عندما يكون لدى الإنسان قاعدة علمية قويَّة، فإنَّ عقله يصبح محصنًا ضدَّ تأثيرات الأفكارِ المنحرفةِ والخرافية؛ وعلَّة ذلكَ أنَّ هذه القاعدةَ تعمل كدرع يحمي العقلَ من الانزلاق إلى متاهات الأوهامِ والخيالات. والثَّبات على المبادئ لا يعني الجمودَ، بل يعني التَّصدي للأفكار المنحرفة والضَّلالات، دون أن يتأثرَ الفردُ بتقلبات الآراءِ...

يتعرَّضُ الإنسانُ في بدايةِ حياته لتأثيرات البيئةِ الأسريةِ والاجتماعيةِ، والتي تُسهم في تشكيلِ أفكارهِ ومفاهيمهِ، ومع مرورِ الوقتِ، تصبحُ هذه الأفكارُ جزءًا أساسيًا من طريقةِ تفكيرهِ وسلوكِهِ، إذ تتعمقُ في عقلِهِ وتؤثِّر على كيفيةِ فهمهِ لمجرياتِ الأمورِ واتخاذه للقرارات. وبعد ذلك يُصبح من الصَّعب عليهِ الخروجُ من سجن هذهِ الأفكار؛ لأنَّها استولتْ على عقلهِ وروحهِ، ومهما كانت الأفكارُ الجديدةُ مشرقةً أو مفعمة بالإمكانات، قد تُواجه بالرَّفضِ الفوري إذا كانت تتعارضُ مع القناعات الموروثةِ، وهكذا يجدُ الإنسانُ نفسَه سجينًا لموروثاتهِ، ولا يستطيع أن يتنفسَ هواءَ التَّجديدِ أو أن يتطلعَ نحو آفاق جديدة بسبب تحوّل هذهِ الأفكارِ إلى قيد ثقيل يعيقُ تطورَه. 

من هنا يُطرحُ هذا السُّؤالُ الجوهري: كيف يمكننا أن نتحررَ من هذا السجن الفكري الذي يقيِّدنا؟

وكيف يمكنُنا التَّغلبَ على العاداتِ القديمةِ التي تحدُّ من إمكاناتِنا؟

وكيفَ نستطيعُ أن نفكِّرَ بطريقةٍ تقودُنا إلى النَّجاحِ والسَّعادة في الدُّنيا والآخرةِ؟

 هل من الممكنِ لنا أن نتجنبَ الأفكارَ السَّطحيةَ التي تشتتُ انتباهَنا عن الأهدافِ السَّامية؟

إنَّ الإجابةَ على هذهِ الأسئلةِ تكونُ في استخدامِ مفاتيح خاصة قادرة على محو الأفكارِ الفاسدةِ التي تسيطرُ علينا، وفي نفسِ الوقتِ وظيفتُها إعادة بناءِ عقولِنا بما يتماشى مع القيمِ والمعايير الصَّحيحة؛ فالتَّغيير الحقيقي في حياةِ الإنسانِ يتوقف على تغيير تركيبته الفكرية، وبنائه بشكلٍ سليم؛ وأمَّا إذا كان الإنسانُ محاطًا بجدران من الجهلِ، فإنَّ حياتَه ستبقى أسيرةَ تلكَ الجدران؛ لذا، من المناسب أن نعملَ على بناءِ عقولِنا على أسس متينةٍ، لنتمكنَ من استيعابِ الأفكارِ التي تهدفُ إلى تحسينِ حياتِنا.

وهذا المقال والمقالات الأخرى التي ستأتي تباعًا – إن شاء الله تعالى-؛ يسعى إلى رفعِ مستوى الوعي لدى القارئ، والخروجِ من النَّمط التَّقليدي والمألوف، واستقبالِ الأفكارِ الجديدةِ والمبتكرة، وفي نفسِ الوقتِ يقدِّم أدوات لتسهيل عملية التَّغيير الفكري، مما يساعدُ القارئَ على بناءِ عقل متجددٍ وقادر على التَّكيف مع التَّحديات والفرصِ الجديدةِ؛ لذلك سيكون أول محور بعنوان: أساسيات التفكير والإبداع؛ والذي يتضمن مجموعة من المفاتيح؛ وهي:

المفتاح الأوَّل: الاستناد على أصول ثابتة.

