في العراق كنوز عقلية وفكرية وعلمية وثقافية فدعوا العراقيين يخرجونها لكم لتنعموا بخيراته وبركاته جميعاً، وهذه دعوة نوجهها للجميع بأن يتركوا العراق وشأنه فقد أكل نصيبه من هذه الحرب وجيلها الرابع الكارثي ودعوه يلتفت لبناء نفسه أولاً ثم لبناء دولته الحضارية ثانياً وسترون العجائب من هذا الشعب الكريم...

مقدمة إنسانية

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وجعل قوامه وأساس قيمه الإنسانية، فهي التي تبلور كرامته في نفسه وفي المجتمع البشري، فإذا تخلَّى عن هذه القيمة العليا له -الإنسانية- فإنه سيفقد كل القيم الأخرى فيرجع إلى أصله الحيواني، إلا أنه من أشرس وأبشع أنواع الحيوانات، فتراه يفتك ببني جنسه بشكل لا يفعله أي حيوان مهما كان مفترساً وجائعاً، فأي حيوان فعل كما فعلته القنبلة التي ألقيت على الناغازاكي، أو هيروشيما اليابانيتين؟

وقال الفلاسفة قديماً في تعريف الإنسان: بأنه حيوان ضاحك، أو عاقل، أو مفكر، ولكن لم ينتبهوا إلى أنه حيوان مجرم وقاتل يفوق كل الحيوانات الأخرى، فأي حيوان فعل ما فعله هتلر، أو بسمارك، أو شارون، وأمثالهم في التاريخ كثير؟ فهل هؤلاء من البشر حقاً أو أنهم من جنس آخر منزوع الرَّحمة والإنسانية منهم؟

فالإنسان هذا المخلوق الضَّعيف (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء: 28)، لأنه خُلق من ضعف، وفي ضعف، وإلى ضعف، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم: 54)، فالضَّعف يحيط به من كل جانب، إلا أنه ما أن يقوى ويشتد فتراه يتنمَّر ويتغطرس ويبدأ يفتك بالذين من حوله وكأنه ليس منهم، والعجيب أنه ينسى أصله الأول، ويغفل عن نهايته في الآخر، فيضرب الأرض برجله، وينطح الجبال برأسه ليهدَّها ويوهنها، وحقيقته كما يقول حكيم الإنسانية أمير المؤمنين الإمام علي (ع): (اعْجَبُوا لِهَذَا الإِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ، ويَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ، ويَسْمَعُ بِعَظْمٍ، ويَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْمٍ)، ثم يتكبَّر ويتجبَّر على خلق الله وربما يقول ما قاله فرعون: (أنا ربكم الأعلى)، ولذا هو فقير وبسيط كما قال الإمام علي (ع) أيضاً: (مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ؛ مَكْتُومُ الأَجَلِ مَكْنُونُ الْعِلَلِ، مَحْفُوظُ الْعَمَلِ تُؤْلِمُه الْبَقَّةُ، وتَقْتُلُه الشَّرْقَةُ، وتُنْتِنُه الْعَرْقَةُ). (نهج البلاغة: حكمة 419) 

فهذا الإنسان الذي خُلق من نطفة أمشاج، ولكن جعله الخالق سميعاً بصيراً فطغى وبغى على خلق الله من حوله، ونسي أو تغافل عن أنه بلحظة واحدة وبرأس دبوس يمكن أن يعود كالخرق البالي يبول على نفسه، وإن عاش فإنه يعود كحاله حينما كان طفلاً صغيراً لا يعي ولا يملك من أمره شيئاً، (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) (يس: 68)، فهذه الانتكاسة يغفل عنها وكأنه في حرز أو كهف منها، فأي غباء هذا؟

أجيال الحرب في النظرية الأمريكية

التاريخ البشري شهد حتى الآن -كما يقول العلماء- حوالي عشرين حضارة عملاقة، والحضارة لا تقوم إلا على العلم والقوة، ولذا قالوا: (الحروب قطار الحضارات)، فكل الصناعات الثقيلة والمؤثرة والتي تغيِّر مسير العالم تكون في الحرب أو في أعقابها، وعلى أثرها تقفز الأمة أو الشعب أو الدولة إلى الحضارة التي تبنيها بجناحي العلم والقوة، ولكن الحضارة الرقمية التي وصلت إليها البشرية هي أرقى الحضارات، والقوة الأمريكية هي أقوى الدول في هذا القرن الذي يطغى عليه رجال (الكوبوي) الأمريكان. 

