يحكى في قديم الزمان ان رجلا ليس لديه عمل لكسب قوته سوى نبش القبور وسرقة كفن الأموات المتوفين حديثا وبيعه بالسوق وهذا ما جعل الناس يسخطون عليه كثيرا ولكنهم لم يحركوا ساكنا تجاهه سوى السب والشتم، وبعد وفاته تنفس الناس الصعداء وقالوا تخلصنا منه الى حيث لا رجعة ولكنهم تفاجئوا بأن ولده الذي ورث هذه المهنة من بعده كان يقوم بسرقة الكفن ووضع قازوق بمؤخرة المتوفي مما جعل الناس تترحم على والده لان من أتى بعده أسوء منه بكثير.
لم يتوقع احد ان تسوء الأوضاع الى هذا الحد خلال هذه المرحلة من تاريخ العراق بعد سقوط الطاغية، عنف وإرهاب وطائفية وهجرة وتهجير ومحاصصة ونزوح جماعي من مدن كبيرة مما افقد المواطن الثقة بمن انتخبهم على مختلف مسمياتهم وعناوينهم لأنهم لم يقدموا للعراق ولشعبه سوى الويلات ونزاع وصراع دموي على السلطة وتراجع كبير في كافة المجالات السياسية والاقتصادية وتدخلات خارجية لا حدود لها لفرض ارادتها، كل هذا تجعل من المواطن جزء من لعبة وصراع سياسي ودموي على ارض الوطن.
لا يمكن ان نحمل الوطن تبعات الحكام وأهوائهم ونزواتهم ولكن المواطن يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية فالوطن تميته الدموع وتحييه الدماء، يعتقد البعض ان الوطن ضحية الحكومات المتعاقبة والبعض الاخر يعتقد ان المواطن بصمته الدائم جعل من الوطن ضحية وجعل الحاكم جلاد وهكذا تستمر التضحيات منذ عقود وانهار الدماء لا تتوقف وأصبح المواطن هو الأخر ضحية وتعاقبت أجيال وأجيال ولازال كل شيء على حاله دماء ودموع وكذب ونفاق سياسي ووعود مزيفة بعد ان سقت ارض الوطن بدماء الأبرياء ارضاء لحكام وخوفا من سطوة الجلادين محاولين تغير مجرى التاريخ والبقاء بالسلطة والتربع على عرش ارض الخيرات ولكن لكل شيء نهاية مهما حاول البعض ان يلعب بأوراق محترقة ونهاية الطغاة لعنة التاريخ والشعب وهذا ما حصل في العراق والكثير من الدول التي عانت من ويلات المستبدين.
لا يمكن ان نعتبر الوطن مجرد محطة عابرة نتركها متى ما شئنا اذا ما ساءت الأمور ونتركه بمحنته دون ان يكون له من يدافع عنه و بحقيقة الامر ان ما مر به العراق من أزمات وحروب وسياسات خلال العقود المنصرمة جعلت الكثير من المواطنين يبحثون عن ملاذ أمان خارج حدوده وهو ما يعتبره البعض حق مشروع لهم لضمان العيش برفاهية وامان رغم مرارة الغربة التي يواجهونها لكنها الحل بعدما اغلقت جميع ابواب العيش الكريم بالوطن وتعثرت سنوات الامان وامتدت يد الحروب لتنال من الجميع دون استثناء وجعلت من الوطن والمواطن ضحية بسبب ما ارتكبه الحكام من اخطاء وجرائم لا يمكن للتاريخ ان يتجاهلها ولكن سيبقى الوطن ويرحل جميع الطغاة والحكام الذين لم ينصفوا شعوبهم ولم يعطوا للأوطان حريتها ولم يمنحوا الشعوب الحرية الحقيقة والحياة الكريمة التي يستحقونها وتبقى وعودهم لا تتعدى ان تكون أكذوبة وزيف ادعاء لكنها الحقيقة التي سيكتبها التاريخ على ما ارتكبته من جرائم بحق الشعوب المظلومة.
ان من ابسط الامور التي تمنح للمواطن هي مجانية التعليم والضمان الصحي ولكن حتى هذه أصبحت بلا شك مقابل ثمن بعدما انتشرت المدارس الأهلية بعد تردي مستويات المدارس الحكومية ومستواها التعليمي، وكذلك فرض مبالغ مالية على الخدمات الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية رغم ان الدستور اقر بمجانيتها ولكن على ما يبدو ان الأزمة المالية التي اثرت بشكل واضح على المواطن وبدت تأثيراتها واضحة جدا بعد التقشف الكبير الذي طال كل القطاعات ولم يستثنى منها حتى الفقير بعد ان فرضت هذه الرسوم الإضافية على الخدمات الصحية وغيرها أجبرته على الانصياع وتسديدها مجبرا وهذا ما جعل التكهنات بان القادم سوف يكون أسوء، وهذا ما يبرهن على عدم دقة التخطيط في السنوات الماضية والتخبط الواضح في ايجاد الحلول للخروج من الأزمات ولاسيما الاقتصادية منها بعد ان تعثرت أسعار النفط عالميا بشكل واضح مما جعل الامور تكون اصعب لعدم موارد اخرى يمكن الاستعانة بها لسد العجز الحاصل في ميزانية العراق بعد الإهمال الكبير في قطاع الصناعة والزراعة والسياحة والاعتماد كليا على الاستيراد في سد احتياجاتنا وهذا ما جعلنا في موقف صعب قد نحتاج لوقت طويل لمعالجة الأزمة المالية وإيجاد حلول مناسبة بدلا من التقشف الذي اثر بشكل كبير على الجميع.
اغلب البلدان عاشت سنين من الحروب والدمار والثورات وسقت ارضها دماء الشهداء وتغيب الكثير من المناضلين في غياهب السجون ولكن في النهاية نالت تلك البلدان حريتها وضمن الانسان فيها حريته وكرامته وأصبحت مثلا يقتدى به وأصبحت ملاذ امن ومستقر لمن يبحث عن الحرية والعيش بسلام بعد ان تولى زمام السلطة قادة لديهم اخلاص لوطنهم وشعبهم، قد يتصور البعض ان التضحيات التي قدمها الشعب العراقي قليلة ولكنها للأسف يمكن ان تكون من اكبر التضحيات وعلى عقود طويلة من الزمن ولكن هناك من سرق هذه التضحيات رغم اعترافهم بها ولكن لم تتغير الاوضاع بل زادت سوء وتزداد يوم بعد اخر مهما حاول البعض ان يبرر ذلك ويضع الاسباب لإخفاقاتهم في ادارة الدولة، بعد ان عانى الشعب الكثير من ويلات الطاغية وجلاوزته وحروبه وحصار ظالم ولكن للاسف لم يتغير الحال فقوافل المهاجرين بدلا من تعود للوطن لتنعم بخيراته ازدادت بالرحيل الى منافي اخرى بعد ان أرعبتهم الطائفية والإرهاب الأعمى ليبقى المواطن ينتظر عسى ان تتغير الاوضاع ويعود الى وطنه.
لا يمكن ان يكون الوطن ظالما ولا الشعب مظلوما اذا ما استلمت زمام الامور حكومة وطنية حرة ترفض كل مقومات العبودية والمصلحة الشخصية من اجل الوطن وتاريخه وحضارته والتضحيات الكبيرة التي قدمها ابناء الوطن وبعكس ذلك سيبقى مظلوما لان ارادة المواطن لم تتغير ولم تحرك ساكنا لا عادة الوجه المشرق للوطن.
اضف تعليق