تتنوعُ الأفكارُ وتتناقضُ المعتقداتُ في عالمِنا المتسارع، وتصبحُ مسألةُ بناءِ العقلِ والتَّفكيرِ والذَّاتِ أكثرَ تعقيدًا من أي وقتٍ مضى، وهنا تبرز نُقطةُ أهميةِ الاستناد على أصول ثابتة وقويِّة؛ لأنَّ وجودَ هذه الأصول الثَّابتة هو ما يمنحُ الإنسانَ القابليةَ على التَّمسكِ بمبادئهِ وسط دوَّامة الأفكار المتغيِّرة والاتجاهات المتناقضة؛ فالأسسُ الثَّابتةُ في بناءِ العقلِ تعني أن يكونَ لدينا قاعدة علمية صلبة، لا تتأثر بكلِّ فكرةٍ أو عقيدةٍ، وهذه القواعد العلمية ليست مجردَ معلومات سطحيَّة، بل هي مبادئ عميقة ومترابطة ولا يمكن للخطأ أن يدخلَ إليها.

عندما يكون لدى الإنسان قاعدة علمية قويَّة، فإنَّ عقله يصبح محصنًا ضدَّ تأثيرات الأفكارِ المنحرفةِ والخرافية؛ وعلَّة ذلكَ أنَّ هذه القاعدةَ تعمل كدرع يحمي العقلَ من الانزلاق إلى متاهات الأوهامِ والخيالات. والثَّبات على المبادئ لا يعني الجمودَ، بل يعني التَّصدي للأفكار المنحرفة والضَّلالات، دون أن يتأثرَ الفردُ بتقلبات الآراءِ والاتجاهاتِ المتضاربة.

في غياب الأسس الثَّابتة، يصبح العقلُ البشري عرضةً للتَّأثر بالتَّيارات المتغيرة والأفكار غير المنطقية، وبعد ذلك تأتي الأفكارُ المنحرفةُ والخرافيةُ لتجدَ طريقَها بسهولةٍ إلى عقولِ الأفراد الذين يفتقرونَ إلى تلك القاعدة؛ ذلكَ أنَّ عدمَ وجودِ هذه القاعدة يجعل العقلَ هشًا وغيرَ محصن ضدَّ الشُّبهات؛ بسبب ضعف المناعة الفكرية، وهذا يعني أنَّ أيَّ فكرة غيرَ صحيحة يمكن أن تخترقَ العقلَ وتؤثِّرَ عليه، مما قد يؤدِّي إلى التَّغيير في القناعات والمعتقدات بشكل غير مستند إلى أسس علمية راسخة.

إنَّ وجودَ قوَّة علمية في بناءِ العقل لا يقتصر على الحفاظِ على الثَّوابت فقط، بل يشملُ أيضًا تقييم الأفكار والمعتقدات بموضوعية؛ فالشَّخص الذي يمتلكُ قاعدة علمية ثابتة يمكنه تحليلَ الأفكار وتفكيكَها بفعَّالية، وتحديدَ مدى توافقها مع المبادئ والأسس العلمية التي يؤمنُ بها، وهذا التَّقييم الدَّقيق يسمحُ للفرد بالحفاظ على سلامةِ تفكيره وعدم الإنزلاق إلى الأخطاءِ أو الأوهام؛ ولهذا عندما يكونُ لدينا قاعدة علمية أصيلة وثابتة نشعرُ بالثِّقة عندَ اتخاذ القرارات والتَّعامل مع المواقف المختلفة بشكلٍ متوازن، وهذا الشُّعور بالثِّقة والاطمئنان يدعمُ الصِّحة النَّفسية ويقللُ من تأثيرِ الضُّغوط التي قد تواجهُنا.

