تستمر الإدارة الامريكية بمغازلة الحكومة العراقية عن طريق تأكيدها على توفير الدعم اللازم لها ضد الجماعات الإرهابية، والحقت ذلك بزيادة عدد قواتها العسكرية بمختلف صنوفها فيما تقوم ببناء قواعد عسكرية جديدة تقول انها تأتي لتسهيل الامدادات اللوجستية للقوات العراقية والقيام بالعمليات التدريبية الا ان تلك الخطوات لم تخلو من مخاطرة كبيرة بين تهديد الجماعات الإرهابية او رفض جهات سياسية عراقية تعتبر ذلك الدعم غطاء لإعادة انتشار القوات الامريكية في العراق.
قائد اركان الجيوش الاميركية الجنرال جو دانفورد اعلن ان وزارة الدفاع الامريكية تنوي تقديم اقتراحات الى الرئيس باراك اوباما لتعزيز الدعم العسكري الاميركي للقوات العراقية. وأشار دانفورد في مؤتمر صحافي عقده في البنتاغون الى إمكانية زيادة عديد القوات الامريكية في العراق الا انه اكد ان أي قرار لم يتخذ بهذا الشأن .
وبحسب الأرقام التي نشرها البنتاغون فان واشنطن تنشر في العراق رسميا 3870 جنديا، الا ان العدد الفعلي قد يكون خمسة الاف حسب معلومات صحافية لم ينفها الجنرال دانفورد، ومن المرجح ان تواصل واشنطن ارسال مزيد من الجنود الى العراق، علما بأن العدد الفعلي لجنودها المنتشرين في هذا البلد يزيد عما هو معلن، ذلك ان الجندي الذي يخدم لفترة تقل عن 120 يوما لا يتم احتسابه ضمن هذا التعداد، بحسب البنتاغون.
مصادر أمريكية تحدثت عن تسليم دفعة جديدة من مقاتلات إف-16 من الولايات المتحدة، إذ قال ستيف وارين المتحدث باسم التحالف الدولي إن طائرتين إف-16 وصلتا للعراق مما يرفع عددها في سلاح الجو العراقي إلى ست طائرات. ولم يقل وارين متى وصلت الطائرتان على وجه التحديد. وتسلم العراق الدفعة الأولى وهي من أربع طائرات في يوليو تموز الماضي.
ورغم تأخر تسليم هذه الطائرات التي تعاقد عليها العراق في وقت سابق اثناء فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الا ان متابعين يرون هذه الخطوة تأتي كردة فعل إزاء التواجد العسكري الروسي في سوريا كون الولايات المتحدة باتت تتخوف من توسع نفوذ موسكو في العراق لا سيما بعدما لاقت الحملة الروسية في سوريا استحسانا من قبل الكثير من القيادات السياسية العراقية، مع زيادة الانتقادات لتنصل الأمريكيين عن اتفاقية الاطار الاستراتيجي التي تفرض مساعدتهم للعراق في حال تعرضه لمخاطر خارجية .
المساعدات الامريكية للعراقيين تركزت في مناطق محددة كما هو الحال في شمالي العراق او في المناطق الغربية ووصفت بعض الجهات ان تحرير الرمادي تشير الى الرغبة الامريكية ببناء قواعد عسكرية فيها تكون منطلقا للتواجد الاوسع والذي يخطط له لمواجه النفوذ الإيراني والروسي في العراق، وبعد تحرير المدينة قال دبلوماسي ومسؤولان أمريكيان إن شركة أمريكية متخصصة ستزيل متفجرات وتدرب عراقيين على إزالة أي ألغام زرعها تنظيم داعش الإرهابي في الرمادي وقالت الولايات المتحدة إنها خصصت خمسة ملايين دولار للعقد الموقع مع شركة جوناس جلوبال ومقرها ولاية تنيسي الأمريكية التي تصف نفسها بأنها "أكبر شركة في العالم لإدارة الذخائر التجارية وإزالة الألغام." وفي هذه الاثناء قال صهيب الراوي محافظ الأنبار إن فريقا من الخبراء الدوليين وصل الرمادي وقام بمهام استطلاعية.
وفي شمال العراق تولي الولايات المتحدة اهتماما كبيرا بالمناطق الكردية فمنذ محاولة داعش التقدم نحو هذه المناطق استمر تدفق المستشارين الأمريكيين ودفعات الأسلحة التي تحدثت عنها وسائل اعلام محلية، ولم تعد التحركات العسكرية خافية على احد إذ اكدت القوات الاميركية مؤخرا انها نصبت مربضا للمدفعية في شمال العراق ما زاد من التكهنات حول مشاركة اكبر لهذه القوات في العراق وقد اقر بذلك مصدر عسكري بان قوات المارينز نشرت ما يوازي كتيبة من جنود مشاة البحرية مع "اربعة مدافع" بالقرب من مخمور بشمال العراق. ويتمركز في موقع المدفعية هذا حوالى 200 من جنود مشاة البحرية قتل احدهم بصاروخ اطلقه عناصر من داعش، وجرح عدد اخر من هؤلاء الجنود بحسب وكالة فرانس برس.
