كنتُ سأَزعلُ عليه إذا ماتَ في فراشهِ، فالنِّمرُ الذي عرفتهُ منذ نعومةِ أظفارهِ متنمِّراً في ذاتِ الله عنيداً في قولِ الحقِّ ولو على نَفْسهِ يثورُ ضدّ الظّلم ويكره السّكون والسّكوت والخنوع والخضوعُ للواقع المرّ وينتفض لنصرةِ مظلومٍ، تستفزّهُ العبوديّة لغير الله تعالى، عالماً عاملاً مخلصاً واعياً نبِهاً حركيّاً رساليّاً ذكياً شُجاعاً مِقداماً واثقاً بَصِيراً، لا يُمكن الا ان يموتَ واقفاً.
انّ الذي يحمِل خشبتهُ على ظهرهِ مدّة نصف قرن يجولُ فيها البلدانِ بحثاً عمن يصلبهُ عليها لا يُمْكِنُ ان يموتَ في فراشهِ، انّهُ لا يموتُ الا شهيداً مضرَّجاً بدمائهِ الطّاهرة لتُزيلَ عرشَ الطّاغوت، أولم يقل رب العزّة {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}؟.
لقد كان أمير المؤمنين (ع) يلتفت الى حبيبهِ رسول الله (ص) كلّما انتهت معركة لم يستشهد فيها قائلاً لهُ {أَرَأَيتَ يا رَسولَ الله كَيْفَ فاتتني الشّهادة؟} فيبشّرهُ الرسول الكريم (ص) ويطمئنهُ بقوله {إِنَّها مِنْ وَرائِكَ ياعليّ}.
فالرّجال الامناء على رسالةِ الله تعالى لا يموتونَ الا واقفينَ ولا يُغادِرونَنا الا انْ تُخَضَّب هذهِ (يعني لِحْيَتهِ) من دمِ هذه (يعني هامَتِهِ).
وهكذا هُمُ الرّجال الرّجال يفجّرُ موتهُم ثورةً ضِدَّ الطّغاة ويوقظُ أُمَّةً من سُباتها، ويزلزلُ عروشاً من عليائِها.
فللرّمزِ البطل استشهادٌ مُدَوٍّ كما انّ لحياتهِ حضورٌ مدوٍّ يهزُّ كيان الامّة من الأعماق، ينبّهها ويوقضَها لتنتفضَ ضدّ الظالمين.
لقد كان الشّهيد آية الله الشيخ المجاهد نمر باقر النمر (قُدِّس سِرُّه) وفيّاً لصرخاتهِ المدوّية بوجه الظّالم، ولكلمة الحقّ عند سُلطانٍ جائرٍ، فمزجَ قولهُ الغاضب بفعلهِ الثَّوري ودعوتهُ الاصلاحيّة بالإنجاز النّاجز ودعاؤهُ بتحقيقِ ما كان يصبو اليه ويتمنّاه، الا وهو الشّهادة في سَبِيلِ الله تعالى على يدِ اتعسِ وأحقرِ خلقِ الله تعالى (آل سَعود والحزبِ الوَهابي) كما ذكرَ لي ذلك في آخرِ لقاءٍ جمعني وإيّاهُ عند بيت الله العتيق في مكّة المكرّمة بالاستقامةِ.
كانَ من ثوّار الخنادق ولم يكن من ثوّار الفنادق، كان قائداً ميدانيّاً ولم يكن قائداً من على شاشات التّلفزة، اذا دعا النّاس الى فعلٍ ثوريٍّ ما سبقهم الى المَيدان، لم يتأخّر او يتباطأ او يتردّد او يستسلم لوساوسِ الشَّيْطَان وتبريرات المُرجفين في المدينة الذين لا يعملون ويثبّطون الآخرين عن العمل،
فكان المصداقَ البارز والصّورة الجليّة في السّاحةِ لقول أَمير المؤمنين (ع) {فَقُمْتُ بِالاْمْرِ حِينَ فَشِلُوا، وَتَطَلَّعْتُ حِينَ تَعْتَعُوا، وَمَضَيْتُ بِنُورِ اللهِ حِينَ وَقَفُوا، وَكُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً، وَأَعْلاَهُمْ فَوْتاً، فَطِرْتُ بِعِنَانِهَا، وَاسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا، كَالْجَبَلِ لاَ تُحَرِّكُهُ الْقَوَاصِفُ، وَلاَ تُزِيلُهُ الْعَوَاصِفُ}.