إنَّ الأفرادَ الذين يستندونَ إلى مبادئ قوية وقواعد علمية متينة يمكنهم أن يكونوا قادة قادرينَ على تقديم إسهامات قيمة للمجتمع، وهؤلاء الأفرادُ يمكنهم مواجهة التَّحديات الاجتماعية والسِّياسية والاقتصادية بكفاءةٍ عاليةٍ بناءً على أسس علمية وأخلاقية راسخة.

إنَّ الاستنادَ إلى أصول قوية في بناء الذَّات أساسٌ قويٌّ لنجاحِ الفردِ في دنياه وآخرته؛ والمُسَلَّمُ عندنا نحن المؤمنون أنَّ تلكَ الأصول هي القواعد المنبثقة من القرآنِ الكريمِ ورواياتِ المعصومينَ عليهم السلام؛ فقد جاءَ في العديد من مصنفات الحديث الشريف؛ ومنها صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنَّه قال: قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُماً بين مكة والمدينة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثمَّ قالَ: «أمَّا بعدُ، ألا أيُّها النَّاس، فإنَّما أنا بشر يوشكُ أن يأتيَ رسولُ ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلينِ، أولَّهما كتاب الله فيه الهدى والنورُ، فخذوا بكتابِ اللهِ واستمسكوا به» فحَثَّ على كتابِ اللهِ ورغَّبَ فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي»(1)، وقال أميرُ المؤمنينَ علي عليه السلام: «أَنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَمَعِي عِتْرَتِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي‏ عَلَى الْحَوْضِ، فَلْيَأْخُذْ أَحَدُكُمْ بِقَوْلِنَا وَلِيَعْمَلْ بِعَمَلِنَا»(2)؛ فالقرآنُ الكريمُ والعترةُ المتمثلة بآل محمد عليهم السلام ثقلان متَّحدان وهما يقدِّمان معًا الدِّين الكاملَ الصَّالح للاعتقادِ والعملِ.

المفتاح الثَّاني: التَّفكيرُ بِسهولة

السِّرُّ العميقُ في العظماء والنَّاجحينَ يكمن في تقديمِ الأفكارِ العظيمةِ بطريقةٍ غيرِ معقدة؛ وهذه القاعدةُ نجدُها واضحةً جليةً في القرآنِ الكريمِ مع أنَّ القرآن أعظم كتاب أنزله اللهُ تبارك وتعالى للبشرية، لكن أغلب ألفاظه واضحة وسهلة، لكنها تحمل الأفكارَ العميقةَ والمثمرةَ في كلِّ حين، ومن يقرأُ القرآنَ لا بدَّ أن يخرجَ بفائدة.

أمَّا نحن، فبعضنا يميل إلى الاعتقادِ أنَّ العظمة تأتي من تعقيدِ العلمِ والأفكارِ، لكن الحقيقة هي أنَّ الأفكارَ البسيطةَ تصل بفعَّالية أكبر إلى الآخرينَ، بينما التَّعقيدُ لا يؤدِّي إلَّا إلى مزيدٍ من التَّعقيد. 

ومن هنا حتَّى في التَّعامل مع الآخرين، فالأفضلُ للإنسانِ أن يكونَ سهلًا في تعاملاته مع أسرتهِ، ومجتمعهِ، ومدرستهِ، ومكان عملهِ ليعيشَ حياةً سعيدةً.

إنَّ سرَّ سعادةِ صاحب الفكرِ غير المعقد أنَّ التَّفكير البسيطَ يساعدُ الأفرادَ على تحديدِ أهدافِهم بوضوحٍ، ويجعلُ من السَّهل وضع استراتيجيات لتحقيقِها؛ وعندما يكونُ التَّفكيرُ مبسطًا، يصبح من الأسهل تحديد الأولويات واتخاذ القرارات التي تؤدِّي إلى تحقيقِ الأهداف.

على سبيل المثال، إذا كان الهدفُ هو رفع مستوى مهارات معيَّنة، فإنَّ وضعَ خطةٍ واضحةٍ ستكون أكثر فعَّالية من محاولة التَّوسع في تفاصيل معقَّدة قد تؤدي إلى التَّشويشِ وعدمِ التَّركيز.

