يتسم الوقت بأنه أغلى ما يملك الإنسان من طاقات، وبأنه مورد محدود ولا يمكن تعويضه، فهو يمضي سريعا، ويمكن زيادة قيمته بحسن إدارته واستثماره، ومن ذلك تنبثق أهمية إدارة الوقت لتنفيذ المهمات الضرورية والتخطيط للمستقبل وتحديد الأولويات في العمل، والإفادة من الوقت المهدور باستثماره أحسن استثمار مما يضيف...
بقلم: أ.د. أمجد حميد الفاضل
مشكلة الوقت وإدارته وأهم المصطلحات
إن عنصر الوقت من أهم العناصر المؤثرة في قيمة العمل الحقيقية ممثلة بالإنجاز المتقن، ولكن المشكلة الكبيرة التي يعاني منها العالم اليوم ولاسيما الدول الإسلامية منه وأكثرها ينتمي إلى الدول النامية، هي الهدر في الوقت وعدم احترامه بالطريقة التي تتيح استثماره وإدارته لتحقيق المنجزات الضرورية للحياة على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات.
إن هدر الوقت بات مقلقا جدا عند التفكير في مستقبل الأمة الإسلامية، أو حتى مستقبل الشعوب الإسلامية كل منها منفردا، مادامت الفروض الحضارية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والخدمية مازالت عالقة في صفحة الأمنيات، ولم تصدر خطوات جدية نحو الإنجاز الفاعل المتقن بالشكل الذي يبعث على الاطمئنان، ولذلك يرصد هذا البحث مشكلة هدر الوقت والاستخفاف بقيمته ليحاول معالجتها بمفهوم إدارة الوقت وتقنياته التي يمكن رصدها في السيرة العطرة لسيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وآله، عسى أن نهتدي والبشرية بهداه فنحظى برضاه صلوات الله عليه وآله.
أهمية الالتزام بالوقت
يتسم الوقت بأنه أغلى ما يملك الإنسان من طاقات، وبأنه مورد محدود ولا يمكن تعويضه، فهو يمضي سريعا، ويمكن زيادة قيمته بحسن إدارته واستثماره، ومن ذلك تنبثق أهمية إدارة الوقت لتنفيذ المهمات الضرورية والتخطيط للمستقبل وتحديد الأولويات في العمل، والإفادة من الوقت المهدور باستثماره أحسن استثمار مما يضيف إلى حياة الإنسان ساعات أطول يشعر بها حين يحصي انجازاته نسبة إلى الزمن المنصرم.
لقد مثلت عملية إدارة الوقت وتقنياته طفرة كبيرة في ارتفاع سلم الانتاج في العمل لدى الدول المتقدمة في مجال التنمية البشرية للقدرات والمهارات، وأصبح بالإمكان إنجاز اكثر من مهمة في وقت قياسي وبجودة ودقة عاليين.
الجودة الشاملة:
عرفها ديان بوك وريك جريجز بأنها: "معيار أو هدف، أو مجموعة متطلبات، وهي هدف يمكن قياسه لا إحساس مبهم بالصلاحية، وهي جهد من أجل التطوير وليست درجة معينة محددة للامتياز" (عطية، 2008: 20)، وعرفها باديرو بأنها "مجموعة الإجراءات التي توفر قدرة المنتج أو الخدمة على إشباع حاجات معينة محددة بذاتها، وهذا يعني أن الجودة هي أداء العمل على وفق معايير صحيحة من أول مرة من دون أخطاء، أو أنها المتانة والأداء المهني للمنتج "(حسين، 2004: 34). وعرفها سليم بأنها "تحسين الأداء وتطويره بصفة مستمرة "(سليم،2009: 73).