ولكن العالم والشعوب وقعت بمشكلة كبيرة مع هذه الحضارة القوية، لأن الحضارة أساساً تقوم على القيم، وحضور الإنسان لدى أخيه الإنسان على أساس منظومة من القيم تنظم العلاقات المختلفة بينهم -كما يذهب المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي (حفظه الله) في أبحاثه ودروسه القرآنية- ولكن هذه الحضارة الأمريكية تريد أن تنسف وتنكر كل القيم الإنسانية، وتدك وتدمِّر كل المكتسبات البشرية لتبقى هي مسيطرة ومتربعة على عرش القوة والحضارة ولو أبادت كل الشعوب والأمم الأخرى لأن شعارهاً: (أمريكا أولاً)، ومن بعدها الطوفان.

 واللافت العجيب في النظرية الأمريكية أنها لا تتحدَّث عن الحرب ولكن تتحدَّث عن أجيال الحرب كمحاربين، وليس كسلاح ونار وتكتيك وخطط وغير ذلك من المفاهيم التي ترتبط بالحرب، بل تقفز عن ذلك كله لتتحدَّث عن الظاهرة نفسها وتصف أجيال المحاربين فيها وذلك لأنها كيان ارتبط وجودها بالقتال والحرب ولذا حصرت كل المفاهيم بها، وكل المصالح بمصالح أمريكا فقط، تلك النَّظرية اليهودية العنصرية التي وسَّعها الآباء المؤسسون لأمريكا بعد أن انتزعوها من التوراة والتلمود وصبغوا أنفسهم بها، ولذا تراهم يستميتون بالدِّفاع عن الكيان اللقيط في فلسطين لأنهم يحملون ذات الأفكار العنصرية تجاه الآخرين من الشعوب والأمم مهما كانت قومياتهم وجنسياتهم، والحرب في النظرية الشيطانية الأمريكية مرَّت بأربعة أجيال عندهم وهي:

حرب الجيل الأول: هي الحرب التقليدية بين دولتين لجيشين نظاميين، (بالإنجليزية: Conventional War)‏ ولذا يعرفها الكاتب الأمريكي ويليام ليند: بأنها حروب الحقبة من 1648 حتى 1860 حيث عرفت بالحروب التقليدية بين جيوش نظامية وعلى أرض معارك محددة بين جيشين يمثلون دول في حرب ومواجهة مباشرة.

حرب الجيل الثاني: هي حرب العصابات (بالإنجليزية: Guerilla War)‏ والتي كانت تدور في دول أمريكا اللاتينية، ويعرفها الخبير الأمريكي ويليام ليند: هي الحرب الشبيهة بالجيل الأول من الحروب التقليدية، ولكن ليست بين جيشين لدولتين بل بين جيش نظامي وعصابات مسلحة، أو بين عصابات مسلحة فيما بينها، وإن استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة كالدبابات والطائرات والصواريخ وغيرها من النيران بين الأطراف المتنازعة.

حرب الجيل الثالث: هي الحرب الاستباقية أو الوقائية (بالإنجليزية: Preventive War)‏، وهي نوع خاص اخترعته عقول الدمار والخراب الأمريكية لتبرير حروبها الخارجية بعد أحداث 11 سبتمبر، كالحرب على العراق وأفغانستان، وبقية الدول المارقة عن إرادتها، والمتمرِّدة على أوامرها، ويعرفها ويليام ليند بقوله: "بأنها طوُرَت من قبل الألمان في الحرب العالمية الثانية وسمِّيت بحرب المناورات وتميَّزت بالمرونة والسرعة في الحركة واستخدم فيها عنصر المفاجأة وأيضاً الحرب وراء خطوط العدو"، وهذا اشتباه ولم يجرؤ ليند على التصريح بالحقيقة فقذفها برقبة الألمان، لأن ما عرَّفه هي أجزاء من الحروب التقليدية وتكتيكاتها حيث المناورة وسرعة الحركة والالتفاف على العدو أو الإنزال خلف الخطوط لتحقيق المفاجأة بالقتال في الخطوط الخلفية له.