يضافُ إلى ذلكَ أنَّ التَّعقيدَ في التَّفكير يمكن أن يُفضي إلى زيادةِ مستويات التَّوتر والضَّغطِ النَّفسي؛ إذ الأفكار المعقدة قد تُشعرُ الشَّخص بالإرهاقِ ومواجهة المشقة والمعاناة في التَّعامل مع المهام اليومية، أمَّا التَّفكير البسيط فإنَّه يساعدُ في تقليلِ هذهِ المشاعر السَّلبية عن طريقِ تقليلِ عدد المتغيرات التي يجب مراعاتها. 

ولا يقف التَّفكير غير المعقد عندَ هذا الحدِّ، بل يؤثِّر أيضًا على جودةِ التَّواصل والعلاقات مع الآخرينَ؛ فحينما تكون الأفكارُ يسيرة، يصبح من السَّهل التَّعبير عنها بوضوح واستيعابها من قبل الآخرينَ.

إنَّ التَّفكير البسيط مهارة ذات قيمة تشاركُ في تحقيق النَّجاح الشَّخصي والمهني؛ إذ يمكن للأفراد التَّعامل مع تحديات الحياة بشكل أكثر فعَّالية وتقليل التَّوتر ورفع نسبةِ الإبداع، ولكن من المهم أن ننتبهَ إلى حقيقة أنَّ التَّفكير البسيط لا يعني نقصًا في العمق أو التَّحليل، بل هو وسيلة لتحقيقِ الوضوح والتَّركيز في مختلفِ جوانبِ الحياةِ.

رُوِيَ‏ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله لِيُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ، فَانْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى‏: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (3).

فَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا، وَانْصَرَفَ!

فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله: «انْصَرَفَ‏ الرَّجُلُ‏ وَهُوَ فَقِيهٌ» (4).

المفتاح الثَّالث: التَّكامُلُ دَرَجَات

هل سألتَ نفسَكَ يومًا لماذا يفشلُ الكثيرُ من النَّاس في تحقيقِ أهدافِهم بالرَّغم من الجهدِ الذي يبذلونَه؟

الإجابة ببساطة تكمن في النَّهجِ الذي يتبعونَهُ؛ فغالبًا ما نسعى لتحقيقِ أهدافِنا بشكلٍ متسرع، ونريدُ النَّتائج الفورية، ولكن الحقيقةَ هي أنَّ النَّجاحَ الحقيقي يبنى على أساس متين من الخطوات الصَّغيرة والمتسلسلة؛ ولأضرب لك مثالينِ لبيانِ الفكرةِ:

المثال الأوَّل: تخيَّل بناءَ ناطحةَ سحاب، هل يمكنُكَ بناءَ طابق كامل دفعةً واحدةً؟

بالطَّبع لا، بل يتم بناء كلِّ طابق بعناية وبدقَّة.

هكذا أيضًا تحقيق الأهداف، يتطلب منَّا الصَّبر والمثابرةَ والعملَ الدَّؤوبَ خطوة بخطوة؛ فالهدفُ الكبيرُ قد يبدو مُخيفًا ومُحبطًا، لكن عندما نقسِّمه إلى أهداف أصغر وأكثر قابلية للتحقيق، فإننا نخلقُ لأنفسِنا دافعًا قويًا للمضي قُدمًا.

المثال الثَّاني: تخيَّل أنَّك تريدُ خسارةَ 20 كيلو جرامًا من وزنِكَ، قد يبدو هذا الهدفُ صعبًا، ولكن إذا قمتَ بتقسيمهِ إلى أهداف أصغر؛ مثل خسارة كيلو جرام في الشَّهر، فستجد أنَّ الهدف أصبح أكثر واقعية وأسهل تحقيقه.

