لا مبالغة في وصف واقع الشيعة بـ"المأزوم"، وخاصة في الجانب الأمني المروع بدمويته. فاليوم مجتمعات شيعية تحت مطرقة الإرهاب كالعراق وسوريا وباكستان، وفي أكثر في من بلد، هناك شيعة يعانون من الظلم والإقصاء.
وهذه الوقائع تؤكد أن هناك خطرا داهماً، يتطلب مواجهة حكيمة وحازمة، تعتمد خريطة عمل بمحاور آنية عاجلة، وأخرى مرحلية مستقبلية، وفي إطارات عمل ثقافية وسياسية وقانونية من جهة، ومحلية ودولية من جهة أخرى.
والجانب السياسي غير بعيد عن هذه التفاصيل، فهو الآخر يشهد ضعفاً وتشتتاً وتخبطاً، وهو ما انعكست آثاره السلبية على مختلف نواحي الحياة، ولعل العراق مثل أكثر وضوحاً، وأبلغ تعبيراً عن هذا الواقع المأزوم.
فضلاً عن العدوان الوحشي والدموي الذي يتعرض له (شعب اليمن)، والتهميش والإقصاء والتعذيب والتشريد والسجن الذي يعيشه (شعب البحرين).
إن وصف الواقع كما هو، بأزماته وسلبياته، ليس انهزاماً أو تشاؤماً، ولا هو تعبير عن عجز أو ضعف، إنما وصف الواقع بموضوعية هو الخطوة الأولى على طريق الحل، قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ)(الأنفال45)، وهذه الآية الكريمة تعني الثبات والتحدّي في إطار الفضيلة، وهذا هو أساس الإسلام، وهذا هو الذي أكّده القرآن الكريم، ومثّله أفضل تمثيل رسول البشرية، أفضل الأنبياء والمرسلين، ومن بعده مثّله أفضل تمثيل، نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، سيّد الوصيين الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (لقد ظلّ شيعة الإمام أمير المؤمنين في منعطفات التاريخ، يتحمّلون المشكلات الكثيرة بثبات، ولا ينثنون، ولا ينحنون ولا يركعون. واليوم هكذا نجد في نقاط مختلفة من العالم، أن الشيعة يتعرّضون لكل أنواع التعذيب والمشكلات والقتل والحرق والإبادة، ولكن تجدهم أبطال التحدّيات، ولا يتعدّون على أحد، ولا يظلمون أحداً.
وهذا خط رسمه القرآن الكريم، وسار عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وسار عليه أهل بيته الأطهار (عليهم السلام). فقد أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، بقوله: (إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما، لن تضلّوا بعدي أبداً).
فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أوصى بأمرين لا ثالث لهما، وهما (كتاب الله والعترة الطاهرة). والشيعة مشدودون بهذين الأمرين، ودفعوا أغلى الأثمان وأكبر الأثمان في سبيل التمسّك بهذه الوصية).
ويقول سماحته (دام ظله): واعلموا أن الشيعة هم الغالبون، والدليل على ذلك هو التاريخ، فـ (بني أمية وبني عباس وبني عثمان) حكموا قرابة ألف سنة، اضطهدوا فيها الملايين من الشيعة، وقتلوهم وعذّبوهم وأحرقوهم وشرّدوهم، ولكن عبر هذا التاريخ المليء بالإرهاب، وشيئاً فشيئاً، صار أولاد أولئك من بني أمية وبني عباس وغيرهم، شيعة.
إذن، من ذاك وغيره كثير، فإنه لا شك في أننا بحاجة الى عملية إصلاح عميقة وواسعة، وقد "حث القرآن على استبدال الآمال بالعمل والنفرة من أجل البحث عن سبل الحياة الجديدة"، كما يقول الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي.
وقال(قده): "لنجدد حياتنا كما أمرنا الله سبحانه، ونتبع سبيل العقل حتى نصل إلى سواء السبيل، ويجب أن يقترن تغييرنا للوضع المأساوي بسعينا نحو تغيير أنفسنا ومجتمعنا، ولا يتم ذلك إلا بالعمل الجاد والمتواصل، وأن نحقق شروط الدعاء المتعلقة بنا، ونتوكل على الله تعالى، عند ذلك يمدنا بنصره".
من أولويات مواجهة الواقع المأزوم، على الشيعة في (البلد الواحد) أو (بقاع العالم):
1- إلتزام سبيل "التعاون على البر والتقوى" الذي يمنح قوة ومنعة وعزا ونجاحاً ونصراً.
2- ترسيخ قيم التعايش، يقول المرجع الشيرازي: "إن الشيعة في العالم، عندهم كل شيء، ولكن يفتقدون لأن يتعايشوا مع بعض وأن تتّحد كلمتهم".
3- الابتعاد عن المشاحنات والمناكفات الذي هو سبيل الخاسرين دنيا وآخرة، فإن الاختلافات الشيعية بين هذا الطرف وذاك، القائمة اليوم، وخاصة في العراق، ساهمت بشكل وبآخر في استدامة الظلم الواقع على الشيعة في عموم العالم، ولا يمكن بقاء الوضع على ما هو عليه، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): "أيها الشيعة: لا تتصارعوا على الرئاسة والمسؤولية، ولا يكون بعضكم ضد بعض، وكونوا يداً واحدة".
4- تفعيل مشاركة مراكز الدراسات والمؤسسات البحثية في صناعة القرار.
5- العمل على تحفيز القوة المعنوية الموجودة في مجتمعاتنا إلى قوة مادية، يقول آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي(قده): "إن البناء الذي نراه اليوم قائماً على قواعده، كان في يوم من الأيام قوة معنوية في عضلات العمّال، كما يقول علماء الاقتصاد، ولو أن العمال لم يعملوا لبقيت الطاقة في حالة القوة ولم تصل إلى مرحلة الفعلية، وفي مجتمعنا طاقات معنوية هائلة، ولو استطعنا أن نحوّل هذه القوة المعنوية إلى قوة مادية لاستطعنا أن نحقق الكثير".
اضف تعليق