في الديمقراطيات العريقة لاتكون المشاركة في الحكم غنيمة كما لاتكون المعارضة هزيمة، وفي العراق كلا الامرين كان مخالفا للسياقات الديمقراطية المعتمدة والتي يكفلها الدستور وهو النسق الطبيعي لأي عملية سياسية، ولكن العملية السياسية الجارية في العراق كان لها شأن آخر مختلف نوعا ما عن غيرها، فكان سبب الإخفاق...

تتحمل جميع النخب السياسية بلا استثناء استشراء الفساد في العراق كون تلك النخب لم تضطلع بمهام الرقابة على الاداء الحكومي بأنواعه كما معمول في الدول المحترمة، لذا ينفرد الاداء البرلماني في العراق عن غيره بسمة غريبة من نوعها، وذلك بانخراط جميع المنضوين داخل قبة البرلمان بسياق سياسي واحد، يؤدي الى نتيجة واحدة لاتتغير بتغير الظروف.

 فالمعتاد في الديمقراطيات العريقة ان ينخرط الخاسرون في مايسمى بحكومة الظل او جبهة المعارضة، الغرض منها متابعة الاداء الحكومي وتقييمه ومن ثم تقويمه وتأشير حالات الاخفاق او الخلل إن وجد، فيما ينخرط الاخرون (وهم الرابحون في الانتخابات) في مشروع آخر وهو تشكيل الحكومة حسب الاستحقاقات الوزارية.

 والذي حصل طيلة السنين السابقة منذ 2003 ولحد الآن ان الجميع مارسوا نفس المهمة وهي الاشتراك في الحكم، فلم توجد نية لتشكيل جبهة معارضة تقوم بواجبها الرقابي والتقييمي/التقويمي، فليس من الصحيح ان يشارك الجميع في الحكم ويعارضون انفسهم في ذات الوقت، وهذا مخالف للقيم والآليات الديمقراطية بحجة ان المشاركة تعني الحصول على المزيد من المكاسب والمغانم و"الوجاهة" التي توفرها وان يكون المشارك تحت الأضواء، بينما وحسب اعتقاد المعارضين انهم لن يتمتعوا بذات الامتيازات.

 وهذا رأي دأب عليه اغلب السياسيين العراقيين، وهذا خطأ بنيوي جسيم بخصوص المعارضة ودورها المهم في تقويم/تقييم العملية السياسية نحو الافضل وتشخيص مكامن الفساد الاداري والمالي فيها، فضلا عن ايقاف هدر المال العام، فلا داعي للتخوف من ممارسة دور المعارضة التي يقوم به الخاسرون خشية عدم الحصول على المغانم والمكاسب والاضواء التي يحصل عليها اخوانهم المشاركون في السلطة وقد تكون تلك الامور لاقيمة لها او هامشية. 

في الديمقراطيات العريقة لاتكون المشاركة في الحكم غنيمة كما لاتكون المعارضة هزيمة، وفي العراق كلا الامرين كان مخالفا للسياقات الديمقراطية المعتمدة والتي يكفلها الدستور وهو النسق الطبيعي لأي عملية سياسية، ولكن العملية السياسية الجارية في العراق كان لها شأن آخر مختلف نوعا ما عن غيرها، فكان سبب الاخفاق الحاصل فيها بسبب قلة خبرة بعض السياسيين ولعدم وجود معارضة تراقب عملهم.

 لان الكثيرين من السياسيين مازالوا يتحسّسون من كلمة معارضة التي تضعهم تحت الهامش كما يدعون، ما شكّل اشبه بالـ(فوبيا) لديهم، فضاعت الكثير من الفرص لتقويم الاداء السياسي ومتابعة حالات الفساد المستشرية والهدر التريليوني بالمال العام الذي هو من اهم اعمال السلطة التشريعية، اضافة الى عملها الرئيس في سن القوانين.

 ويجب ان يكون ذلك بعيدا عن لغة التسقيط والمهاترات والصخب الاعلامي وان لايكون ذلك الا من اجل كشف الحقائق خدمة للصالح العام وليس من اجل أجندات حزبوية او شخصية ولأجل استقامة الاداء الحكومي يجب تفعيل دور المعارضة البرلمانية لتقويم الاداء الحكومي المتعثر.

اضف تعليق