ما زالـت إستراتيجية الأمـم المتحـدة العالميـة لمكافحـة الإرهاب الــتي اعتمدتها الجمعيــة العامــة بالإجمــاع في أيلــول/ســبتمبر ٢٠٠٦، تــوفر الإطار الاستراتيجي والتوجيه العملي فيما يتعلـق بـالجهود المـشتركة الـتي يبـذلها المجتمع الـدولي لمكافحة الإرهاب.
ومنذ اعتماد الإستراتيجية والدول الأعضاء وكيانـات منظومـة الأمـم المتحـدة وغيرهـا من المنظمـات المـشاركة، تبـذل جهودا كبيرة من أجل تنفيذ أركانها الأربعة: وهي (أ- التدابير الرامية إلى معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب؛ ب- تدابير منع الإرهاب ومكافحته؛ ج- التدابير الرامية إلى بناء قدرات الدول علـى منـع الإرهـاب ومكافحتـه وتعزيـز دور منظومة الأمم المتحدة في هذا الصدد؛ د- التــدابير الراميــة إلى كفالــة احتــرام حقــوق الإنــسان للجميــع وســيادة القــانون بوصفهما الركيزة الأساسية لمكافحة الإرهاب).
يُعرف الإرهاب اصطلاحا، كما ورد في مشروع إعداد الاتفاقية الدولية لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية بأنه: "الأعمال الإرهابية الأفعال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما أو سكانها والتي من شأنها إثارة الرعب لدى شخصيات أو مجموعات من الأشخاص أو لدى الجمهور تهدف إلى تدمير أموال عامة وإلحاق الضرر بها.."
كما عرف بعضهم الإرهاب بأنه "كل جنحة أو جناية سياسية أو اجتماعية يؤدي ارتكابها أو الإعلان عنها إلى إحداث ذعر عام يخلق بطبيعته خطرا عاما، فالإرهاب ينطوي على إشاعة الفزع والخوف في نفوس الناس باستخدام وسائل إجرامية متطورة أبرزها التفجير والتدمير وتخريب الممتلكات والمرافق العامة والخاصة علاوة على الاغتيال واحتجاز الرهائن والاعتداء على وسائل النقل البرية والبحرية والجوية، ويكون الإرهاب دوليا إذا استهدف مصلحة دولية وبذلك يمكن النظر إليه على أساس أنه جريمة دولية أساسها مخالفة قواعد القانون الدولي العام".
وبناء عليه، فان الإرهابي هو من يلجأ إلى العنف غير القانوني أو التهديد به لتحقيق أهداف سياسية، سواء من الحكومة أو الأفراد والجماعات الثورية المعارضة.
في الواقع لم تحظ ظاهرة إجرامية أو نمط من أنماط الانحراف بقدر ما حظيت به ظاهرة الإرهاب من اهتمام إقليمي ودولي خلال العقود الثلاث الماضية، حيث طرحت قضية الإرهاب في العديد من المؤتمرات الدولية واللقاءات الإقليمية، ويعزى هذا الاهتمام غير العادي إلى ما يخلفه الإرهاب من خسائر في الأرواح والممتلكات، وما يحدثه في صفوف المجتمع من بلبلة ورعب واضطراب في الشأن الاجتماعي والسياسي والأمني. فالإرهاب لم تعد ظاهرة مرتبطـة بدولـة مـا أو بحضارة بعينها.. (محمد عبد المحسن سعدون - مفهوم الإرهاب وتجريمه في التشريعات الجنائية الوطنية والدولية).
إذا كان الإرهاب بهذه المستوى العالي من الخطورة على الإنسانية جمعاء، فما هي علاقته بدين مثل "دين الإسلام" أحد الديانات السماوية الثلاثة؟ وكيف فهم الإرهابيون من المسلمين تعاليم الدين الإسلامي وقيمه لكي يرتكبوا باسمه كل هذه الفظائع؟ ولماذا اتهم أعداء الإسلام بأنه دين الإرهاب والتطرف؟.
في الواقع هناك عاملان أساسيان ساهما في الربط بين الإسلام وبين الإرهاب على النحو المتعارف عليه في الوقت الحاضر وهما:
الأول: هو الفهم والتفسير الخاطئ لنصوص الدين لبعض الشخصيات والمذاهب الإسلامية، والذي نشأ وترعرع في ظله عدد غير قليل من الشباب المتطرف والحركات العنيفة التي لا تؤمن بالأخر ولا ترى فيه جدارة الحياة؛ ولم يقتصر هذا التفسير على تكفير غير المسلم بل رفض المسلم من المذاهب الأخرى والآخرين الذين يختلفون معهم في الرأي من نفس المذهب والمدرسة.
والثاني: هو العداء المستحكم للإسلام من قبل أولئك الذين قرأوا الإسلام وتعرفوا على قيمه بطريقة أفضل مما قراءه المسلمون أنفسهم. فهؤلاء يدركون أكثر من غيرهم أنه لو قدر لمبادئ الإسلام وقيمه أن تنتشر بين شعوب العالم لساد العدل والإنصاف والحياة الكريمة لجميع من في الأرض، سواء بين الإفراد أو الجماعات أو الدول دون تمييز.