إدارة الجودة الشاملة:
بدأ مفهوم إدارة الجودة الشاملة بالظهور في الثمانينيات من القرن العشرين، إذ يتضمن هذا المفهوم جودة العمليات فضلا عن جودة المنتج، ويركز على العمل الجماعي، وتشجيع مشاركة العاملين واندماجهم، فضلا عن التركيز على العملاء ومشاركة الموردين (جودة، 2009: 27). وقد عرف معهد المقاييس البريطاني إدارة الجودة الشاملة بأنها فلسفة إدارية تشمل نشاطات المنظمة كافة التي بها يتم تحقيق توقعات المجتمع واحتياجاته، وتحقيق أهداف المنظمة بأكفأ الطرق وأقلها تكلفة بالاستعمال الأمثل لطاقات العاملين جميعا بدافع مستمر للتطوير.(جودة،2009: 22). وعرفت أيضا بأنها أسلوب جديد للتفكير فيما يتعلق بإدارة المنظمات (العزاوي،2010: 29). وتعرفها المنظمة الدولية للتقييس (الآيزو 2000) بأنها الأنشطة التنسيقية لتوجيه الجودة، وأهداف الجودة، وتخطيط الجودة، ورقابة الجودة، وضمان الجودة، وتحسين الجودة. (القيسي، 2011: 30).
التخطيط:
هو "وضع خطة الشيء ورسم منهجه، وقيل هو وضع خطة تنفذ في أجل محدد" (المعجم العربي الأساسي، 1989: 406)، وعرفه شحادة بأنه عملية تحديد الأهداف وإيجاد الطرق الموصلة إليها، والخطة هي النتاج النظري لعملية التخطيط، والتخطيط أهم ما تتناوله إدارة الوقت، وهو يعنى بمعرفة ما نريده ثم وضع الكيفية العملية التي توصلك إليه. (شحادة، 2005: 293).
الوقت:
الوقت ليس الزمن، فالزمن أعم من الوقت (شحادة، 2005: 32). وقد ذكر ابن منظور الوقت بقوله: "الوقت مقدار من الزمن معلوم، قال ابن سيدة: الوقت المقدار من الدهر معروف" (ابن منظور، 1956: 13: 107). وقيل "الوقت مقدار من الدهر" (الفيروزآبادي، 1952: 10: 166). وكل شيء قدّرت له حينا فهو مؤقت، وجاء في القرآن الكريم: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (النساء: 103)، أي مؤقتا مقدّرا، وقيل: أي كتبت عليهم في أوقات مؤقتة، قال ابن الأثير: التوقيت والتأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به، وهو بيان مقدار المدة، وأورد ابن منظور في اللسان: "كل شيء قدّرت له حينا فهو مؤقت" (ابن منظور، مرجع سابق).
أما من الناحية الاصطلاحية الإجرائية فالوقت هو "سلسة متصلة من أحداث يتبع أحدها الآخر في الماضي مرورا بالحاضر إلى المستقبل"، (شحادة،2005: 110). وبذلك لا يكون الوقت شيئا مستقلا بنفسه، بل هو مدة ما بين حركتين أو أكثر، ومن دون حركة لا معنى ولا مفهوم للوقت، فهو مرتبط بالحركة وما بعدها، لذا هو مرتبط بالحياة.
إدارة الوقت:
بما أن الوقت ليس شيئا محددا مستقلا بذاته، فمن غير الممكن إدارته، بل الصحيح أن نطلق إدارة الوقت على عملية إدارة الحركات/الأحداث التي تجري فيه، فتكون المحصلة سيطرة على عدد الإنجازات ونوعها وجودتها التي نقوم بها في زمن محدد، فإدارة الوقت إذن المقصود منها "كيفية صرف الوقت بفعالية عالية للوصول لإنجازات مميزة وهو إدارة الأعمال والنشاطات خلال الوقت"،(شحادة، 2005: 111).
مضيّعات الوقت:
هي الأعمال التي تشغل الزمن المتاح ولا تقدم للإنسان أية فائدة تذكر، وعادة ما تكون غير مخطط لها، وغير منتجة، وتذكر إحدى الدراسات التطبيقية أن الأسباب الخمسة الأولى التي تتسبب في ضياع الوقت في واقعنا الإسلامي المعاصر هي بالدرجة الأولى متابعة شبكات التلفزة والانترنت من دون مقصد، ثم ضعف التخطيط للوقت، ثم غياب التنظيم عن مجمل تفاصيل الحياة، ثم تدخلات الآخرين ومقاطعاتهم للأعمال قيد الانجاز، ثم تأجيل عمل اليوم إلى الغد، (شحادة، 2005: 510).
اضف تعليق