حرب الجيل الرابع: حرب المنظمات الإرهابية، (بالإنجليزية: Asymmetric Warfare)، حيث ‏اتفق الخبراء العسكريون بأن الجيل الرابع للحرب، هي حرب أمريكية صرفة وبامتياز حصري بالأمريكان، قد بدأت وطوِّرت من قبل الجيش الأمريكي وعرَّفوها بأنها "الحرب اللا متماثلة، أو اللا متعادلة"، وذلك عندما الجيش الأمريكي أعلن الحرب على القاعدة وهي عصابة وليست دولة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وهي محاربة تنظيمات إرهابية منتشرة حول العالم، وهذه التنظيمات محترفة قتالياً، وتملك إمكانيات مادية ممتازة، ولها خلايا خفية تنشط لضرب مصالح الدول الأخرى الحيوية كالمرافق الاقتصادية وخطوط المواصلات لمحاولة إضعافها أمام الرأي العام الداخلي بحجة إرغامها على الانسحاب من التدخل في مناطق نفوذها ومثال على هذه التنظيمات: القاعدة، وداعش.. وتستخدم فيها وسائل الإعلام الجديد والتقليدي، ومنظمات المجتمع المدني، والمعارضة السياسية، والعمليات الاستخبارية، والنفوذ الأمريكي في أي بلد لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وسياسات البنتاغون، فهي حرب أمريكية لتخدم المصالح والسياسات الأمريكية في كل دول العالم، واخترعها الأمريكان لما رأوا كثرة الضحايا منهم، وكميَّة الخسائر المادية والبشرية لجنودهم عندما يخوضون هم بأنفسهم وجيوشهم المعارك، فقالوا: لماذا نذهب ونقاتل بأنفسنا تلك الأنظمة والحكومات ولا نجعلهم يقاتلون أنفسهم بأنفسهم، فيكون القاتل والمقتول والخسائر كلها منهم، وما علينا إلا التأييد والمساندة السياسية في المحافل الدولية والترويج والتسويق في الإعلام، فنبيع المواقف والسلاح لمَنْ يريد وندعمهم ليفنوا بعضهم ويحققوا مصالحنا أو نفشل تلك الحكومات ونضعف تلك الدول المارقة علينا، بالخسائر الصفرية وأعلى ربح يمكن لدينا.

والحرب الجديدة حسب تعريف أول مَنْ أطلقها في محاضرة علنية وهو البروفيسور الأمريكي "ماكس مايوراينگ" في معهد الأمن القومي الصهيوني حيث عرَّفها بكلمات ومفاهيم مختصرة كالآتي: "الحرب بالإكراه، إفشال الدولة، زعزعة استقرار الدولة، ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية". (الموسوعة الحرة بتصرف)

فهذه الحرب الأمريكية تقوم وتستمر لتحقيق المصالح الأمريكية وأمنها القومي ودولتها العميقة ولكن بأيدي تلك المنظمات الإرهابية والمجموعات المارقة على الدولة القومية وجيشها النظامي، وذلك بعد الخسائر الكبيرة التي منوا بها في فيتنام، وأفغانستان، ولبنان، والعراق وغيرها فاخترعوا هذا النوع من الحرب للفناء الذاتي للدول التي تريد إخضاعها لأوامرها وقراراتها، كما يجري ويحدث منذ بداية القرن الحالي، ونعيشه ونصطلي بناره في دولنا العربية خاصة، وها هي التجربة السورية أمام الجميع تشهد على هذه الحرب وقذارتها، حيث وصلت تلك المجاميع التي هم صنفوها بالإرهابية، ورجالها المطلوبين لديهم إلى القيادة فيها، وهذا من أعجب العجب في السياسة الأمريكية الحالية فعلاً، ولا عجب منها لمَنْ عرفها وأدرك معنى هذا الجيل من الحرب لديها.

عناصر الحرب في الجيل الرابع

1-الإرهاب بأبشع أنواعه، وأشنع جرائمه لأنه حرب أهلية بامتياز.

2-قاعدة إرهابية غير وطنية أو متعددة الجنسيات كما في سوريا هذه المجاميع من (114) دولة.

3-حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والتلاعب النفسي فأكثر من (1000) قناة فضائية تقصفها.

4-تستخدم كل الضغوط المتاحة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، لا سيما الجوع الاقتصادي.

5-استخدام تكتيكات حروب العصابات والتمرُّد على الدولة، وأول ما يُضرب الجيش والبُنى التحتية.

ميِّزات الحرب في الجيل الرابع

يُعرّف الجيل الرابع من الحروب بأنه الصراعات التي تنطوي على العناصر المميِّزة التالية:

1-معقدة وطويلة الأمد حتى تحقق أهدافها الأمريكية ومصالحها العليا.

2-الإرهاب كالأُسلوب عمل في الحرب والقتال ضد الدولة الوطنية ومصالحها.

3-قاعدة غير وطنية أو متعددة الجنسيات، لا مركزية للغاية، وكلها ترتبط بأجندات خارجية.

