بعدما فاجأ المتظاهرون الجميع، باقتحام ثانٍ للمنطقة الخضراء خلال شهر، فاجأ رئيس الوزراء السيد (حيدر العبادي) الجميع، بإعلانه بدء معركة تحرير الفلوجة رسمياً، فقد أعلن يوم 22 أيار 2016 البدء بعملية عسكرية واسعة لتحرير مدينة الفلوجة معقل تنظيم داعش في العراق، والتي تأخر تحريرها لأكثر من سنتين منذ دخول داعش للعراق عام 2014، سبقها تقدم القوات العراقية إلى مناطق نائية في محافظة والانبار، حتى وصلت أخيرا إلى قضاء الرطبة أقصى الغرب العراقي على الحدود مع الأردن، وبتحرير الرطبة والرمادي ومناطق هيت وأخيرا الكرمة والصقلاوية، فقد تم تطويق المدينة من كل الجبهات.
وبانتظار قرار المحكمة الاتحادية، وما ستسفر عنه أحداث معركة الفلوجة، فإن الأحداث تتسارع في بغداد وتتضارب بوصلتها، فمن اعتصام لعدد من أعضاء مجلس النواب مطالب بالإصلاح، إلى اقتحام متكرر للخضراء طال كلا من مجلس النواب ومجلس الوزراء، ثم إلى تفجيرات متتالية ببغداد، ثم الخوف من إن تتطور الأحداث في العراق إلى نزاع مسلح بين فصائل متعددة، لهذا أعلنت الحكومة العراقية التوجه نحو معركة الفلوجة.
وفي غمرة هذه الموجات المتعاكسة للأحداث، قد يقوم المتظاهرون باقتحامات أخرى يمكن إن تطول مقر المحكمة الاتحادية، إذا لم تقرر المحكمة أمرا بشأن جلستي البرلمان المختلف عليهما، وتنهي النزاع الدائر حول شرعية من عدم شرعية جلسات البرلمان وانتخاب الوزراء.
على الرغم من إن هناك عدد من الأسباب التي عجلت بتحرير الفلوجة ومنها: أن الفلوجة مركز مهم لتنظيم داعش في العراق، بل المركز الرئيسي له، وهي مركز التحكم والقيادة، وتضم أهم قادة التنظيم، وذات رمزية خاصة له، ولبعض دول الإقليم، كذلك عامل القرب من بغداد، لقد كانت الفلوجة المقر الأساس لتفخيخ السيارات وتجهيز الانتحاريين وإرسالهم إلى العاصمة بغداد لقربها منها، إذ لا تبعد سوى 50 كيلو متر، مع وجود الممرات التي تسهل عمل عناصر التنظيم في الكرمة والصقلاوية، وهي تعد أيضا مكان دعم أساسي للتنظيمات النائمة في العاصمة وحزام بغداد، وقطع أي اتصال بين تنظيم داعش في الفلوجة ومناطق حزام بغداد مع عناصر التنظيم الأخرى في سوريا، لان كل الإمدادات التي تصل للخلايا النائمة في العاصمة وبعض المدن العراقية من دول الإقليم عبر سوريا إلى العراق كانت تتم عن طريق الفلوجة، لهذا كان لابد من قطع هذا التواصل.
إلا ان العامل الأساس الذي عجل من الهجوم على الفلوجة كما ذكرت التقارير أن معركة الفلوجة قد تكون وسيلة لمنع تطور خلاف بين الفصائل المسلحة بعد أحداث بغداد الأخيرة إلى نزاع مسلح حتى إن تم تغيير في الموقف الأمريكي حيال تحرير الفلوجة قبل الموصل لقد كانت التوقعات إن يتم التوجه إلى محافظة نينوى لتحريرها من قبضة داعش أولا، وهذا ما كانت تصرح به الإدارة الأمريكية من إن الموصل أولا، ومن ثم العودة إلى الفلوجة، إلا إن بعض الأمور قد سرعت من وتيرة تحرير الفلوجة، وجعلها الهدف الأول قبل الموصل، والتوافق مع الجانب الإيراني حول الموضوع، حتى إن بعض المحللين أكدوا على إن هناك شبه إجماع عراقي على تحرير الفلوجة، والقبول بمشاركة الحشد الشعبي من مختلف الأطراف، بعد إن كان مشاركته خطا احمر من قبل بعض الأطراف، وهناك قبول من الإدارة الأمريكية لهذه العملية، أنها هدف ذات ابعاد حيوية، لقرب الفلوجة من بغداد.
