سنة 2024 الماضية تكاد تكون من أكثر السنوات عنفا وتدميرا، وتغييرا في السياسات والنتائج، وكثيرا ما أدلى محللون عراقيون وأجانب بتحليلات لا تختلف كثيرا عن السير في حقول الألغام التي قد تنفجر في أية لحظة، فنحن اليوم في أرض تكاد تكون محروقة، وأعني بذلك الدول الإقليمية المحاذية للعراق...

سنة 2024 الماضية تكاد تكون من أكثر السنوات عنفا وتدميرا، وتغييرا في السياسات والنتائج، وكثيرا ما أدلى محللون عراقيون وأجانب بتحليلات لا تختلف كثيرا عن السير في حقول الألغام التي قد تنفجر في أية لحظة، فنحن اليوم في أرض تكاد تكون محروقة، وأعني بذلك الدول الإقليمية المحاذية للعراق والقريبة منه عربية كانت أو غير عربية.

هذه التحليلات بعضها يغالي في حالات التغيير العنيف في دول المنطقة، ومنها العراق، وبعضها يحاول أن يهدّئ الأمور في تصريحاته وتحليلاته، ويصف المغالاة في التحليل ليست صحيحة، ولا يجوز للمحلل السياسي ان يدلي بآراء كأنها تأليب وتحريض على إدخال المنطقة في صراعات وحروب مدمرة، وكأن هذه الدول لم تتعظ من الحروب المجنونة التي خاضتها في العقود القريبة، والسؤال هو متى تلتفت هذه الدول لقضية البناء والسلم؟

في السنة الماضية كانت تحركات رئيس الوزراء والمؤسسات الحكومية الأمنية والبرلمان والدبلوماسية العراقية جيدة ومتوازنة ويمكن أن نقول عنها ذكية لأنها وضعت حواجز جيدة لعدم الزج بالعراق في حروب عشنا مثلها سابقا وذقنا ويلاتها.

هناك مؤشرات قوية تدل على أن العراق قد خرج من عنق الزجاجة، وغادرها إلى فضاءات البناء والاستقرار، وسوف تكون سنة 2025 مختلفة كل الاختلاف عن سابقاتها، هذا الرأي ليس رأيي الشخصي، ولا هذا الكلام من عندياتي، فقد سمعته على لسان خبراء سياسيين معنيين بالعراق والشرق الأوسط، ولهم رؤية لا تخطئ في تشخيص الأوضاع السياسية، ولديهم مجسّاتهم التي تستشرف أوضاع الدول والمتغيّرات التي تحدث فيها.

بالطبع هذا الحس المتفائل جدا فيما يتعلق بأوضاع العراق، لم يأتِ من باب التمنيات، ولا هو ضرب من الكلام غير المدروس، فأنا شخصيا وإن كنت بعيدا عن العمل السياسي، واهتمامي ينصبّ على الفنون والآداب، إلا أن دراستي الجامعية (خريج علوم سياسية من جامعة بغداد)، جعلتني أميل للكتابة في السياسة من باب الشعور بالمسؤولية.

أقول هذا الكلام وأنا مصرّ على أن سنة 2025 سوف تكون مختلفة عن سابقاتها بنسبة كبيرة، خصوصا في المجالين السياسي والاقتصادي، والأخير سوف ينعكس على جانب الخدمات الأساسية التي سوف يحصل عليها المواطنون العراقيون، وقد اتضحت بوادر هذه الرؤية المتفائلة من خلال الخطوات الناجحة لساسة العراق وهم يتعاملون مع أدق وأخطر الأحداث في المنطقة الإقليمية وفي الشرق الأوسط، وأعني بذلك ما جرى في سوريا من تغييرات متسارعة، وكيف تعامل معها العراق برؤية الحكمة الصائبة المتأنية.

لقد أثبت الساسة المعنيون بالتعامل مع الملف السوري بأنهم على قدر كبير من الحكمة، وأنهم في موازاة هذه السياسة الحكيمة، يركزون بقوة على تطوير الاقتصاد العراقي حيث افتتح السيد السوداني مشروعا إنتاجيا كبيرا في مصفى بيجي، وأبرم عقودا كبيرة للانتهاء من مشكلة الغاز المصاحب ونهاية هذا الهدر في الغاز عند سنة 2028.

هذه بعض الخطوات التي تشير إلى أن رجال الدولة أخذوا يفكرون ويخططون لمرحلة البناء الحقيقي للعراق، ومن الأمور المثيرة للإعجاب، أن التعامل الحكيم مع الملف السوري الخطير، يجري خطوة بخطوة مع ترصين الأوضاع الداخلية خصوصا في مجال مكافحة الفقر والبطالة حيث تدل الإحصاءات الرسمية والمستقلة على انخفاض نسبة هذين المجالين (الفقر والبطالة) عما كانت عليه في السنين الماضية وهذا مؤشر يدل على أننا نسير في الاتجاه السليم، مما يؤكد على أن بوصلة العراق السياسية تمضي في الاتجاهات المطلوبة والصحيحة، على الرغم من كثرة التعرّجات والمصائد المنصوبة لها داخليا وخارجيا.

وأخيرا ونحن نبدأ هذه السنة الجديدة 2024، نتمنى حقا أن تكون سنة البناء الاقتصادي المتميز للعراق، وسنة الخدمات الأساسية، وفي نفس الوقت نتمنى أن تبقى البوصلة السياسية تسير في الطريق السليم على الرغم من الحفر (والمطبّات) الكبيرة التي تملأ هذا الطريق، وأظن أن كل عراقي يأمل ويطمح بالمزيد من الأمن والاستقرار والتطور، وتضييق مساحات البطالة إلى أدنى مستوياتها، والأهم من ذلك كله، أن تبقى بوصلة العراق السياسية في أيدي وعقول أمينة وذكية وبارعة وحكيمة. 

اضف تعليق