تبدلت بواقع (180) درجة، ليتحول عداؤها إلى أشقائها الدول العربية الأخرى، لتثبت قاعدة التعامل البيني الجديدة التي أطلقتها الجماعات الراديكالية المتطرفة وأيدتها بعض الأنظمة العربية، والتي تدعي أن بعض البلدان العربية أشد خطرا على بعض الأنظمة العربية من إسرائيل نفسها، ولذا ارتفعت الدعوات لكسب ود إسرائيل ودعمها في محاربة هذه الأنظمة سواء بواسطة داعش والقاعدة أو بدعم متمردين من داخل تلك البلدان نفسها.
إن هذا الموقف يعلن عن بدء مرحلة جديدة من مراحل العلاقة بين العرب أنفسهم، تَعِدُ بفصم آخر المشتركات التاريخية بينهم، وتحويلهم إلى كيانات هزيلة لا علاقة لها ببعضها، ولتنتهي إلى الأبد أسطورة (لبيك يا علم العروبة) وعلى العروبة السلام!
اضف تعليق