يقول السيد مرتضى الشيرازي: "إن محاولة ربط الإرهاب بالإسلام محاولة تنطلق من منطلقين اثنين، الأول إما جهلا بالإسلام، والثاني من منطلق العداء له. وبغير هاتين الخلفيتين فلا نجد باحثا منصفا يذهب إلى هذا الرأي، بل يجد الإسلام واحة من السلم والسلام، بل إذا أردنا لهذه الشعوب في الأرض أن تعيش بسلم فيجب أن نسعى لنشر ما دعا إليه الإسلام من تعاليم في مجال السلم ونبذ العنف."
ولذلك نجد أن بين استخدام المعاصرين لمادة (رهب) وما اشتق منها، وبين استعمالات هذه المادة، وما اشتق منها في نصوص الشارع بونًا شاسعًا. ولو درسنا مادة (رهب)، وما اشتق منه في ألفاظ الكتاب والسنة لوجدنا أنها تشتمل على معان عظيمة أما المعاني السيئة من الاعتداء على الخلق والجرائم العامة والخاصة، فتدل عليها ألفاظ شرعية دقيقة تبنى عليها أحكام في غاية الانضباط.
ومن هذا المنطق كان الإرهاب في الإسلام مرفوضا وكان فسادا في الأرض ، وقد عرَّف " المجمع الفقهي الإسلامي "الإرهاب بأنه: "العدوان الذي يمارسه أفراد، أو جماعات، أو دول، بغياً على الإنسان (دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه)، ويشمل صنوف التخويف، والأذى، والتهديد، والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف، أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي، فردي، أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم، أو حريتهم، أو أمنهم، أو أحوالهم، للخطر، ومن صنوفه: إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق، والأملاك العامة، أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية، للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض، التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله ( ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) القصص/77.
هذا الرفض للإرهاب بالمعنى المتقدم لم يكن مرفوضا على مستوى النص فقط، بل كان مرفوضا على مستوى الفعل والتطبيق "فسيرة الرسول الأكرم محمد وال بيته الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، هي صورة مشرقة تحكي تفاصيلها بكل صدق وشفافية التطبيق الحقيقي لأفاق السلم والسلام، وإشاعة المحبة والتسامح، خاصة إذا أدركنا أن النبي صلوات الله عليه واله كان قائدا لأمة ومؤسسا لدولة فيها كل ما تشغل الدول حاليا من اهتمامات أمنية وعسكرية واجتماعية واقتصادية، ورغم وجود تحديات داخل كيان المجتمع الإسلامي آنذاك، حيث كان المعارضون للدين من المشركين والمنافقين واليهود، يعيشون داخل كيان هذه الدولة الإسلامية ويعدون العدة لمواجهتها والقضاء عليها، ولكن رغم كل ذلك فقد جسد الرسول العظيم رسالة السلم والسلام في تعامله في هذا الشأن، وكان عفوا يتسم بالرحمة حتى على الذين يقاتلونه ويؤذونه ويتوعدونه، أو يقتلون أعزاء له مثل عمه حمزة وبتلك الطريقة المروعة والوحشية... ان الإسلام لا يتوقف في طرح مفاهيم السلم والسلام عند الحدود النظرية، إنما مبادئ الإسلام وتطبيقاتها في السلوك الاجتماعي سواء بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين الآخرين من أصحاب الديانات الأخرى والعقائد". وذلك بحسب آية الله الشيرازي.
إذن نخلص مما تقدم إلى أن:
1- الإسلام دين السلم والسلام، ويعمل على نشر الأمن والأمان والسلم في العالم، ويسعى في إطفاء نار الحرب، وإخماد لهيبها، وانتزاع فتيلها من بين الناس، باجتثاث العوامل الداعية للحرب، وزرع العوامل المشجّعة على المحبّة والوئام، وعلى الصلح والصفاء.
2- يحرّم الإسلام العنف والإرهاب، والغدر والاغتيال، ويحارب كل ما يؤدّي إلى الذعر والخوف، والرعب والاضطراب في الناس الآمنين.
3- لا يعتدي الإسلام على أحد إطلاقاً، ومن مال من الدول إلى السلم، مال الإسلام إليه، وإذا وقع عليه عدوان، دافع الإسلام عن نفسه وعن الأمة بأنظف صورة، وإذا اعتدى أحد من الدول عليه، ردّ الإسلام على اعتدائه بأقلّ ما يمكن إيقافه عند حدّه.
4- لأهمية الأخلاق الإنسانية في الإسلام أردف القرآن الحكيم بعض الأحكام المرتبطة بالعقوبات بذكر العفو، حيث يشفعها بالجانب الأخلاقي، ويصف العفو فيها بأنه أقرب للتقوى.
وأخيرا، يمكن مكافحة العنف والتطرف والإرهاب في المجتمع من خلال تعميم ثقافة اللاعنف، وتوضيح أن العنف نار تحرق الكل ولا تستثني أحداً، وبيان مضار العنف النفسية والاجتماعية والدينية، وتوفير الحريّة للمجتمع، وإرساء دعائم العدالة الاجتماعية، وتوفير الفرص للجميع، وإعطاء حقوق الفقراء والمحرومين، وبالرقابة الاجتماعية، وقيام الأنظمة العامة التي تحمي المجتمع من حاملي راية العنف، وفتح قنوات الحوار البنّاء بين الأفراد والمجتمعات.
اضف تعليق