إن المدن الذكية ليست رفاهية محضة كما يعتقد البعض، بل هي استجابة ضرورية لمشكلات الحاضر وتحديات المستقبل، فهي تمثل خطوة متقدمة نحو مدن أكثر استدامة، وكفاءة، وإنسانية، وشفافية، ومع ذلك يبقى نجاحها مرهونًا بقدرتها على تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والإنسان، وبين الراحة الفردية والمصلحة العامة بحسب جدية ومهارة استخدامها...

في ظل الثورة التكنولوجية المتسارعة، برز مفهوم المدن الذكية باعتباره نموذجًا حضريًا جديدًا يقوم على توظيف التقنيات الحديثة لإدارة الموارد، وتقديم الخدمات، وتحسين جودة الحياة، ورغم أن هذا المفهوم يبدو للوهلة الأولى ضربًا من الرفاهية التقنية، إلا أن التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العالم تجعل منه خيارًا استراتيجيًا للمستقبل، ومن هنا يثور السؤال: هل المدن الذكية مجرد ترف حضاري، أم أنها ضرورة حتمية تفرضها متطلبات العصر؟

المدينة الذكية هي منظومة حضرية تستخدم التكنولوجيا الرقمية وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي لتطوير خدماتها الأساسية مثل النقل، الطاقة، الصحة، والتعليم، وتتميز هذه المدن بقدرتها على جمع البيانات وتحليلها في الوقت الفعلي من أجل اتخاذ قرارات فعّالة، وهو ما يجعلها أكثر مرونة في التعامل مع التحديات المعقدة مقارنة بالمدن التقليدية.

لا شك أن المدن الذكية توفر مستوى عاليًا من الراحة للسكان، فالمنازل الذكية، وأنظمة المواصلات الذاتية القيادة، وخدمات الدفع الإلكتروني، والشبكات السريعة، كلها مظاهر رفاهية تعكس التطور التكنولوجي، كما أن استخدام التطبيقات لإدارة الحياة اليومية يجعل العيش في المدينة الذكية أكثر سلاسة وسرعة، ومن هذا المنظور، قد ينظر البعض إليها على أنها رفاهية أكثر من كونها حاجة ملحة.

إلا أن الواقع يثبت أن المدن الذكية تمثل ضرورة استراتيجية في مواجهة التحديات الراهنة مقابل النمو السكاني المتسارع حيث يتوقع أن يعيش أكثر من ثلثي سكان العالم في المدن بحلول عام 2050، ما يفرض ضرورة تحسين إدارة الموارد، وامام التغير المناخي إذ تساهم المدن الذكية في تقليل الانبعاثات الكربونية من خلال الاعتماد على الطاقة النظيفة وكفاءة استخدام الموارد، كذلك من اجل الأمن الحضري من خلال أنظمة المراقبة الذكية وإدارة الكوارث والاستجابة السريعة للأزمات، والتنمية الاقتصادية تستدعي هذا التطور فالمدن الذكية تخلق بيئة جاذبة للاستثمار والابتكار، وتوفر فرص عمل في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.

رغم إيجابياتها، تواجه المدن الذكية مجموعة من التحديات، أبرزها ارتفاع الكلفة المالية في إنشاء البنى التحتية الذكية، والمخاطر الأمنية المرتبطة بالهجمات السيبرانية وسرقة البيانات، والفجوة الرقمية بين من يملكون القدرة على استخدام التكنولوجيا ومن يفتقرون إليها، والبعد الإنساني إذ قد يؤدي الاعتماد المفرط على التكنولوجيا إلى تقليل التفاعل الاجتماعي المباشر.

ختامًا- إن المدن الذكية ليست رفاهية محضة كما يعتقد البعض، بل هي استجابة ضرورية لمشكلات الحاضر وتحديات المستقبل، فهي تمثل خطوة متقدمة نحو مدن أكثر استدامة، وكفاءة، وإنسانية، وشفافية، ومع ذلك يبقى نجاحها مرهونًا بقدرتها على تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والإنسان، وبين الراحة الفردية والمصلحة العامة بحسب جدية ومهارة استخدامها، فالمدن الذكية الحقيقية هي التي تجعل التكنولوجيا في خدمة الإنسان، لا أن تجعل الإنسان رهينة لها.

د. جمانة جاسم الاسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسية بجامعة كربلاء

اضف تعليق