4-هجوم مباشر على ثقافة البلد وقيمه وحضارته، بما في ذلك أعمال الإبادة الجماعية ضد المدنيين.

5-الحرب النفسية والبروباغندات المتقدمة للغاية، من خلال التلاعب في وسائل الإعلام، ومتصيدي الإنترنت، وبرامج الروبوت والقانون الدولي، والحصار والتجويع، ومنع حتى الدواء عن المرضى.

6-استخدام جميع الضغوط المتاحة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.

7-الصراعات منخفضة الحدة، والتي يشارك فيها ممثلون من جميع الشبكات ذات المصالح المشتركة.

8-غير المقاتلين الذين يُعتبروا فرق تكتيكية مُحيرة فلا أحد يعرف عدوَّه فالكل عدو الكل الآخر.

9-عدم وجود قيادة موحدة، وغياب التسلسل الهرمي فيها.

10-صغر الحجم الوحدات، وتوافر شبكة الاتصالات والدَّعم المالي لهم من مشغِّليهم.

11-استخدام تكتيكات التمرد أساليبًا للتخريب والإرهاب وحرب العصابات دون رادع أو وازع فهم يعملون أي شيء ويضربون ويفجرون ويخربون كل البنى التحتية حتى الجسور والقطارات والمطارات وينهبون البنوك ويضربون ويخربون ويدمرون كل شيء في البلد حتى تتعطَّل وتفشل فيوقفون حتى المدارس والجامعات، وحتى إن وصل أولئك الإرهابيون إلى السلطة فهم يحتاجون إلى خمسين سنة ليعيدوا بناء ما دمروه في بلدهم.

الجيل الرابع يطبَّق عندنا

والمتأمل بما يجري في المنطقة العربية كلها منذ أن انطلق ما يسمونه (الربيع العَربي، ونسميه الربيع العِبري) هو تطبيق لهذه الحرب القذرة جداً والتي ما شهد التاريخ البشري أبشع وأقذر منها وذلك لما لها من تأثير في واقع البلاد عدا عن سياساتها وحكوماتها فهي تضرب النسيج الاجتماعي نفسه فلربما الأخ يقتل أخاه، والولد يذبح أمه -كما حدث في مدينة الرَّقة السورية- هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى ما للمجاميع الإرهابية الخارجية التي تدخل البلد من تأثير، لا سيما عندما شرَّعوا لهم ما تقشعرُّ له الأبدان لتسهيل إجرامهم وحياتهم في بلدان ليسوا منها وهم غرباء عن كل شيء فيها فلا اللغة ولا العادات ولا التقاليد، ولا حتى الأشكال والألوان فكلها صارت نشازاً، والأبشع هو أنه لا أحد يجرؤ على مخالفتهم فهم الأقوى والسلاح والأمر بأيديهم فراحوا يفرضون أنفسهم على المجتمعات المحافظة بالقوة والسلاح.

ويبقى الأدهى والأمرُّ هو هذه الأجيال التي نتجت عن تلك الأعمال والفتاوى الفاضحة كجهاد النكاح، وتحليل اللواط والسِّفاح، ويستحلون الفروج والأعراض والأموال بالتكبير ووضع اليد على المرأة فتكون لهم حلالاً، فهؤلاء الأولاد سيكونون كالجيش الإنكشاري في الدولة العثمانية المعروف في تاريخها الأسود، بل هؤلاء أبشع لأنهم يدربونهم منذ الصغر على الذبح والقتل وسفك الدماء بأحدث وسائل القتل والإجرام والإرهاب حتى تفجير نفسه فمتى ستنتهي هذه الكوارث التي يخلِّفها الجيل الرابع من الحرب في البلدان التي ضربتها أمركا بها؟

الجيل الرابع كارثة إنسانية

ولذا على العقلاء -لا سيما في هذه الأمة- أن يدركوا أخطار هذه الحرب، وينادوا علماء وعقلاء العالم بأن يوقفوا هذه الجرائم المنظمة، والكوارث المرتبة التي تفتعلها الولايات المتحدة ضد الشعوب والأمم لتحقيق مصالحها حتى ولو أبادت شعوباً بأكملها فهي وساستها لا يطرف لهم جفن، ولا ترتجف لهم يد بل حتى هذا الرجل القادم وقبل أن يصل يهدد جهاراً نهاراً "بأنه سيحرق الشرق الأوسط، أو أنه الجحيم"، فهل أصبحنا بهذا الضعف والذل والمهانة ونحن أمة ربع المعمورة وربما أكثر، وكل الخيرات التي يتبجَّح بها هو وإدارته من بلادنا وخيراتنا؟

