اننا اليوم بأمس الحاجة للعمل السياسي والثقافي وتفعيل لغة الحوار المنفتح بعيدا عن الاقصاء والتهميش والتكفير والاتهامات، وان الحلول السياسية من خلال الحوار مع احترام خيارات الاخرين والتي لا تتعارض مع المبادئ العامة من قبيل القيم السامية والمبادئ الحقة مفتاح لأغلب المشاكل وتحفز على التفاعل الإيجابي...

يتفق الجميع على ما للعراق من أهمية بالغة نظراً لما يملك من مقومات عملاقة من حيث الموقع والثروات والطاقات والتي كانت مع الاسف - في الكثير من المراحل- سببا في دخوله في صراعات داخلية وخارجية على مدى الكثير من تاريخه والتي كانت ومازالت محط انظار العالم ومبتغى القوى الكبرى، كما يتفقون على تكالب الاعداء على العراق بسبب موقعه وثرواته فضلا عما يُحيطه من تحدِّيات من النواحي الأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافية على الصُعُد المحليّة والإقليميّة والدوليّة.

وبالأخص التوجه العالمي لتغيير الكثير من خارطة العالم وتغيير اعدادات المعادلات الدولية وتموضع جديد وفق متغيرات الصراع العالمي حول قيادة العالم بين الاقطاب المتنافسة كالصين وروسيا واميركا، ثم بروز دول تتصدى للتنافس على القطبية او الصدارة، أو على أقل التقادير تريد ان تحصل على موطأ قدم يؤهلها ولو على المستوى البعيد للتبوء لموقع مهم، فكانت المحاولات حثيثة ومتسارعة لهذه الدول وعلى اغلب المستويات والاتجاهات مع الاخذ بالاعتبار محاولاتهم الحثيثة للعمل على زعزعة مناطق النزاع والصراع والنفوذ في ما بينهم، وهذا يجعلنا في مازق كبير.

لذا كان السؤال والتحدي الاكبر هو أين نحن من هذه المعادلات؟ وماهي الاستعدادات؟ وهل نصطف مع هذا الطرف أم ذاك؟ أو نقف مع من يملك اوراق اقوى من غيره، وهل نحن نملك مصادر قوة تؤهلنا وتجعلنا في راحة وسعة ومرونة نتعامل من خلالها ونفرض ارادتنا، أم نحن مجرد شباك هدف نتلقى كرات الاخرين خصوصا بعد تصدي اشخاص واحزاب غير مؤهله لقيادة المرحلة والتي ساهمت كثيرا في تعطيل وتأخير وافشال البناء والتنمية. 

ولم تستطع ان تحقق السلام ولا الامان، أما على مستوى الخدمات فكان الفشل واضحا وبيِّن، وكانت الفترات السابقة تعج بالمشاكل الداخلية والخارجية وما تلك الحروب العبثية وغزو البلدان، الا حلقة من حلقات الفشل والتيه، وما جاء بعدها من تصرفات لم تكن على مستوى المسؤولية، فالتخبط والمحاصصة والفساد والتمرد على القانون، كان واضحا، نعم في الفترة الاخيرة كان هناك شعور وصوت بدأ يتعالى يطالب بالاصلاح والتغيير، وهناك بالمقابل استجابة، فبرزت نخب واحزاب وحركات جماهيرية وقيادات سياسية نامل بها خيرا، وعلى ما تقدم ولغرض الحفاظ على طبيعة النظام السياسي العام وعلى المكتسبات والانجازات، نحتاج إلى رفع مستوى الوعي وتفعيل دور القانون وارساء مبدأ العدالة والمصالحة والعمل الجاد لبناء مشاريع خدمية تلبي حاجات الناس.

وان ننأى بأنفسنا من سياسة المحاور والتكتلات غير المجدية والتي تجلب الويلات وتعيد تموضع الاخرين، وهذا لا يتحقق الا من خلال مبدأ العدالة الاجتماعية والامن والاستقرار وتسيد القانون والاستفادة من الثروات الموجودة بشكل مناسب وتكوير الصناعة والزراعة وتفعيل دور القطاع الخاص ودعم الكفاءات والخبرات وتحقيق المكتسبات وتطوير المنجزات وسيطرة الحكومة على جميع مفاصل الدولة وعدم السماح للوصاية الحزبية على مقدرات البلد وعلى قراراته ونحتاج إلى بناء منظومة مجتمعية واعية تتحمل مسؤولية النهوض بالبلد وتحقيق التنمية والبناء ومحاولة اصلاح ما افسده الفاشلون وتغيير المعادلات السلبية المفروضة على المجتمع.

وأن التحديات الراهنة تتطلب أكثر من مجرد ردود فعل متسارعة، بل تحتاج إلى وضع استراتيجيات طويلة الامد ورسم خارطة طريق واضحة المعالم واقعية التنفيذ بعيدا عن الشعارات والخزعبلات تواكب المتغيرات الجارية والمستمرة في العالم وخصوصا في عصرنا الذي يشهد قفزة نوعية في اغلب المجالات والا لأصبحنا حطام تطئه الاقدام وهذه سنة جارية في عالم الوجود، اي البقاء للاقوى، ونحن اقوى بالله تعالى، لكن بشرط ان ننصر الله وان نعد لهم ولكل مرحلة مقدماتها ورجالها وهي مسؤوليتنا. 

اننا اليوم بأمس الحاجة للعمل السياسي والثقافي وتفعيل لغة الحوار المنفتح بعيدا عن الاقصاء والتهميش والتكفير والاتهامات، وان الحلول السياسية من خلال الحوار مع احترام خيارات الاخرين والتي لا تتعارض مع المبادئ العامة من قبيل القيم السامية والمبادئ الحقة مفتاح لأغلب المشاكل وتحفز على التفاعل الإيجابي. ان عالم اليوم يعج بالمتغيرات والتي تتطلب تفاعلا استثنائيا من قبل الجميع ومسؤولية النخب المجتمعية والجماهير والهيئات والمؤسسات والمنظمات والنخب والزعامات السياسية والاجتماعية والدينية كبيرة، فالكل مسؤول كل بحسبه والعمل على الفصل بين السلطات وتحديد الاهداف والوظائف بلا تداخل، نعم مع التفاهم والتفاعل والتصالح وليس التصارع والتزاحم. هكذا هو البناء والتنمية والا فلا.

اضف تعليق