هذا الفشل ليس وليد الصدفة، بل نتيجة لبيئة سياسية "ترفض التغيير"؛ حيث واجه النواب المستقلون ضغوطاً منهجية، وتهميشاً داخل البرلمان، ومنافسة غير متكافئة أمام أحزاب السلطة التي استغلت موارد الدولة والنفوذ لترسيخ هيمنتها. وأخطاء قوى الإصلاح نفسها، مثل التشتت وفقدان ثقة الشارع، وضرورة توحيد الصفوف والضغط لتفعيل قانون الأحزاب...

تبددت الآمال بأن إصلاح النظام السياسي في العراق سيكون ممكناً من الداخل بسبب الأداء الانتخابي الضعيف للمرشحين المرتبطين بحركة تشرين الاحتجاجية.

يقدم هذا المقال الذي نشره (معهد تشاتام هاوس) قراءة تحليلية لنتائج انتخابات العراق لعام 2025، مسلطاً الضوء على التراجع الكبير والإخفاق الذي مُنيت به التيارات والقوى المنبثقة عن حراك تشرين مقارنة بنتائج عام 2021. يجادل الكاتب (حيدر الشاكري، وهو زميل باحث، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) بأن هذا الفشل ليس وليد الصدفة، بل نتيجة لبيئة سياسية "ترفض التغيير"؛ حيث واجه النواب المستقلون ضغوطاً منهجية، وتهميشاً داخل البرلمان، ومنافسة غير متكافئة أمام أحزاب السلطة التي استغلت موارد الدولة والنفوذ لترسيخ هيمنتها. كما يتطرق المقال إلى أخطاء قوى الإصلاح نفسها، مثل التشتت وفقدان ثقة الشارع، ويختتم بتقديم رؤية مستقبلية تؤكد على ضرورة توحيد الصفوف والضغط لتفعيل قانون الأحزاب لضمان عدالة المنافسة مستقبلاً.

وفيما يلي ترجمة المقال:

في انتخابات العراق التي جرت في 11 تشرين الثاني (نوفمبر)، فشلت الأحزاب والشخصيات المرتبطة بحركة تشرين الاحتجاجية في الفوز بمقاعد في البرلمان. كانت حركة تشرين قد ظهرت في عام 2019 مطالبة بإصلاح النظام السياسي في العراق. وقد دخل عشرات النواب المدنيين وذوي التوجهات الإصلاحية البرلمان بعد انتخابات 2021، مما أثار الآمال في قدرتهم على الضغط من أجل الإصلاح من داخل النظام السياسي.

لقد تبددت هذه الآمال بنتائج انتخابات 2025. حيث أدت الساحة السياسية غير المتكافئة والضغوط المستمرة على النواب غير المنتمين للمؤسسة التقليدية إلى دفع الجهات الفاعلة المتحالفة مع تشرين للعودة إلى هوامش العمل السياسي الرسمي.

البرلمان ينقلب على الوافدين الجدد

بعد انتخابات 2021، واجه العديد من النواب الجدد غير التابعين للمؤسسة مزيجاً من الضغوط والإغراءات والعقبات الإجرائية التي جعلت عملهم صعباً. بل تم استهداف بعضهم بشكل مباشر. إذ تم إخراج نواب من حزب "امتداد" –وهو نتاج لحراك تشرين– جسدياً من جلسة برلمانية في عام 2023 بعد رفضهم التصويت على تعديلات قانون الانتخابات، بينما تعرض مكتب النائب المستقل سجاد سالم للهجوم بعد انتقاده للجماعات المسلحة. كما تم استبعاد سالم مرتين في الفترة التي سبقت انتخابات 2025 واضطر لتقديم طعون قانونية متكررة للعودة إلى السباق. ترسل مثل هذه الحوادث رسالة واضحة حول ضعف النواب غير المنحازين داخل النظام السياسي العراقي.

علاوة على ذلك، تم تهميش النواب الذين رفضوا الانضمام إلى الكتل الكبيرة من اللجان المؤثرة، بينما سعت الأحزاب الراسخة لشرائهم بوعود بمناصب أو حماية أو الوصول إلى الموارد. انضم عدد من النواب الذين خاضوا الحملات كمستقلين أو أصوات احتجاجية في نهاية المطاف إلى أحزاب السلطة. وفي حديثه في فعالية لـ "تشاتام هاوس"، قال النائب السابق محمد عنوز إن النظام السياسي في العراق مقاوم للغاية للإصلاح لأن النخب السياسية تواصل السيطرة على كل من العملية السياسية والهياكل البرلمانية، وتستبعد أولئك الذين ليسوا جزءاً من النظام.

الانهيار الانتخابي

بحلول الوقت الذي بدأت فيه حملة 2025، كانت هذه الضغوط الهيكلية قد أخذت مأخذها. اختار علاء الركابي، الرئيس السابق لحركة امتداد، عدم الترشح مرة أخرى واعتذر علناً لأولئك الذين دعموه في عام 2021. لم تتنافس حركة امتداد في هذه الانتخابات وتم استيعاب نوابها في كتل أخرى – مع نتائج مخيبة للآمال كما كان متوقعاً. في عام 2021، حصل مرشحو امتداد على حوالي 236,000 صوت على مستوى البلاد وحصلوا على 16 مقعداً في البرلمان. ترشح 11 من هؤلاء النواب مرة أخرى في عام 2025 وحصلوا مجتمعين على ما يزيد قليلاً عن 20,000 صوت. تشير النتائج الأولية إلى أن واحداً منهم فقط سيعود إلى البرلمان – وإن كان هذه المرة يمثل حزباً مختلفاً.