الكولونيل الأمريكي ستيف وارين المتحدث باسم التحالف الدولي قال للصحفيين إن الارهابي واسمه جاسم خديجة الضابط العراقي السابق قد قتل في غارة شنتها طائرة بدون طيار في شمال العراق ويعتقد أنه المسؤول عن الهجوم الذي شنه داعش وقتل على اثره السارجنت لويس كاردين من مشاة البحرية وإصابة ثمانية آخرين.
وبعد يومين من مقتل عنصر البحرية الامريكية انكشف امر بناء قاعدة فايربيز بيل التي يطلق عليها اسم مركز المدفعية وهي أول قاعدة أمريكية مستقلة من نوعها في العراق منذ عودة القوات الأمريكية إلى هذا البلد في 2014 وتشكل أحدث مؤشر على الانخراط العميق للجيش الأمريكي في الصراع. وهو ما عرضها لرفض شديد من الجهات السياسية والعسكرية المقربة من ايران وقال الجيش الأمريكي إنه أراد التكتم على وجود هذه القاعدة لحين بدء عملياتها لكن داعش عرفت بأمرها على ما يبدو قبل الإعلان الأمريكي. وجذبت القاعدة الأمريكية اهتمام فصائل شيعية قالت إنها ستعتبر عناصر من مشاة البحرية الأمريكية تم نشرها في القاعدة "قوة احتلال" وستتعامل معهم كعدو .
اما سياسيا فحث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي زار بغداد مؤخرا العراق على عدم السماح للأزمة السياسية بإعاقة الحرب على تنظيم داعش وعبر عن دعمه بشكل واضح لرئيس الوزراء حيدر العبادي، حيث يخشى مسؤولون أمريكيون من أن يضر الوضع السياسي المضطرب بجهود العراق لاستعادة الأراضي التي خسرها لصالح تنظيم داعش
وقال كيري للصحفيين إن التعديل الوزاري المزمع اجرائه أمر يخص العراقيين لكنه أضاف أنه أبلغ العبادي أن من المهم تحقيق استقرار سياسي في العراق حتى لا تتأثر العمليات العسكرية. وقال كيري للصحفيين في السفارة الأمريكية بالمنطقة الخضراء "أريد أن أكرر دعم الرئيس أوباما ونائب الرئيس بايدن ودعمي كوزير للخارجية وكل الإدارة (في) الولايات المتحدة لرئيس الوزراء العبادي الذي اضطلع بقيادة صعبة في مواجهة تحديات أمنية واقتصادية وسياسية ضخمة."
ومن المرجح ان هذا الدعم الأمريكي لحكومة العبادي جاء لمواجهة نفوذ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والذي تتهمه واشنطن بانه من الموالين لإيران رغم ان كل تحركاته الأخير تشير الى عكس هذا الامر. وربما جاءت هذه التحركات الامريكية لتفادي انهيار وشيك للوضع الأمني والسياسي مع تزايد الضغوطات الشعبية والسياسية على حكومة العبادي .
وعلى الجانب الاقتصادي تقول واشنطن انها تريد مناقشة المساعدات الاقتصادية للعراق مع دول مجلس التعاون الخليجي إذ اعلن وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر الاثنين ان الادارة الاميركية ترغب بمناقشة تقديم مساعدات اقتصادية الى العراق مع دول الخليج العربية، وقال المسؤول الاميركي خلال زيارة له الى الهند "من الناحية الاقتصادية من المهم اصلاح كل الدمار الذي ضرب العراق" بعد طرد تنظيم داعش .
ويبدو ان مهمة توسيع النفوذ الامريكي في العراق تزداد صعوبة رغم كل الترتيبات الجارية من قبل الإدارة الحالية، فروسيا باتت تزاحم الولايات المتحدة منذ تنفيذ عقود التسليح الضخمة في فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والتي مثلت صفعة قوية لواشنطن في حينها ليكون نجاح موسكو في سوريا محرجا جدا للإدارة الامريكية، فيما تعد ايران اكبر المتنفذين في العراق لا سيما مع تواجد فصائل مسلحة موالية لها، الامر الذي جعلها تتوسع في مناطق لم تكن ضمن الحسابات الإيرانية كالمناطق السنية وهو ما جعل الولايات المتحدة تتكتم على أي خطط توسعية في العراق.
اضف تعليق