لقد حَفَرَ نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية قبرهُ بيدهِ ودقَّ آخرَ مسمارٍ في نعشهِ عندما نفّذ اليوم حكم الإعدام بحقّ الشّيخ النّمر، من دونِ ان يأخذَ بنظرِ الاعتبار الظّروف الحسّاسة والخطيرة التي تمرُّ بها الامّة والمنطقة تحديداً وهي تُقاتل ضدّ الارهاب التّكفيري الذي غذّاه فقهاء التّكفير بفتاواهم الطّائفية وآل سَعود بإعلامِهم الطّائفي وبأَموال البترودولار، فلقد عشعشَ وبيَّضَ وفرّخ ونما وترعرعَ الارْهابُ في مؤسّساتهم (التّعليميّة).
لمْ تُصغِ الرّياض الى صوتِ العقلِ والحكمةِ الذي علا من أطرافٍ دوليّة واقليميّة، رسميّة وشعبيّة ودينيّة وحقوقيّة عديدة، دعتهُ الى تغليب المصلحة العليا للأمّة ولشعوبها في المنطقة، من خلال إِعادةِ النّظر بقرارِ الإعدامِ الجائر لما يمثّل من خطوةٍ خطيرةٍ على الأمن الإقليمي وجُرأةٍ كبيرةٍ ووقحةٍ على العلمِ والعلماء.
انَّ جريمة آل سَعود بقتلِ الشّيخ الشّهيد نمر النّمر اثبتت مرَّةً أُخرى مدى حرص نظام القبيلة الفاسد على التّحريض على الارهاب فبالجريمة ساوى آل سعود والحزب الوهابي في الأحكام القضائيّة بين من يفجّر نَفْسَهُ ويقتل الأبرياء ويدمّر البلاد (الارهابيّون التكفيريّون) وبين من يتمسّك بالطّرق السّلميّة ليبلّغ رسالتهُ الاصلاحيّة والتّغييريّة!.
انّ تعمّد نظام القبيلة الفاسد تنفيذ حكم إعدام النّمر مع مجموعةٍ من الارهابيّين والقتلة هي محاولةً مِنْهُ لايهام الرّاي العام وتضييع رسالتهِ المقدّسة وهدفهِ الاسمى الذي ظلّ يُجاهد من أَجل تحقيقه.
أُجزِمُ انَّ دمهُ الطّاهر سيُزيل عرشَ آل سَعود والحزب الوهابي، فلقد استدرجهمُ الله تعالى ليرتكبوا جريمتهم ليُثبت للعالم مرّةً اخرى قُدسيّة دم الشّهيد الذي وليُّه ربّ الْعِزَّة المنتقم الجبّار، وانّ التّغيير التّاريخي لا يتحقّق الا بالدّم عندما ينتصر على السّيف، وبالرّوح التي يزهقها الطّاغوت ظلماً وعدواناً، وصدق الله العليّ العظيم الذي يقول في محكم كتابه الكريم {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
لقد اثبتتِ الجريمة النّكراء مرّةً أُخرى ان اللّغة الوحيدة التي يستوعبها نظام القبيلة الفاسد هي لغة الرّفض الثّوري فلا تنفعُ معهُ المُهادنة والمُصانعة والمُضارعة واتّباع المطامع، كما لا تنفع معهُ لغة الحوار، فالنّظام الذي يساوي في العقوبة بين حاملِ السّلاح وصاحبِ الكلمة، بين القاتل والذّباح والمفجّر للسيّارات المفخّخة والاحزمة النّاسفة وبين حامل الرّأي الدّاعي الى هدفهِ بالمنطق والكلمة الصّادقة، بين من يتبنّى نهج الارهاب والآخر الذي يتمسّك بنهج اللاعنف والسّلم على الرّغم من كلّ القهر الذي يتعرّض لهُ، هو نظامٌ مجرمٌ أحمقٌ سفيهٌ لا يميّز بين الأشياء وهو يحرّض على العنف بمثلِ ذلك، ولذلك يجب ان يُزاح عن السّلطة، وسَيُزاح عنها.
رحمكَ الله تعالى في علّييّن ايّها الشّهيدُ البطل.
اضف تعليق