تُدار الدول والمجتمعات بالاعتماد على عدة منظومات، تتقدّمها المنظومة العُرفية، وتساندها الأحكام الدينية، وهنالك دور كبير للمنظومة القانونية، وتبقى المنظومة الإدارية هي التي تمنح درجة الانضباط والالتزام لهذا المجتمع أو ذاك، وفي ضوئها يمكن أن تُقاس درجة التقدم والتباين بين هذه الدولة أو تلك وبين هذا المجتمع أو ذاك...
تُدار الدول والمجتمعات بالاعتماد على عدة منظومات، تتقدّمها المنظومة العُرفية، وتساندها الأحكام الدينية، وهنالك دور كبير للمنظومة القانونية، وتبقى المنظومة الإدارية هي التي تمنح درجة الانضباط والالتزام لهذا المجتمع أو ذاك، وفي ضوئها يمكن أن تُقاس درجة التقدم والتباين بين هذه الدولة أو تلك وبين هذا المجتمع أو ذاك.
ماذا يحدث لدينا في العراق؟، تُثار تساؤلات عديدة في هذا المجال، هل نحن نتحلّى بمنظومة عُرفية واضحة المعالم، خالية من الاختراقات، وهل جميع الأفراد والمكونات تلتزم بهذه المنظومة وتجعل منها بوصلة لتوجيه الأنشطة الإدارية والاجتماعية وسواها؟
بمعنى هل نحن كعراقيين نتطلع إلى حاضر أجمل ومستقبل أفضل نحترم منظومتنا العُرفية، وهل ندير علاقاتنا ومصالحنا في ضوء هذه المنظومة، أم أننا نلتزم بها بالقول فقط، وعندما نحاول التدقيق في مدى التزامنا عمليا، نجد أننا نسعى لخرق هذه المنظومة العرفية بأنفسنا.
ثم لدينا أيضا المنظومة الإدارية التي تستند إلى القوانين والصلاحيات والإجراءات المتخذة في هذه الدائرة الرسمية أو تلك، فهل يلتزم العراقيون بما تقدمه لهم منظومتهم الإدارية في مؤسسات ومرافق الدولة والحكومة، في الحقيقة لاحظنا خروقات عديدة تجيب عن هذا السؤال، كيف يمكن أن نثبت قولنا هذا؟
احترام منظومتنا الإدارية
لو أننا أتينا إلى وزارة التربية مثلا، وإلى الإجراءات التي تقوم بها مديريات التربية في المحافظات، ولو أننا بحثنا في أساليب تسجيل الطلبة في المدارس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، هل هذه المجريات الإدارية تسير وفقما تدعو له القوانين المتبعة، إذا كانت الإجابة بنعم، فإننا كعراقيين نحترم منظومتنا الإدارية ونلتزم بها.
ولكن ماذا لو اكتشفنا أننا ملتزمون بالضوابط الإدارية قولا فقط، أي أننا ندعمها بالأقوال ولكن عندما يحين التطبيق لا أحد يلتزم بها، لا الموظفون الإداريون ولا المواطنون، فمثلا عندما أريد أنقل أن ابني أو ابنتي من هذه المدرسة إلى تلك (ابتدائية أو متوسطة أو إعدادية).
نظرا لقربها من منطقتنا، أو لأسباب موجِبة أخرى، فإنني أجد عراقيل كثيرة يضعها الموظفون في وجهي مثل (جلب تأييد من مختار الحي السكني، أو الاعتذار لاكتظاظ الصف بعدد يفوق المقرر له، أو قلة درجة معدل النجاح للطالب... إلخ).
فهذه الأعذار تؤكد عدم وجود التعليمات الإدارية الدقيقة والعادلة التي يتم تطبيقها على الجميع، فالموظفون (المدير، والمعاون، والمعلم، وموظف التسجيل وغيرهم)، لا يطبقون هذه الضوابط الإدارية على الجميع، بل يتم هذا الأمر بانتقائية خارج العرف وخارج القوانين الإدارية العادلة، لأن الواسطة والمحسوبية والحزبية يكون لها دور حاسم في ضرب الضوابط الإدارية، حين يتوسط الآباء عند هذا الطرف أو ذاك لقبول أبنائهم بعيدا عن الإجراءات الإدارية التي تساوي بين الجميع.
فالخرق هنا نوعان، عرفي وقانوني إداري، الخرق العرفي يبدأ عندما يحاول الأب أن يجد طريقة لقبول ابنه أو ابنته في المدرسة بعد أن يرفض المدير أو المعاون قبوله، وعندما نعاتب هذا الأب على مثل هذا الخرق، يجيبك على الفور بأن جمع الآباء يفعلون ذلك، ويتم قبول أبنائهم بالوسطة الحزبية أو المحسوبية.
وهذا يعني عدم المساواة في فرصة القبول، فمن لديه واسطة يتم قبول ابنه حتى لو لم يمتلك شروط القبول، ويتم رفض الطالب الذي عنده شروط القبول وليس عنده واسطة.
أين يكمن الحل؟
هنا يحدث الخرق المزدوج للمنظومتين العرفية والإدارية، بمعنى لا يلتزم الموظفون في مديريات التربية وفي المدارس بالضوابط الإدارية العادلة، وهذا ضرب واضح وخطير لتطبيق العدالة الإدارية على جميع الطلبة، ومن جانب آخر لا يلتزم الآباء بالابتعاد عن الواسطة والمحسوبية فيضربون المنظومة العرفية، ويحدث التجاوز المزدوج على المنظومتين.
في الحقيقة نحن كعراقيين نحتاج إلى ثقافة عدم خرق هاتين المنظومتين، فيتم المحافظة على نقاء الأعراف ونزاهة الآباء أو أولياء الأمور، وعدم الالتفاف على الإجراءات الإدارية بألف طريقة وطريقة، وهذا يحتاج إلى وعي وغيمان راسخ بأن العدالة تبدأ من لحظة احترامنا للضوابط الإدارية العادلة، والأمر نفسه ينطبق على الموظفين في مديريات التربية وفي المدارس، وأهمية بل وحتمية تطبيقهم للإجراءات الإدارية بعدالة تامة.
بعيدا عن الواسطة بشتى أنواعها، فإذا شعر الآباء بهذا النوع من العدالة، حتما سيكفّ ولي الأمر عن الالتفاف على الضوابط، ولكن حين يرى ابن جيرانه الملاصق لبيته يتم قبوله في المدرسة الفلانية ويتم عدم قبول ابنه في المدرسة نفسها.
هنا تختل الضوابط الإدارية والأعراف معا، ويشعر هذا الأب بالظلم واعتماد المعايير الإدارية التي تكيل بمكيالين، لذلك يسعى الأب لقبول ابنه في هذه المدرسة بشتى طرق الواسطة.
النتيجة نحن كمجتمع نخسر المنظومتين الإدارية والعرفية، ويحدث ارتباك شديد وفوضى في انسيابية الدراسة، هذه الظاهرة تتجدد في كل بداية سنة دراسية جديدة، وبالطبع لا ينحصر الأمر في هذا النوع من الفرص وخرقها، وإنما نجد ذلك في جميع حالات التنافس.
مثل حالات الحصول على عمل، أو على بعثة دراسية أو على أية خطوة فيها مصلحة شخصية، لذا بالنتيجة نحن نحتاج إلى تحصيل الوعي بأهمية احترام المنظومتين الإدارية والعرفية وحمايتهما من أي نوع من الاختراق عبر الوعي والإيمان بالعدالة المجتمعية.
اضف تعليق