نشر الصديق الاستاذ الدكتور كاظم حبيب مقالا مهما يوم 20 كانون الثاني الحالي تحت عنوان " هل كل شيء هادئ في اقليم كردستان "، تطرق فيه الى جملة من المشاكل السياسية التي تواجه حكومة اقليم كوردستان العراق ذات العلاقة بتشبث رئيسها السيد مسعود برزاني بموقعه برغم انتهاء دورته الرئاسية وما يسببه ذلك من توتر في العلاقات بين القوى السياسية الكردستانية. لكن الموضوعات التي أثيرت في المقال على أهميتها وراهنيتها أغفلت جوانب مهمة في ممارسات سلطة اقليم كردستان سواء تجاه القوى السياسية الكردستانية والعراقية أو تجاه السكان العرب العراقيين الذين يسكنون في مناطق من كركوك والموصل وديالى وغيرها التي اعتبرتها حكومة البرزاني منذ ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بكونها مناطق مختلف عليها ثم عادت واعتبرتها أراض مغتصبة تم تحريرها وضمت الى كردستان دون التفكير بعواقب هذا الضم.
أنا من جانبي لا أرى ان المأزق الذي يواجه كردستان حاليا يكمن في تشبث البرزاني برئاسة اقليم كردستان كما فهمته من مقال الرفيق كاظم حبيب المشار اليه، وانما بتشبثه بقوى أجنبية من خارج كردستان لاعتقاده الجازم بأن تلك القوى وفي المقدمة منها اسرائيل والولايات المتحدة وتركيا وحدها وليست القوى الكردستانية أو العراقية من يجب الاستماع اليها والأخذ برأيها فيما يخص الشأن الكردستاني والعراقي. ويحاول البرزاني اقناع مواطني كردستان بأن الاعتماد على تلك القوى والأخذ برأيها هو الضمانة الأكيدة لحل المشاكل الاقتصادية والعسكرية التي يعانون منها وأن تلك القوى هي من يضمن حمايتهم من تهديد الحكومة العراقية التي يحاول البرزاني اقناع مواطنيه بأنها كالنظام الصدامي السابق العدو الوحيد لاستقرارهم ورخائهم.
وتحت تأثير هذا الشعور القاصر يتخذ البرزاني من تجربة دولة اسرائيل مثالا يحتذي به بفضل الدعم المالي والسياسي والعسكري الأمريكي والغربي عموما تعزز وجودها واستقرارها في المنطقة العربية التي ليس لها فيها صديقا واحدا منذ تأسيسها عام 1948 وهو وضع يحاول البرزاني التمظهر به لتبرير ربطه كردستان كليا بالمصالح الامريكية. وسيرا على التجربة ذاتها قام البرزاني بتشكيل مجموعات ضغط أمريكية بين اعضاء مجلسي الكونغرس ووسائل الاعلام جلهم من مناصري الدولة اليهودية أرسل وفوده الى هناك بشكل دائم لدعم مشروعه وابقاء التواصل معهم على قدم وساق مكرسا قسطا مهما من موارد كردستان المالية لتغطية نفقات ذلك في حين ينفذ سياسة تقشف صارمة بحق غالبية مواطني اقليم كردستان.
واعتمادا على سياسة التوسع التي انتهجتها اسرائيل على حساب الاراضي الفلسطينية عبر الطرد القسري للعرب الفلسطينيين من مناطق سكناهم والاستيلاء على مزارعهم قامت بيشمركة البرزاني بالإعلان عن مساحات واسعة من محافظات الموصل وكركوك وديالى بكونها أجزاء مغتصبة من كردستان تم تحريرها. حيث قامت بالفعل قوات البيشمركة وبتوجيه شخصي من البرزاني نفسه بهدم بيوت السكان العرب في بعض تلك المحافظات مستغلة انسحاب الجيش العراقي منها بعد هجوم أوباش الدولة الاسلامية على الموصل في حزيران عام 2014. وعندما عاد سكان تلك القرى الى مناطق سكناهم منعوا من العودة اليها وخلال ذلك قامت الجرافات بتسوية ما تبقى من تلك المساكن والقرى مع الأرض.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أعلنت عن تلك الممارسات في تقرير مفصل شمل جميع المناطق المستولى عليها عنوة والتي منع سكانها من العودة اليها بعد أن تمت تسويتها بالأرض. وقد قامت المنظمة بإعداد التقرير بعد جولة ميدانية قامت بها في المناطق المحتلة من قبل بيشمركة البرزاني السيدة Donatella Rovera كبيرة مستشاري التعامل مع الأزمات في منظمة العفو الدولية بعد زيارتها لـ 13 قرية من محافظة ديالى. لقد شاهدت بنفسها كيف أتت الجرافات التي يقودها اكراد على آلاف البيوت السكنية العائدة لسكانها العرب في تلك القرى وساوتها بالأرض بعد أن تم نسفها واحراق الالاف منها ما يشكل جريمة حرب. وادعت مسئولة المنظمة انها تملك أدلة على وجود حملة منسقة ومعدة مسبقا يشنها الأكراد لطرد السكان العرب تحت ذريعة تأييدهم لداعش. وعندما سئلت السيدة روفيرا رئيس لجنة الرد على التقارير الدولية دندار زيباري Dindar Zakary، لماذا دمرتم مساكن هذه القرى..؟
رد قائلا: " ليست للبيشمركة استراتيجية لتدمير أية قرى وان ما قامت به البيشمركة هو فقط لفرض النظام في القرى بعد حوادث العنف التي حدثت بين السكان العرب والكرد وقد قمنا بذلك لصالح أمنهم الخاص". وعن سؤال لماذا هجرتم السكان العرب قسرا من قراهم قال، " ان قوات التحالف طلبت ابعاد المدنيين عن المناطق القريبة من جبهات القتال. وقد حثت المنظمة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على التأكد من صحة ما ادعاه زيباري وأنها ليست محاولة عكسية لما قامت به حكومة صدام حسين في القرن الماضي. واستند التقرير الذي قدمته منظمة العفو الدولية الى الأمين العام للأمم المتحدة على صور الأقمار الصناعية للقرى التي تم تدميرها في ديالى ومناطق أخرى مشابهة في كركوك ونينوى موثقة بشهادات مائة شاهد من سكان المناطق المذكورة.
