كارين ج جرينبرج
(رويترز)- واصل عدد القتلى في تفجيرات يوم الثلاثاء المنفصلة في بروكسل ارتفاعه يوم الأربعاء وقالت الشرطة البلجيكية إن العدد بلغ 31 قتيلا على الأقل وما يقرب من 270 جريحا. وهذه الفظائع مأساوية وغير مقبولة. لكن على الغرب أن يفهم أن هذا قد يكون شكل الانتصار في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وعلى الأرجح أن الهجمات المنسقة التي نفذها المهاجمون تنبع من احساس بالضعف أكثر منه بالقوة.
فقد تلقت الدولة الإسلامية في الآونة الأخيرة سلسلة من الضربات القوية التي وجهت لقوتها ولجرأتها. أولا وقبل أي شيء آخر تتقلص أراضيها في العراق وسوريا -أي دولة الخلافة التي اجتذبت المقاتلين الأجانب من مختلف أنحاء العالم- باطراد من حيث الحجم على مدى الخمسة عشر شهرا الماضية وتتزايد خسائرها الإقليمية. ومنذ يناير كانون الثاني 2015 خسرت الجماعة المتشددة ما يقدر بنحو 22 في المئة من أراضيها في العراق وسوريا وحدثت ثمانية في المئة من هذه الخسائر في 2016.
وفي الشهر الأخير تم تسريب آلاف من وثائق الدولة الإسلامية إلى وسائل الإعلام الأوروبية. وتمثلت الوثائق باللغة العربية في استمارات العضوية في الدولة الإسلامية بما فيها المعلومات الشخصية مثل الأسماء والأعمار والتعليم والمهارات وما إذا كان هؤلاء الأفراد على قيد الحياة أم لا.
وقبل أربعة أيام من تفجيرات بروكسل سقط صلاح عبد السلام العقل المدبر المفترض لهجمات باريس في نوفمبر تشرين الثاني في قبضة السلطات في الحي الذي نشأ فيه في بلجيكا. وأعلنت السلطات أنه يتعاون معها ومن المفترض أن سلطات إنفاذ القانون تزودها بالمعلومات عن شبكته وخططها وربما أسماء وخطط الأفراد الذين يمثلون خطرا وشيكا على سلامة أوروبا وأمنها.
هذه الظروف مجتمعة -الخسائر الحادة في الأراضي بالعراق وسوريا وتسريبات الوثائق الكاشفة والقبض على شخص من المرجح أن يعرف مدى الشبكة الأوسع وخططها في المستقبل- ربما دفعت خلية بروكسل إلى حد الذعر. صحيح أنه تم رسم خطة الشبكة وتخزين أسلحتها واختيار مفجريها الانتحاريين. ومع ذلك فربما كانت هجمات بروكسل علامة على جماعة تشعر بأنها محاصرة وفي حالة فرار.
وأحد الأسباب التي ربما كانت وراء إغفال الغرب لهذه النقطة هو أن تفجيرات بروكسل تطلق مخاوف مرتبطة بالتفاصيل الرمزية لهجمات تنظيم القاعدة السابقة. فصور الهدف المعروف عالميا والإصابات العديدة بين المدنيين وتعدد المفجرين الانتحاريين واستخدام المتفجرات كل هذا هو دليل عمل القاعدة الذي تبناه أولئك الذين يسمون أنفسهم الدولة الإسلامية الآن.
وتعيد الهجمات على شبكات النقل والمواصلات في بروكسل -المطار وقطارات الأنفاق- إلى الأذهان ذكريات تفجيرات الحافلات وقطار الأنفاق في لندن عام 2005 والتفجير الذي وقع بمحطة للقطارات في مدريد عام 2004 وهما الهجومان اللذان أسفرا عن مقتل المئات. وهو بالتأكيد يذكر بأحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001) كونه هجوما على مركز دولي له شهرته العالمية ومقر حلف شمال الأطلسي والمفوضية الأوروبية حيث يتوقع أن يكون أفراد من جنسيات كثيرة مختلفة بين الضحايا.
لكن ثمة فارق جدير بالإشارة بين هجمات القاعدة السابقة وهذا الهجوم الذي شنته الدولة الإسلامية في بروكسل. ففي الحادي عشر من سبتمبر أيلول كما كان الحال في مدريد ولندن كان نجم تنظيم القاعدة صاعدا وأيقظ العالم على قدرته التدميرية.
وقد حاول أسامة بن لادن عدة مرات قبل الحادي عشر من سبتمبر أيلول أن يلفت انتباه الولايات المتحدة - لكنه فشل. فالتفجيرات المنسقة للسفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998 وتفجير مدمرة الصواريخ الموجهة الأمريكية كول عام 2000 وتفجير ثكنة سلاح الجو الأمريكي في أبراج الخبر بالسعودية عام 1996 كلها قوبلت بهدوء وكانت إلى حد كبير موضع اهتمام مسؤولي إنفاذ القانون الأمريكيين والصحفيين. وغير تدمير المركز التجاري العالمي في الحادي عشر من سبتمبر أيلول كل ذلك.
وقبل فترة وجيزة من هجمات باريس التي راح ضحيتها 137 شخصا أشار الرئيس باراك أوباما إلى ما حققه الغرب من نجاح ضد الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. وخمن بعض المحللين عقب الهجمات القاتلة أن هذه الانتكاسات الإقليمية في الشرق الأوسط أصابت الدولة الإسلامية بالإحباط ودفعت أعضاءها إلى الاتجاه لأوروبا باعتبارها مكانا أيسر لتنفيذ ملفهم التدميري.
لماذا يهم ما إذا كان هذا التحول المحتمل في التركيز علامة على الضعف أم القوة-الإحباط أم الثقة؟ لأنه يفسر ما يجب أن يكون عليه رد فعل الغرب لهجمات بروكسل.
وبادئ ذي بدء على سلطات إنفاذ القانون -الخط الأمام لهذه الحرب غير المتناسقة خارج بلاد الشام- أن تفعل بالضبط ما كانت تفعله وهو العثور على المرتكبين وتحديد أفراد شبكتهم الأوسع وضبط الأسلحة والأفراد المسؤولين عن اعتداءات التفجير.
لكن مسألة الخوف الأكبر هي لب الموضوع هنا. فإذا كانت هجمات بروكسل فعلا علامة يائسة على الذعر من جانب الدولة الإسلامية فإن الاستجابة السليمة لبروكسل ليست الخوف بل إحساس بالأسى والفقدان. وعلى الأرجح فإننا -نحن عامة الشعب ووسائل الإعلام والمسؤولين العموميين والساسة- سنبلي بلاء حسنا إذا لم نذعن لما هو غير دقيق ولم نلهب إحساسنا بالانكشاف والضعف. وربما يكون حصاد الموقف الدفاعي للدولة الإسلامية وهي في حالة فرار مزيدا من العنف قبل أن تصل إلى سكرات الموت. غير أنه يجب ألا يرتدع الغرب عن مواصلة الضغوط على الدولة الإسلامية في الداخل وفي الخارج.
وتتطلب حقائق الإرهاب يقظة مستمرة كواحدة من حقائق الحياة وستظل كذلك لفترة طويلة من الوقت. لا أكثر ولا أقل.
اضف تعليق