لم تكن انطلاقة الكفاح المسلح للشعب الكردي في تركيا والتي قادها اوجلان وجميع اطروحاته ترفا فكريا او مواقف راديكالية فارغة المسوغات بل كانت استجابة للواقع المرير الذي يعيشه كرد تركيا ونكران الوجود الذي يعانونه فضلا عن حرمانهم من حقوقهم القومية بل حتى الثقافية...
لم تكن انطلاقة الكفاح المسلح للشعب الكردي في تركيا والتي قادها اوجلان وجميع اطروحاته ترفا فكريا او مواقف راديكالية فارغة المسوغات بل كانت استجابة للواقع المرير الذي يعيشه كرد تركيا ونكران الوجود الذي يعانونه فضلا عن حرمانهم من حقوقهم القومية بل حتى الثقافية .
الافاق المغلقة امامهم وانعدام الحلول والنكران الذي تعرضوا له، كان لابد من موقف قومي للمطالبة بالحقوق ولم تكن الدعوات السلمية مسموعة لدى الحاكمين في تركيا وحكوماتها عبر التاريخ (وإنكار الواقع الكردي، والقيود المفروضة على الحريات، وعلى رأسها حرية التعبير).
فكان اللجوء للعنف وممارسة الكفاح المسلح هو ملاذ الشعوب المظلومة والمحرومة من حقوقها. وهكذا تأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978، والذي تعده أنقرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي إرهابيا، وأطلق تمردا مسلحا ضد أنقرة عام 1984. وخلف هذا الصراع أكثر من 40 ألف قتيل خلال أربعة عقود.
وخاض الكرد نضالا مريرا من اجل حقوقهم القومية بقيادة عبد الله اوجلان ولكن في عام 1999، ألقت الاستخبارات التركية القبض على القائد أوجلان في كينيا. وأدين بتهمة الخيانة والتحريض على الإرهاب، وحكم عليه بالسجن المؤبد داخل سجن "إمرالي" ببحر مرمرة. وقد وجّه القائد الكوردي عبد الله أوجلان في 27 شباط الماضي نداءً تاريخياً، دعا فيه إلى السلام، وأعلن بعده حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار وتأييده لعملية السلام.
فكانت دعوته مبادرته للسلام في تركيا معقودة الامال على (إن احترام الهوية، وحرية التعبير، والتنظيم الديمقراطي، وبناء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل فئة وفقًا لأسسها الخاصة، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي ومساحة سياسية ديمقراطية).
ولم تكن دعوة أوجلان الأولى من نوعها لأعضاء حزبه، ففي عام 2000، طلب أوجلان من "العمال الكردستاني" حل نفسه. ورغم أن الحزب استجاب لرسالة مؤسسه حينها، فإنه أعاد تشكيل نفسه بعد خمس سنوات بسبب "عدم استجابة الدولة التركية"، وكذلك دعى اوجلان في العام 2013 "العمال الكردستاني" وقف الكفاح المسلح لكن ذلك لم يوضع على سكة التنفيذ الفعلي اذ لم تكن الحكومة التركية تمتلك نوايا طيبة تجاه هذه الدعوة في ظل التمسك بالنكران للوجود الكردي وتجاهل حقوق الكرد.
الدعوة الاخير التي وجهها أوجلان تضمنت على مضامين لم يسبق وأن كانت مدرجة في الدعوات السابقة، التي وجهها لمرتيين سابقتين اذا جاء في هذه الدعوة (الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة - مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي الإداري، أو الحلول الثقافية - فهي لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع) وهذه النظرة والموقف تعولان على النضال الديمقراطي السلمي بعيدا عن المواقف الراديكالية التي كانت تكاليفها باهظة.
ينظر بعض الباحثين الى ان دعوة أوجلان تخدم مصلحة الدولة التركية وهي ضد المصلحة الكردية، بسبب غياب الضمانات فلا إردوغان أعطى ضمانات ولا البرلمان ولا الحكومة. لم تعلن عن وجود ضمانات أي جهة سيادية في تركيا.
ولكن هناك مؤتمر للحزب قبل حله سيقرر هذا كما ترى قيادة الحزب التي تتجه الانظار الفعلية إلى المطالبة بضمانات حقيقية من الدولة التركية من إصلاحات وقوانين، وإعادة النظر بالدستور، وإطلاق عفو عام، وإطلاق سراح المعتقلين.
وقال حزب العمال الكردستاني أنه قرر الامتثال لدعوة زعيمه عبد الله أوجلان، بالتخلي عن السلاح، وإعلان وقف فوري لإطلاق النار. وأكد حزب العمال الكردستاني إنه يأمل في أن تطلق أنقرة سراح أوجلان المحتجز في عزلة تامة تقريبا منذ 1999 كي يتسنى له قيادة عملية نزع السلاح. املا أن هناك حاجة لوضع شروط سياسية وديمقراطية لإنجاح العملية.
اذ يجب أن يكون السلام للشعبين الكردي والتركي وليس للأتراك فحسب. فلا يمكن أن تذهب نضالات الأمة الكردية أدراج الرياح وهي التي قدمت عشرات الالاف من الشهداء على طريق الحرية والكرامة والحقوق القومية والثقافية والسياسية .
انصار الحرية والمدافعين عن حقوق الشعوب من اجل حقوقها القومية يتابعن نضال الكرد بمنتهى الإعجاب والاحترام والثناء والدعم المعنوي، لهذا يرون أن هذه الملحمة النضالية التي سطرها الكرد ومبادرة قائدهم التاريخي لابدّ أن تقابلها الحكومة التركية بما يطمئن الكرد ويجعلهم يتعاملون بإيجابية معها؛ ولعل الحقوق القومية تقع في المقام الأول .
وبحسب مبادرة عبد الله اوجلان فان (لن يتمكن القرن الثاني للجمهورية من تحقيق الاستمرارية الدائمة والأخوية إلا إذا تُوّج بالديمقراطية. فلا يوجد طريق آخر غير الديمقراطية في البحث عن أنظمة جديدة وتحقيقها، ولن يمكن. فالطريقة الأساسية هي التوافق الديمقراطي). نتمنى ان تكون دعوة اوجلان خارطة طريق لجميع القوى الراديكالية للتمسك بالسلام وتنكب النضال السلمي من اجل حقوقها وتحقيق أهدافها.
ان المبادرة التي أطلقها القائد عبد الله أوجلان ستنعكس آثارها على المنطقة بكاملها في إشاعة السلام والتنمية، هذا إذا تعاملت معها تركيا وحكومتها بروح إيجابية، اذ يؤكد المتابعون أن اوجلان لا يسعى الى تقسيم تركيا بل يدعو الى ترتيبات دستورية تضمن التعايش بين الأكراد والأتراك على قدم المساواة ليشعر الجميع بالانتماء للدولة".
اضف تعليق