الاجراءات التي قامت بها بيشمركة البرزاني ضد السكان العرب هي اجراءات تطهير عرقي تمت بدافع الكراهية العنصرية تجاه السكان الاصليين وبتوجيه شخصي من البرزاني نفسه ولو كانت الاجراءات قد تمت دون علمه لجرى الاعتذار عنها، لكن شيئا كهذا لم يحدث لحد الآن.
الولايات المتحدة وحلفائها تدعم على ما يبدو السياسة العنصرية التي يتبعها الرئيس برزاني تجاه السكان العرب والا لما لاذت بالصمت حتى هذه اللحظة. فهي تدعمه بكونه حليفا ولهذا تغدق عليه بمختلف أصناف الاسلحة بما فيها الطائرات والمستشارين وخبراء في تدريب البشمركة على السلاح. وفي مقابل ذلك منح البرزاني لحلفائه الغربيين بما فيهم تركيا حق اقامة القواعد العسكرية في مناطق عدة من كردستان كجزء من سياسته لربط دولة كردستان بالتحالف المذكور وليس ذلك فحسب، بل وضع كل قدرات كردستان الاقتصادية وفي مقدمتها النفط والغاز تحت تصرف الشركات متعددة الجنسية وفق عقود سرية ضمنت لتلك الشركات حق تملك الثروات الطبيعية وليس فقط حقوق استثمارها. وكل هذا يجري دون علم الحكومة الاتحادية أو مشاركتها في أية قرارات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية تخص العراق.
ثقة البرزاني المطلقة بالحلفاء الثلاثة اسرائيل والأمريكيين وتركيا دفعت به للاستخفاف وأحيانا احتقار حلفائه العرب في الحكومة الاتحادية الى الدرجة التي أنسته أي التزامات سياسية تجاهها الا حين اقتراب موعد حصوله على حصة 17% من الميزانية المالية الاتحادية. وتحت تأثير شعوره بالقوة والتفوق الذي جعل منه الرجل الأول في كردستان فليس من المحتمل أبدا أن يتخلى عن مواقعه حتى لو تسبب ذلك في اندلاع حرب أهلية بين أنصاره وأنصار حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لثقته بالانتصار فيها فأثناء وجوده على رأس السلطة في كردستان أشاد له ترسانة عسكرية من مختلف الاسلحة تمكنه من تحقيق التفوق العسكري في أي نزاع محتمل سواء مع الاتحاد الوطني الكردستاني أو الحكومة العراقية.
من جانب آخر يحاول البرزاني أن يبدو ماهرا في اختيار حلفائه وأصدقائه وقد بدا له أنه يحقق النجاح بدليل بنائه علاقات ثقة من جانب واحد مع كل من اسرائيل وتركيا والولايات المتحدة تخدم مشروع دولته الكردستانية مكررا نفس الخطيئة التي ارتكبها والده الراحل دون أن يأخذ العبرة منها. البرزاني ونكاية بشركائه بالمصير العرب العراقيين يضع ثقته بالرئيس التركي رجب أردوغان برغم سياسة أردوغان العنصرية ضد أشقائه أكراد تركيا مستفيدا من القاعدة التي يقيم أردوغان تعاونه مع اسرائيل بناء عليها والتي يختزلها بالتالي "اسرائيل بحاجة الى دولة كتركيا في المنطقة وعلينا أن نعترف أيضا بأننا بحاجة الى اسرائيل". وعلى نفس القاعدة يقيم أردوغان علاقته بالولايات المتحدة لكن التجارب التاريخية تثبت لاردوغان كما للبرزاني أن الأمريكيين والإسرائيليين لم يكونوا أبدا أهلا للثقة فقد خذلوا والده في ستينيات القرن الماضي عندما سحبوا دعمهم للثورة الكردية لصالح شاه ايران وصدام حسين أجبر بنتيجتها البرزاني الأب الى هجرة وطنه والموت في المنفى. والخطأ ليس خطأ الولايات المتحدة أو إسرائيل ولا خطأ قاعدة المصالح المتبادلة ذاتها انما الخطأ في تفسيرها من جانب أحد الاطراف. فللأمريكيين تفسيرهم الخاص لمصالحهم التي يبادلونها بمصالح الآخرين وهو الذي يتعذر فهمه من قبل البعض الساذج ويدفعون ثمنه غاليا. ويروى عن جنرال كبير في الجيش التركي انه في رده على سؤال وجه له عن مكاسب انضمام تركيا لحلف الناتو فأجاب قائلا: " المشكلة في التحالف مع الأمريكيين أنك لن تعرف أبدا متى يستغفلونك ليوجهوا لك طعنة في الظهر".
اضف تعليق