لقد كانت دعوة رئيس الحكومة العراقية القائد العام للقوات المسلحة العراقية (حيدر العبادي) يوم الخميس 26 أيار 2016، إلى تأجيل المظاهرات الشعبية في بغداد لحين استكمال تحرير الفلوجة من سيطرة تنظيم داعش، لأنها تشكل ضغطا على قواتنا لتوفير الحماية اللازمة، وإن العدو غير تقليدي والحذر مطلوب، كذلك التحذير من أن الإرهاب قد يستغل أي ثغرة قد تحصل للقيام بأعمال إرهابية في بغداد والمدن الأخرى، وانه يجب التفكير وإعداد الخطط لاستقرار ولأعمار الفلوجة قبل عملية تحريرها.....
هذه الدعوة وان كانت محقة في شكليتها إلا أنها من حيث الجوهر هي محاولة للالتفاف على مطالب الجماهير، واستغلال عملية تحرير الفلوجة لإنهاء مطالب الإصلاح، لان اغلب الكتل السياسية وحسب تصريح الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالعراق (يان كوبيش) في مجلس الأمن الدولي، ترفض الإصلاح الجذري وتعتبر التظاهرات التي يتبناها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر محاولة منه لتولي السلطة، وبين، إن "إخفاق حكومة العراق والطبقة السياسية في التوصل إلى اتفاق وتنفيذ الإصلاحات التي من شأنها تحسين إدارة الحكم والمساءلة وتحقيق العدالة للجميع على قدم المساواة، وتوفير الوظائف والخدمات وقطع دابر الفساد، كما يطالب بذلك الشعب العراقي، ولا سيما في بغداد والمحافظات الجنوبية الشيعية منذ آب/ 2015، قد دفع المتظاهرين إلى طلب إصلاح الحكومة بأسرها وكذلك العملية السياسية، والمطالبة بالتخلي عن نهج الحصص العرقية والطائفية التي ما برحت مترسخة في النظام السياسي العراقي منذ عام 2003"، قد ينتهي الصراع بين الشارع العراقي الغاضب والمحبط وإطراف الحكومة والبرلمان المعارضين للإصلاح في حالة الانتصار في معركة الفلوجة، وخفوت صوت المظاهرات إلى إجهاض عملية الإصلاح، وإعادة الاعتبار إلى فاسدين ومشتبه بسويّتهم السياسيّة.
إضافة إلى ان بعض دعاة الإصلاح، بلا روية أو تفكير، اعتبروا إن كل مَن انحاز إلى المعتصمين في البرلمان، على سبيل المثال، وطنيين يجري التعامل معهم وفقاً لشعار "عفا الله عما سلف"، وقد نسي هؤلاء الدعاة أنهم بذلك يجردون مفهوم الإصلاح من حيث الجوهر من قاعدته الفقهية القضائية ودعاواه السياسية في ملاحقة رؤوس الفساد وتدمير بنى الدولة وتبديد ثرواتها وتمكين عصابات داعش التكفيري من الاستيلاء على ثلث أراضي البلاد وأسر سكانها، وتخريب الحياة السياسيّة.
إذ تتحمل الحكومة العراقية والبرلمان، المسؤولية الرئيسية عن إخفاق عملية الإصلاح وإجهاضها، باعتماده أساليب ووسائل وأدوات خلت من الشفافية ومن برنامجٍ شاملٍ وأولوياتٍ تعالج جوهر الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية، وتفكك بتدرجٍ تراكمي المنظومة السياسية المبنية على المحاصصة الطائفية، وتلك كلّها أركان أيّ توجه للإصلاح والتغيير، بدونها يتعرى الفعل المهرجاني، ويتكشف عن ممارسات فردية تتغلّف بالكتمان والسرية، لتخفي عيوبها ومأزقها.
لقد كان الإصلاح جوهر التظاهر والحراك المدني السلمي منذ انطلاقتهما في أب 2015، فيما كانت مساعي تخديرهما هاجساً لم ينقطع لقوى السلطة ومنظومتها، وما فعلته الحكومة اليوم، صار واضحاً، لا فرق بما كانت عليه نواياه من إعطاء الأولوية للتحرير على الإصلاح، ورغم إن كل العراقيين والعالم معهم يرغب بتحرير المدن من سيطرة داعش الإرهابي، وعودة الأمن والاستقرار للبلاد، وإنهاء الصراع المجتمعي بأسرع وقت، إلا انه لا يمكن إن يتم التعكز على حجة تحرير المدن وإجهاض عملية الإصلاح في العراق، وتمكين القوى المعارضة للإصلاح من إعادة ترتيب اصطفافاتهم السياسية، مستفيدين كأقصى استفادة من لحظة انفلات خارج سياقات من كان مطلوباً من سبل وأهداف وأدوات وشعارات للإصلاح، وسواء كانت أولويات أزمة بغداد السياسية ومطالب الإصلاح تتقدم على أولويات معركة تحرير الفلوجة أو نينوى أو العكس، فإن تسارع الأحداث وتعاكس بوصلتها، قد جعل ترجيح أحدها على الآخر صعبا، فقد أصبح كل شيء متوقعا في العراق.
اضف تعليق