ومن هنا فمن غير اللائق القفزُ من الدَّرجة الأولى إلى الدَّرجة الرَّابعة أو الخامسة، بل لا بدَّ أن يكونَ التَّكامل درجة بعد درجة، لكن البعضَ يريدُ أن يقفزَ من أوَّل درجة ويصبح غنيًا، وهذا خطأ، والمفروض أن يصعدَ درجة بعد أخرى؛ وعليهِ فالقاعدةُ الأساسيةُ إذا كانت أفكارُك نظاميةً أنتجت نظامًا ونجاحًا، وأمَّا إذا كانت أفكارُك فوضى، فالفوضى لا تنتج إلَّا فوضى مثلها، وحينما نقول: إنَّ التَّفكيرَ يجب أن يكون على شكل درجات سلَّم فنقصد بذلك أن لا نستعجل في تبني الأفكارِ أو في اتخاذ القرارات بل لا بد أن تكون خطوةً خطوةً إلى أن تصلَ إلى هدفِك؛ فتحقيقُ الأهدافِ ليس سباقًا، بل رحلة، وكلُّ خطوة تخطوها تقربُكَ من هدفِكَ النِّهائي؛ فكن صبورًا؛ لأنَّ المستقبلَ رحلة طويلة تتطلبُ الصَّبرَ والعملَ الجادَّ والمثابرةَ.

* لماذا النَّجاح التَّدريجي هو الأفضلُ؟

والجواب على ذلك يمكن بيانه في عدَّةِ أسباب هي:

1. الاستدامة: فالنَّجاح الذي يتم بناؤه خطوة بخطوة يكون أكثر استدامة؛ لأنَّه يعتمدُ على أساس قويٍّ ومتين.

2. التَّعلم المستمر: كلُّ خطوة نخطوها في رحلتِنا نحو النَّجاح تعلمُنا دروسًا جديدة وتساعدنا على التَّطور.

3. الرِّضا عن الذَّات: الشُّعور بالإنجاز بعد كلِّ خطوة ننجزها يزيدُ ثقتَنا بأنفسِنا ويدفعنا إلى المضي قُدمًا.

4. التَّجنب من الإحباط: عندما نركِّز على تحقيقِ أهداف صغيرة قابلة للتحقيق، فإننا نكونُ أقلَّ عرضة للإحباط.

* كيف يمكن بناء النَّجاح خطوة بخطوة؟

ويكون ذلك وفق عدَّة خطوات هي كالتَّالي:

1. وضع أهداف واضحة وقابلة للقياس: حدد أهدافَك بدقَّة ورتبْها حسبَ الأولوية.

2. تجزئةُ الأهداف الكبيرة إلى أهداف صغيرة: قسِّم كلَّ هدف كبير إلى أهداف أصغر.

3. وضع خطَّة عمل: حدد الخطوات التي ستتخذها لتحقيقِ كلِّ هدف.

4. المتابعة والتَّقييم: قم بتقييم تقدمِك بانتظام، وتعديلِ خطَّتك إذا لَزِمَ الأمر.

5. الاحتفال بالإنجازات الصَّغيرة: كافئ نفسَك على كلِّ خطوة تنجزُها.

6. التَّعلم من الأخطاء: لا تخف من الفشلِ، بل استفدْ من أخطائك كفرص للتَّعلم والتَّطور.

7. البحثُ عن الدَّعم: اطلبْ المساعدةَ من أصدقائكَ وعائلتكَ وزملائكَ إذا كنت محتاجًا لهذا الأمر.

* أمثلة على النَّجاح التَّدريجي:

1. تعلم لغة جديدة: ابدأ بتعلم كلمات أساسية، ثمَّ انتقل إلى الجمل، وهكذا.

2. إنقاص الوزن: حدد هدفًا واقعيًا لإنقاص الوزن، وابتدئ بتغييرِ عاداتِكَ الغذائية تدريجيًا، ثمَّ ابدأ بممارسةِ الرِّياضة بانتظام.

3. تأسيس مشروع تجاري: ابدأ بفكرة بسيطة، ثمَّ قم بإعداد خطَّة عمل مفصلة، وابحث عن التَّمويل اللازم، وهكذا.

