صحيحٌ أَنَّ هذهِ القرارات تضرُّ بالبلادِ آنيّاً إِلَّا أَنَّها تنفعها إِستراتيجيّاً إذ ستُحفِّز ومن ثمَّ ستدفع العراقيِّينَ لتحسينِ إِدارةِ ثرواتهِم الطبيعيَّة وتحديثِ طُرُقِ توظيفِها في تحقيقِ الصَّالحِ العامِّ من خلالِ النَّجاحِ في تسخيرِها للخدماتِ الحياتيَّةِ اليَوميَّةِ وعلى رأسِها الطَّاقة الكهربائيَّة. فالعراق لا يعمَل على خلقِ وانتزاعِ فُرصِ...
١/ هذهِ القرارات [إِلغاء إِستثناء شِراء الغاز] لم تكُن مُفاجِئة للمُراقبين فلقَد كانت مُتوقَّعة ضِمنَ سياقِ السِّياساتِ الجديدةِ لإِدارةِ الرَّئيس ترامب التي تعتمِد في تعامُلها معَ العراق على مبدأ فكِّ الإِرتباط مع جارتهِ الشرقيَّة إِيران وعلى مُختلفِ المُستوياتِ للحَيلولةِ دونَ أَن يكونَ ورقةً تفاوضيَّةً بيدِها في أَيَّةِ مُفاوضاتٍ مُحتمَلةٍ بين واشنطُن وطهران.
٢/ وبرأيي فإِنَّ مثلَ هذهِ القرارات ستصبُّ في نهايةِ المطافِ في صالحِ العراق من أَجلِ أَن يعتمدَ على نفسهِ كدَولةٍ تُنتجُ النَّفطَ والغاز وغنيَّةٍ بكُلِّ شيءٍ، فماذا يعني أَن يدفع العراق [٦] مليار دولار سنويّاً إِلى طهران لإِستيراد الغاز لمحطَّاتِ الطَّاقة الكهربائيَّة ويخسر [١٢] مليار دولار بسببِ حرقِ الغازِ المُصاحِب، أَي خسارة ما مجموعهُ [١٨] مليار دولار سنويّاً ومعَ ذلك فإِنَّ البلادَ تُعاني من نقصٍ هائلٍ في الطَّاقةِ الكهربائيَّةِ، وأَنَّها تحتَ رحمة الجارة الشرقيَّة إِذا ما صدَّرت أَو توقَّفت عن ذلكَ؟!.
صحيحٌ أَنَّ هذهِ القرارات تضرُّ بالبلادِ آنيّاً إِلَّا أَنَّها تنفعها إِستراتيجيّاً إذ ستُحفِّز ومن ثمَّ ستدفع العراقيِّينَ لتحسينِ إِدارةِ ثرواتهِم الطبيعيَّة وتحديثِ طُرُقِ توظيفِها في تحقيقِ الصَّالحِ العامِّ من خلالِ النَّجاحِ في تسخيرِها للخدماتِ الحياتيَّةِ اليَوميَّةِ وعلى رأسِها الطَّاقة الكهربائيَّة.
يبدو أَنَّ العراق لا يعمَل على خلقِ وانتزاعِ فُرصِ التقدُّمِ والتطوُّرِ والتَّنميةِ ولا يفكِّر في توظيفِ خَيراتهِ من أَجلِ حياةٍ كريمةٍ ينعمُ بها المُواطن بالسَّعادةِ إِلَّا إِذا اضطرَّ إِلى ذلكَ، فالإِسترسالُ مع حالةِ التَّراخي من خلالِ ترحيلِ الأَزماتِ وتأجيلِ مشاريعِ الإِعتمادِ على الذَّاتِ والتي تُساهم في الفشلِ المُستدام الذي يُعاني منهُ العراق، هي الحالةُ الطبيعيَّة في ذهنيَّةِ المسؤُول وإِستراتيجيَّاتهِ.
كما أَنَّ مثلَ هذهِ القرارات تُساعدُ العراق على الإِلتزام بسياسةِ النَّأي بالبلادِ عن أَزمات وصِراعات المنطقة والتي طالما شرحَها لنا رئيس مجلس الوُزراء ووزير الخارجيَّة، فإِلى متى يظَل العراق المُتضرِّر الأَكبر من كُلِّ تصعيدٍ بين واشنطن وطهران خاصَّةً في ملفِّ العقُوبات؟! إِنَّ من مصلحتهِ أَن يفُكَّ ارتباطهِ بالجارةِ الشرقيَّةِ بملفٍّ مُعقَّدٍ يتعلَّق بالعقُوباتِ لحينِ أَن تجدَ طهران حلُولاً معقُولةً مع المُجتمعِ الدَّولي والوِلايات المُتَّحدة على وجهِ التَّحديد.
٣/ كذلكَ فإِنَّ مثلَ هذهِ القرارات ستفضَح حجمَ الفَسادِ والفَشلِ المُتورِّطةُ بهِ الحكومة وبقيَّة مُؤَسَّسات الدَّولة.
فكم مرَّة أَعلن السُّوداني مثلاً عن مشاريعِ الإِستفادة من الغاز المُصاحِب المحرُوق في إِنتاجِ الطَّاقة الكهربائيَّة؟! وكم مرَّة أَعلنت الحكُومات المُتعاقبة منذ ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن عن توقيعِها عقُودٍ مع الشَّركاتِ العالميَّة لإِنتاج الطَّاقة الكهربائيَّة [جنرال إِليكتريك الأَميركيَّة وسيمنس الأَلمانيَّة فقط بأَكثر من (١٠٠) مِليار دولار] فضلاً عن مشاريع الطَّاقة النَّظيفة [الشَّمسيَّة] والرَّبط الكهربائي مع دُول الجِوار، فما هي النَّتيجة؟! مازالت الطَّاقة الكهربائيَّة رديئة وفي أَسوأ حالاتِها ومن دونِ أَيِّ تحسُّنٍ، ما يعني أَنَّ ما تقولهُ الحكومة بهذا الصَّدد لا يعدُو كَونهُ مجرَّد أَكاذيب لتخديرِ الرَّأي العام الذي يتضوَّر من آلام إِنعدام الطَّاقة الكهربائيَّة.
٤/ قراراتُ البيت الأَبيض بشأنِ إِلغاء الإِستثناء جرسُ إِنذارٍ وناقوسِ خطَرٍ أَتمنَّى أَن يسمعهُ المسؤُولونَ في بغداد بشَكلٍ جيِّدٍ جدّاً فيوقظهُم فإِنَّ أَمامهُم الكثير من مثلِ هذا القرار مِنها ما يتعلَّق بالعُملةِ والبترُول وأَشياءَ أُخرى كثيرة.
ينبغي عليهِم الإِسراع في اتِّخاذِ قراراتٍ ثَوريَّةٍ عاجلةٍ تمكِّنهُم من الإِنسجام مع السِّياسات الجديدة للإِدارة الأَميركيَّة، كما تفعَل كُل دُول العالَم، خاصَّةً وأَنَّ الزُّعماء والسَّاسة في بغداد يعرفُونَ جيِّداً بأَنَّ العراق مازالَ تحتَ الوِصاية الأَميركيَّة، إِذ مازالت واشنطُن تعتبرهُ مصدرَ خطرٍ يُهدِّد الأَمن القَومي الأَميركي حسبَ قانون حالة الطَّوارئ الذي يتمُّ تمديدهُ سنويّاً من قِبل الرَّئيس الأَميركي منذ ٢٠٠٣.
اضف تعليق