ألا يكفيهم ما فعلوه من بداية القرن وحتى الآن من كوارث ومآسي مازالت ساخنة لم تبرد جراحنا لا سيما في العراق الجريح الذي عادت الإدارة الظالمة للجيل الرابع للحرب تدقُّ طبولها فيه، وكأنه إرثهم الذي ضاع منهم، وأن أهله عبيد آبقون عندهم، فيهددون ويتوعَّدون ويحاولون فرض أوامرهم كأسياد على كل المستويات، أو أن سيول الجيل الرابع من الحرب تنساب عليهم ويخرج عليهم الإرهابيون كالجراد المنتشر ليفعلوا ما يريدون ويحققوا الحلم التلمودي أو التوراتي بدمار بابل لأنهم يعيشون فوبيا (بابل) في التاريخ، وكأن بابل اليوم لا حامي لها ولا ناصر وآن أوان أخذ الثأر من (نبوخذ نصر) الآكادي الآن؟

أما آن للعرق أن يترجَّل؟

وهنا نقول: أما آن لهذا الفارس -العراق- أن يترجَّل، ويُترك لأهله ليبنوا دولتهم على أرضهم بأيديهم وكما يرغبون ويحبون هم لا غيرهم من القوى المؤثرة عالمياً؟ نعم؛ لكل دولة مصالح يسعى لتحقيقها ولكن ليكن ذلك بالطرق الدبلماسية، والعقلائية، والمعاهدات، والاتفاقيات بعيداً عن الفرض والإكراه والقوة والعنتريات فالعراق أقدم حضارات التاريخ قامت على أرضه كما يقول وول ديورانت في قصة الحضارة، فليراجعوا بأنفسهم ما كتبه علماؤهم عن حضارة وادي الرافدين، وهم أصحاب أقدم وأعرق قوانين وحقوق إنسانية حيث كتبها حمورابي كما يعرف الجميع، وأما العراق العربي الإسلامي فهو عراق الإمام علي بن أبي طالب (ع) "أعدل حاكم عرفه التاريخ البشري" كما صنَّفته الأمم المتحدة منذ بداية هذا القرن (2001م).

وهو عراق الثورة الحيَّة التي انطلقت من كربلاء العزة والكرامة والفداء حيث الإمام الحسين (ع) سيد الشهداء وإخوته وأبنائه وأصحابه ضربوا أجمل وأكمل الأمثلة في التضحية عبر التاريخ، فلسنا أمة تعيش على هامش التاريخ بل العراق مَنْ صنع التاريخ البشري كله، ولسنا أمة جاءت من المجهول ولا من نفايات والأمم ومجرميها بل نحن السادة والقادة، وأوتاد الأرض، وعندنا نزلت رسالات السماء كلها، فلسنا إمَّعة ولا عبيد لغيرنا.

فكفوا أيديكم الآثمة عن العراق أيها الناس قبل أن يستيقظ المارد العملاق فيه، ويتحول إلى تنين يحرق الأخضر واليابس عندكم ولكم، فدعوه يلملم جراحه ويداوي مرضاه، ويبني دولته على الحق والعدل فإنه ذو شأن عظيم ودور فاعل وكبير في العالم ولكن فقط أعطوه الفرصة ليُخرج كنوزه العلمية والفكرية والمعرفية وهو كريم ومعطاء والعالم كله يشهد بأنه لا يوجد شعب بكرم وضيافة الشعب العراقي البطل، فهو سعيطي من خيراته لكل المحتاجين ولكن بشرط أن ينتفي هؤلاء من أرضه، وبلاده وحكومته، فكيف سيعطيكم ولديه ما يكفيه الآن؟ 

ففي العراق كنوز عقلية وفكرية وعلمية وثقافية فدعوا العراقيين يخرجونها لكم لتنعموا بخيراته وبركاته جميعاً، وهذه دعوة نوجهها للجميع بأن يتركوا العراق وشأنه فقد أكل نصيبه من هذه الحرب القذرة وجيلها الرابع الكارثي ودعوه يلتفت لبناء نفسه أولاً ثم لبناء دولته الحضارية ثانياً وسترون العجائب من هذا الشعب الكريم المعطاء.  

دعوا عراق الأصالة والحضارة أن يعود إلى مكانه ومكانته في بناء الحضارة الإنسانية التي يتطلَّع إليه البشر وساعدوه في أن يتبوَّأ مقعده وسترون منه العجب العجاب في تقدمه وعقليته وإنسانيته الحضارية.

اضف تعليق