تعمّدت استخدام مفردة "مشاكل" وليس "أزمات" رغم التطبع الحاصل في اوساطنا، ذهنياً ولفظياً وحتى سلوكياً، فنحن – لاسيما في العراق- ننظر الى أي مشكلة على صعيد الفرد او الجماعة؛ وعلى شتى الصُعد، على أنها أزمة، أو أزمات، فعندنا أزمة خدمات، وأزمة وقود، وأزمة مالية، وحتى ازمة في الثقافة والاخلاق. وقد اتفق أهل اللغة على أن "الأزمة"؛ هي شدّة المشكلة، في حين، ما حولنا مجموعة مشاكل واسقاطات وافرازات، بعضها يمثل حالة طبيعية في حياة الانسان.
وعندما نتحدث عن مشاكل او أزمات – كما يحلو للبعض- في الحياة العامة ومتطلبات الناس، فان السبب قبل ان يكون في الحكومة والمسؤولين في الدولة، او في عوامل خارجية – والحال كذلك احياناً- فانه يعود الى الانسان الفرد المتشكل منه المجتمع الكبير. فمن عادة الكثير أنهم عندما يتعرضون لمشكلة معينة، فانهم يمعنون النظر في المشكلة ذاتها، وهو ما يؤدي الى استهلاك للجهد الذهني ثم انتكاسة نفسية وتداعيات سلبية اخرى، بينما من الناحية المنطقية، فان المشكلة، إنما هي إفراز لجملة عوامل وظروف، ربما يكون هذا الانسان ضليع في ايجادها.
فهنالك مشاكل تأتي على حين غرّة، مثل الكوارث الطبيعية وانتشار الامراض المعدية والخطيرة، ربما لا يكون الانسان لها دخل مباشر بها، بينما هنالك مشاكل من صنع الانسان لسوء تدبيره وخطأ تفكيره ورؤيته. وفي كل الاحوال؛ هنالك شعوب في العالم تعاملت مع المشاكل على أنها نوعاً من الاختبار، فمنها من خرج منتصراً، رغم الموارد القليلة التي تحظى بها، وتمكنت من اللحاق بطابور الدول المصنعة والمنتجة، مثل كوريا وفيتنام والهند وغيرها كثير، ومنها من رضي لنفسه أن يكون محتاجاً لكل شيء من الخارج، وهو يملك كل شيء، مثل العراق.
وإذاً؛ فهنالك شعوب ابتليت بالفقر وأخرى بالكوارث الطبيعية، وأخرى بالحروب، كما هنالك شعوب ابتليت بالمال والثروة، الامر الذي يجعل أمر الخوض في عملية الاختبار تبدو ضرورة حضارية، وليست فقط من اجل تحقيق اهداف اقتصادية او سياسية، والدليل على ذلك في أمرين:
الاول: التأثير الكبير الذي يتركه الاختبار على صقل المواهب وبلورة الشخصية الانسانية، وقد أجمع العارفون على أن الشعوب التي خاض افرادها المحن وعالجوا المشاكل، كانوا مثل المعادن الثمينة التي تتعرض للحرارة العالية فتجد قيمتها الحقيقية.
وهذه معادلة يقرّها القرآن الكريم في بداية سورة "العنكبوت"، حيث تقول الآية الكريمة في صيغة استفهامية: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين}.
الثاني: تتوفر الفرصة الكبيرة في اكتشاف نقاط الضعف والقوة، وايضاً تتضح للفرد والمجتمع معاً، حجم القدرات المتاحة، وهذا من شأنه الاستعداد لرفع خطوات ثابتة ومدروسة الى الامام في المجالات كافة، ومن ثم تكون المكانة واضحة ومعلومة على الخارطة، ويعرف هذا الشعب مكانته في الساحة الاقتصادية او السياسية او حتى الثقافية.
طبعاً؛ هذا ليس بالامر السهل، فالاختبار، كما يتمخض عن نتائج ايجابية، فانه يخفي نتائج سلبية ايضاً، الامر الذي يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة والاقدام لمن يريد الخروج مما يسميه البعض بـ"أزمات خانقة " وهي بالحقيقة؛ عبارة عن مواد اختبار تحولت الى مشاكل لسوء التدبير والتخطيط، ولنا مثالاً بارزاً من الحياة اليومية في العراق، في الهدر المستمر للثروات والقدرات، التي من لو كانت في البلدان الناهضة مثل كوريا الجنوبية والهند وحتى فيتنام والبرازيل، لتحولت الى دول صناعية نافسة الدول العظمى.
ومن أجل ذلك نجد الخيار لدى البعض بالبقاء على الواقع الموجود، لان الاختبار في قضية مثل المال، ربما يؤدي الى فقدان امتيازات ومكاسب، ليس فقط للكبار في الدولة والمجتمع، بل حتى لافراد عديدين في المجتمع، تحول المال عندهم الى هدف وهمّ خاص بهم، وليس لتحقيق الصالح العام. فأضحى مشكلة ثم تحول الى أزمة كبيرة.
اضف تعليق