q

لا صوت يعلو اليوم فوق صوت التكهنات بنهاية داعش ومن سيخلفها، وبعد الهدنة التي فرضتها روسيا وأمريكا على اللاعبين الإقليمين بات الحديث عن تقاسم الغنائم بين الدولتين العظميين يشغل بال الساسة والمحللين في الشرق الأوسط .

لم تدخل روسيا وأمريكا معا في صراع داخل أي دولة إلا وتم تقسيمها والمثال هنا ألمانيا وكوريا وفيتنام وأوكرانيا، وبعد أن تعدت روسيا وأمريكا مرحلة المواجهة المباشرة في سوريا يبدو أنهما ماضيتان في تحويل مسار الصراع إلى تفاهمات "ضمنية" تفضي إلى تقاسم ارضي دولة "الخلافة" في سوريا والعراق، ومن يتابع سير التحولات الأخيرة في البلدين يجد أن هناك تنسيقا كبيرا بين روسيا وأمريكا لا سيما بعد الزيارات المكثفة بين مسؤولي البلدين والحديث الودي أثناء الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي إلى موسكو والـ"سر" الذي تحمله حقيبته التي قال إن فيها "مفاجأة سارة" لبوتين. وفي حديثه مع الصحفيين، وعد كيري بأن يبقى محتوى الحقيبة سرا بينه وبين الرئيس بوتين.

إن قراءة خارطة تحرير المناطق من سيطرة داعش تكشف عن وجود التفاهم الروسي الأمريكي الذي نتحدث عنه (ولا نعني هنا وجود اتفاق مبرم بل رغبة بين الطرفين بعدم المساس بالمناطق المهمة لخصمه)، فروسيا ستقوم بتحرير ما يقع بين أيديها في سوريا والبداية كانت تحرير مدينة تدمر الأثرية ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لروسيا وحلفائها و ما يؤكد أهميتها لموسكو هو دخولها بقوة لمساندة حليفها السوري رغم الانسحاب المعلن، إذ نفذت الطائرات الروسية في الفترة بين 7-27 مارس/آذار قرابة 500 طلعة قتالية في محيط تدمر، ووجهت خلالها أكثر من ألفي ضربة إلى مواقع داعش.

الفريق سيرغي رودسكوي رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية قال "أن تحرير تدمر يكتسب أهمية إستراتيجية نظرا لموقع المدينة الجغرافي وسط سوريا، حيث شبكة الطرق الكثيفة المؤدية إلى كافة أقاليم البلاد، ومنها دمشق وحمص وحماة وحلب والرقة ودير الزور، وحقول النفط والغاز، فضلا عن مكامن ثروات طبيعية أخرى".

وفي الجانب المقابل تقوم القوات الأمريكية بإعادة انتشارها بالعراق تحت مظلة مساندة القوات العراقية، لتكمل فصول التفاهمات مع موسكو بتحرير قضاء هيت في محافظة الأنبار العراقية، فموقع هيت الاستراتيجي يشكل عقدة مواصلات مهمة جدا، فهي تبعد نحو 60 كيلومترا شرق الرمادي، وتقع على مقربة من قاعدة عين الأسد "الأمريكية" في ناحية البغدادي غربا وتربط طرق مواصلات مهمة بين مدن الأنبار ومناطق شمال غرب صلاح الدين، وشمال غرب الصحراء وصولا إلى الموصل. وهي تشبه اهمية تدمر بالنسبة لروسيا و تحرير مناطق ذات أهمية إستراتيجية للطرفين تكشف الكثير من التفاهم.

واللافت هو ما ورد على لسان المتحدث باسم التحالف الدولي ستيف وارن خلال مؤتمر صحافي عقده منتصف مارس/آذار الماضي بمقر السفارة الأمريكية، في بغداد؛ حيث أعلن أن المعركة الكبرى مع "داعش" ستكون في منطقة الفرات بقضاء هيت، ومؤكدا في حينها قدرة القوات العراقية على تحرير مدينتي الموصل والفلوجة في وقت واحد، وهو ما يتنافى مع التصريحات الأمريكية السابقة التي أكدت باستمرار أن الحرب ضد داعش تستغرق سنوات عدة وقد تصل إلى عشرة اعوام.

وقد يقول البعض إن تحرير هيت يدخل ضمن سياق العمليات الطبيعية ضد داعش ولا داعي للحديث عن نظرية تقاسم النفوذ وهو كلام بعيد عن الواقع فإذا كان الهدف هو القضاء على داعش فتحرير البشير يكون اولى من هيت لقربها من الموصل عاصمة داعش في العراق والتحشيدات الكبيرة من قبل القوات المحلية، قد تكون المدينة ضمن المناطق المتنازع على تحريرها بين الأطراف الإقليمية ولذلك تم تأجيل ملفها بانتظار التطورات الجديدة في ميادين القتال.

وحسب اغلب التحليلات فان تحرير مدينة تدمر في سوريا بدعم روسي وتحرير هيت في العراق بدعم أمريكي تكشف عن رغبة الطرفين بالاستيلاء على اكبر عدد ممكن من المناطق مع عدم المساس بالمناطق المهمة للخصم، وهذه التطورات الميدانية المتسارعة ستؤسس لمرحلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، والسباق المحموم بين الطرفين سينحصر بالنهاية على كسب الأكراد.

اضف تعليق