4. التَّطوير الشَّخصي: شخص يقرر رفع مستوى لياقته البدنية؛ فيبدأ بممارسة الرِّياضة لفترة قصيرة كل يوم، ثمَّ يزيدُ من مدَّة وشِدَّة التَّمارين تدريجيًا.

5. الكتابة: كاتب يبدأ بكتابة مدونات صغيرة أو مقالات قصيرة، ثمَّ يطوّر مهاراته تدريجيًا ليؤلفَ كتابًا أو مجموعةَ من المؤلفات.

* نصائح:

1. كن صبورًا: فالنَّجاحُ لا يأتي بين ليلةٍ وضحاها.

2. كن متفائلًا: فالإيجابية لا تعزز من الرُّوح المعنوية فحسب، بل تفتحُ الأبوابَ أمامَ الفرصِ وتساعدُ في التَّغلب على التَّحديات؛ إذ التَّفاؤل يجعلنا نرى الجوانب المشرقة في الحياة، مما يقوينا على التَّكيف مع الضُّغوط والشَّدائد.

3. لا تقارن نفسَكَ بالآخرينَ؛ لأنَّ المقارنةَ يمكن أن تنتهي إلى الشُّعورِ بالإحباطِ وفقدانِ الثِّقةِ بالنَّفس، حيث نرى فقط إنجازات الآخرينَ دونَ النَّظر إلى التَّحديات التي واجهوها. 

4. استمتع بالرِّحلة: الحياةُ قصيرة، لذا يجب أن نستمتعَ بكلِّ لحظةٍ فيها وبالتَّجارب والتَّعلم من كلِّ ما نمر به، لنعيشَ حياة مليئة بالسَّعادة بدلًا من الانغماسِ في القلقِ والتَّوترِ.

* تنبيه:

 لا تقتصر قاعدةُ (التكامل درجات) على القضايا المادية وإنَّما تشملُ القضايا المعنوية والتي هي في الواقع أهم؛ لأنَّها تحددُ مصيرَ الإنسان في الدُّنيا والآخرة؛ كما ورد في أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، كالذي رواه عبدالعزيز القراطيسي قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: «يَا عَبْدَ اَلْعَزِيزِ إِنَّ اَلْإِيمَانَ عَشْرُ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلَةِ اَلسُّلَّمِ يُصْعَدُ مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاةٍ فَلاَ يَقُولَنَّ صَاحِبُ اَلاِثْنَيْنِ لِصَاحِبِ اَلْوَاحِدِ: لَسْتَ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى اَلْعَاشِرِ، فَلاَ تُسْقِطْ مَنْ هُوَ دُونَكَ فَيُسْقِطَكَ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ، وَإِذَا رَأَيْتَ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ بِدَرَجَةٍ فَارْفَعْهُ إِلَيْكَ بِرِفْقٍ وَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَيْهِ مَا لاَ يُطِيقُ فَتَكْسِرَهُ فَإِنَّ مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ»(5).

وبهذا نكون قد استعرضنا في هذه الحلقة بعض أساسيات التفكير والإبداع التي تعد حجر الزاوية لبناء عقلية متجددة وقادرة على التأثير في الحياة بشكل إيجابي، وسنكمل- إن شاء الله سبحانه- في المقالات القادمة استعراض مزيد من الأسس والمفاتيح التي تساهم في تعزيز التفكير والإبداع.

 إنَّ تحرير العقل من القيود الفكرية والسعي وراء الأفكار العميقة التي تتسم بالبساطة والوضوح يشكِّل خطوة أساسية نحو النجاح الشخصي والمهني؛ لكننا لم نتناول بعد جميع جوانب هذا الموضوع العميق، فتابعونا لاكتشاف المزيد من الأسرار التي تساعد في تنمية العقول، وتوجيهها نحو آفاق أوسع من النجاح.

...........................................

الهوامش: 

1. صحيح مسلم: ج4، ص1873.

2. عيون الحكم والمواعظ: ص165.

3. سورة الزلزلة/ الآيتان: 7 - 8.

4. بحار الأنوار: ج89، ص107.

5. الكافي: ج2، ص45.

اضف تعليق