أما المرشحون الذين حاولوا النأي بأنفسهم عن الكتل الكبرى فقد ظلوا مشتتين، يفتقرون للموارد، وكافحوا لإقناع الناخبين بأن ولاية أخرى ستكون مختلفة. وبدلاً من الترشح ضمن منصة واحدة، انقسموا عبر ثلاثة تحالفات مختلفة –شارك سالم في قيادة أحدها– وانعكس صراعهم في النتائج. سالم نفسه تراجع من أكثر من 10,000 صوت في عام 2021 إلى حوالي 3,000 صوت وفقد مقعده.

ساحة منافسة غير متكافئة

تفاقمت الصعوبات التي واجهها النواب من خارج المؤسسة بسبب بيئة انتخابية تحابي بشكل ساحق الأحزاب المتجذرة بالفعل في الدولة. فبين عامي 2022 و2025، استخدمت أحزاب السلطة موارد الدولة لتعزيز مواقعها والحد من المساحة المتاحة للجهات الفاعلة المدنية. وسمحت لها السيطرة على الوزارات ومجالس المحافظات بتوزيع الوظائف والعقود والمشاريع المحلية على الشبكات الموالية لها.

ظل قانون الأحزاب السياسية لعام 2015، الذي يحظر على الأحزاب امتلاك أجنحة مسلحة ويشترط الشفافية في تمويل الأحزاب، غير مفعل إلى حد كبير. وبدون إنفاذ جاد لبنوده الأساسية، تواجه الأحزاب التي تجمع بين الوصول إلى ميزانيات الدولة والجماعات المسلحة عواقب قليلة، في حين تبدأ المجموعات التي لا تعتمد على الإكراه أو الأموال العامة كل سباق انتخابي بحرمان هيكلي.

ما وراء صندوق الاقتراع

حقيقة أن الأحزاب المرتبطة بتشرين قد اختفت تقريباً من البرلمان لا تعني أن العراقيين قد قبلوا بالنظام السياسي. ففي العديد من المدن ذات الأغلبية الشيعية حيث جرت احتجاجات 2019، كانت نسبة إقبال الناخبين من بين الأدنى في البلاد. يشير هذا النمط إلى أن العديد من المتظاهرين السابقين اختاروا الابتعاد عن عملية انتخابية لم يعودوا يرونها وسيلة للتغيير.

هناك عزوف واضح للناخبين في العديد من هذه المناطق – لكن هذا لا يساوي العزوف السياسي. لا يزال العراقيون منخرطين بشكل كبير ولكنهم يختارون توجيه هذا الانخراط حيث يشعرون أن بإمكانهم إحداث تأثير. حملات مثل "حماة دجلة" تحشد الرأي العام حول مستقبل النهر والعمل المناخي الأوسع، وتعمل مع الخبراء لدفع هذه القضايا إلى الأمام. وبالمثل، تلجأ بعض المجتمعات إلى رجال الدين المحليين لقيادة الاحتجاجات والمفاوضات، بينما يركز آخرون على تحسين محيطهم المباشر والبقاء على قيد الحياة داخل أنظمة قائمة على المحسوبية.

ما الخطوة التالية لمن لا يزالون يريدون الإصلاح؟

أظهرت انتخابات 2025 أن زخم الاحتجاج والظهور الإعلامي ليسا كافيين في نظام يقاوم التغيير بفاعلية. ما هي الخطوات التالية للمرشحين من خارج المؤسسة والجهات الفاعلة في المجتمع المدني الذين لا يزالون يريدون التأثير على مستقبل العراق؟

أولاً، يحتاجون إلى إعادة بناء الثقة مع قاعدتهم الجماهيرية، وخاصة مع الأغلبية الصامتة التي لم تصوت. وهذا يعني تواصلاً أكثر وضوحاً يعترف بانعدام الثقة في النظام ويضع توقعات واقعية حول ما يمكن تحقيقه، مثل الدفع البطيء والمستدام للتغيير بدلاً من الإصلاح الشامل للنظام.

ثانياً، الوحدة أمر بالغ الأهمية. إن المنصات المشتركة على مستوى المحافظات، وجدول أعمال سياسي مشترك، والاتفاقات على التعاون بدلاً من التنافس في نفس الدوائر الانتخابية، من شأنها أن تساعد في تجنب الخسائر الذاتية وإظهار أن المرشحين من خارج المؤسسة يمكنهم العمل بشكل جماعي.

ثالثاً، يجب على المرشحين من خارج المؤسسة وضع إنشاء ساحة منافسة متكافئة على رأس جدول أعمالهم. يجب أن تكون الأولوية الرئيسية هي الدفع باتجاه أن يصبح قانون الأحزاب السياسية أكثر من مجرد حبر على ورق. يجب إنفاذه وتطبيقه على جميع الأحزاب.

أظهرت انتخابات 2025 أن أولئك الذين يسيطرون على الدولة العراقية يُكافأون، بينما يُقصى أولئك الذين يسعون لإصلاحها. ولتجنب مواجهة نفس العيوب الهيكلية في الانتخابات المستقبلية، يجب على مرشحي الإصلاح والمجتمع المدني الأوسع استخدام هذه الهزيمة لتحويل الحوار نحو تغيير قواعد اللعبة.

* المصدر: chathamhouse.org

اضف تعليق