عندما تمتنع إيران العائدة مجددا الى سوق النفط العالمية عن الحضور لاجتماعات أوبك وفي المقابل تصر السعودية على ان أي قرار يجب ان يشملها فمن الطبيعي ان تفشل دول الإنتاج النفطي المجتمعة في العاصمة القطرية الدوحة بالتوصل إلى اتفاق لتجميد الإنتاج من اجل إرساء الاستقرار في الأسواق العالمية ودعم الأسعار المتدنية.
اجتماع اوبك الاخير كان نسخة مصغرة للصراع الأكبر في الشرق الأوسط بين إيران والسعودية، فالأخيرة أرادت تأكيد استحواذها على المجموعة النفطية "أوبك"، في حين كانت إيران متحمسة لاستغلال الفرصة ولانقضاض على السعودية واثبات قدرتها على عرقلة القرارات السعودية التي ازدادت في الآونة الأخيرة من دون رادع، فالإيرانيون يعرفون بحاجة السعودية لتجميد الانتاج بسبب الضغط المالي الذي يولده قلة الموارد المالية على المملكة السعودية الريعية.
وما يدعم القرار الإيراني هو تحذيرات صندوق النقد الدولي من ان السعودية قد تواجه الإفلاس بحلول عام 2020 إذا لم تتحكم في الإنفاق الحكومي بشكل مناسب. ففي مشهد غير معتاد تسعى السعودية، التي تعتبر صاحبة أكبر احتياطي من الذهب الأسود في العالم، إلى اقتراض مليارات الدولارات من جهات أجنبية حالياً، وقد زادت من خططها التقشفية التي تستهدف تقليل النفقات على الخدمات الأساسية.
هناك سبب اخر غير الحاق الخسائر بالسعودية وهو ما تلعب عليه ايران هذه المرة إذ لا يمكن للسعودية رفع سقف انتاجها اكثر مما هو عليه الان وهو ما يعني ان تصريحات محمد بن سلمان كانت جوفاء ولا تعطي أي نتائج من الممكن ان يقلق بسببها الإيرانيون فقد نقل موقع هافينغتون عن محللون من شركة Energy Aspects الاستشارية ومقرها لندن، أن "تجميد الإنتاج فيما بين المنتجين الآخرين ما كان ليُحدث أي فارق على حد علمنا؛ وباستثناء السعودية، فإن روسيا وإيران هما الدولتان الوحيدتان، بين البلدان المشاركة في محادثات التجميد، القادرتان على زيادة الإنتاج هذا لعام".
وما يعكسه فشل التوصل الى اتفاق بين المنتجين ليس الصراع بين ايران والمملكة السعودية فحسب، بل يعكس تزايد نفوذ ولي ولي العهد الشاب محمد بن سلمان والمعروف بقراراته المتطرفة وغير المحسوبة ، لكن ذلك سيأثر على اقتصاد بلاده المهدد اكثر من أي اقتصاد اخر فبعيدا عن تحذيرات صندوق النقد الدولي وإجراءات التقشف المتبعة بالبلاد والخسائر في حروب الوكالة مع ايران؛ فان هناك ما هو اخطر من ذلك كله إذ ان علاقة المملكة السعودية مع الولايات المتحدة تنحدر نحو تباين كبير في وجهات النظر وبعد السجالات السياسية بين الطرفين دخل الاقتصاد على الخط فالسعودية هددت ببيع اصولها المالية في الولايات المتحدة واذا ما حدث هذا الامر فانه سيكلف السعودية نفسها خسارة كبيرة فبحسب ما اشار اليه خبراء اقتصاديون ان بيع السعودية لاصولها المالية في امريكا سيكلفها خسارة تزيد عن ثلاثين بالمئة، فضلا عنما سيخلفه رفع الغطاء السياسي الأمريكي من تبعات على اقتصاد المملكة.
اما ايران فيبدو ان وضعها جيد مقارنة بالرياض فهي خرجت مؤخرا من عزلة دولية وباتت قبلة المشاريع الاستثمارية والاتحاد الاوربي بات يبحث عن شراكة دائمة مع طهران على مختلف المستويات حتى النووية منها. كما ان الحصار المفروض عليها سابقا اعطاها تحصينا اقتصاديا من خلال تنويع موارد الدخل هناك ما قلل من اعتمادها على موارد الدخل.
وفي خضم هذا الصراع السعودي الإيراني تشير اغلب وجهات النظر الى عدم وجود بوادر لصعود أسعار النفط لكن الخلل الذي سببته الإجراءات الحكومية في بعض الدول قد تؤدي بشكل طبيعي الى ارتفاع الأسعار ففي الكويت مثلا هناك اعتصام للعاملين في القطاع النفطي وهو ما قد يوفر دعماً للأسعار حتى لو لم يكن كبيراً، حيث بدأ عمال النفط في الإضراب وسوف يزيد ذلك من تعطيل الإمدادات من الكويت والتي تبلغ نحو 2.8 مليون برميل يومياً. وليس هذا فحسب بل تشير بعض التحليلات الاقتصادية الى ان مجرد إبقاء مسالة الحوارات حول تجميد انتاج النفط ستؤدي الى إبقاء الأسعار على ما هي عليه وربما قد تتجه نحو الصعود البطيء.
اضف تعليق