لا يخفى على المختصين ان اختراق (الثورة التكنولوجية) لمجالات الحياة المختلفة لا يقتصر على التفاعلات المجتمعية والاقتصادية والسياسية فقط، بل امتدت لتخلق ساحة جديدة من الحروب غير التقليدية بعيداً عن أجواء الحرب التقليدية في البر والجو البحر، وهي ساحة (الفضاء السيبراني)...
لا يخفى على المختصين ان اختراق (الثورة التكنولوجية) لمجالات الحياة المختلفة لا يقتصر على التفاعلات المجتمعية والاقتصادية والسياسية فقط، بل امتدت لتخلق ساحة جديدة من الحروب غير التقليدية بعيداً عن أجواء الحرب التقليدية في البر والجو البحر، وهي ساحة (الفضاء السيبراني)، التي توافرت فيها عدة عوامل حفزت بعض الدول والفاعلين من غير الدول (كالمنظمات الارهابية) على استخدامها، كإحدى أدوات الصراع والتنافس والهيمنة والإرهاب غير التقليدي.
ان ما يشهده العالم من هجمات إلكترونية مختلفة قد ينقلنا إلى نموذج جديد من الحروب يطلق عليه اسم (الحرب السيبرانية). Cyber War، وهو ما استخدمته روسيا بشكل مثير للانتباه في أكثر من دولة. فالقيادة الروسية عملت في السنوات القليلة الماضية بشكل دؤوب على تنمية قدرات روسيا في (المجال السيبراني) وتطويرها بشكل كبير، وسخرت تلك القدرات بصورة ذكية كسلاح فعّال لإيقاع الضرر المطلوب في قدرات خصومها وأعدائها، بالشكل الذي جعل من تلك القدرات السيبرانية أحد عناصر الردع الاستراتيجي لها. إن استخدام روسيا (للهجمات السيبرانية) ليس ظاهرة جديدة.
فمنذ هجوم عام 2007 على إستونيا، وظف الكرملين مهاراته في (التجسس السيبراني) و(العمليات السيبرانية)، باستخدام مزيج من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، بما في ذلك وكالات مثل GRU (جهاز الاستخبارات العسكرية) ومجموعات القراصنة المرتبطة بموسكو مثل APT28 (Fancy Bear) وSandworm. وجدير بالذكر كان ضم (شبه جزيرة القرم) في عام 2014 علامة فارقة أخرى في نشر(الهجمات السيبرانية) التي تهدف إلى زعزعة استقرار الحكومة الأوكرانية، وشل البنية التحتية الرئيسية. ولكن منذ حرب أوكرانيا في شباط 2022، بلغ نطاق وتعقيد العمليات السيبرانية الروسية مستوى جديدًا.
ومما يتطلب الإشارة إليه لم تكثف روسيا هجماتها السيبرانية ضد الأهداف الأوكرانية فحسب، بل سعت أيضًا إلى الحصول على معلومات حاسمة من الحكومات والجيوش والشركات الغربية التي تدعم أوكرانيا. والهدف الرئيسي من هذه الهجمات هو جمع المعلومات الاستخباراتية حول الاستراتيجيات العسكرية والعقوبات الاقتصادية والقدرات الدفاعية.
وكانت أولى الهجمات السيبرانية المسجلة في أنظمة المعلومات للمؤسسات الخاصة والمؤسسات الحكومية في عام ٢٠١٣ في أوكرانيا نتيجة للاحتجاجات الشعبية في أوكرانيا، حيث شهدت البلاد هجوما سيبرانيا على مواقع التواصل الاجتماعي للتلاعب في وسائل الإعلام وللتأثير على الرأي العام الأوكراني، لمنع دخول أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي.
واستهدفت مجموعة قرصنة روسية تسمى fancy bear أو APT28 القوات الصاروخية والمدفعية الأوكرانية وهذه الهجمات دمرت أكثر من ٨٠٪ من مدافع الهاوتزر D- 30 الأوكرانية وذلك ما بين ٢٠١٤- ٢٠١٦. وارتبط بروز مجموعة تسمى Cyber berkut في ٢٠١٤ على إثر الصراع داخل أوكرانيا في تلك الفترة الزمنية والتي كانت تتبنى خطاباً معادياً للقوى الغربية وموالياً لموسكو واعترفت تلك المجموعة بشنها هجمات إلكترونية أثناء عملية الانتخابات البرلمانية في أوكرانيا حيث اخترقت (لجنة الانتخابات المركزية الأوكرانية) في انتخابات ٢٠١٤.
وكان أول هجوم سيبراني ناجح على شبكة كهرباء، حيث في كانون الأول من ٢٠١٥ تم اختراق شبكة الكهرباء في المنطقة الغربية "ايفانو فرانكوفسك" ما أدى إلى الانقطاع التام في التيار الكهربائي على عموم المنطقة. وفي العام التالي 2016 تكررت عملية الاختراق لشبكة الطاقة الأوكرانية من قبل محترفين روس.وقي المقابل قامت أوكرانيا على الصعيد الآخر في ٩ ايار من ٢٠١٦ بشن تسع عمليات اختراق ناجحة لمواقع مجموعة " جمهوريات دونيتسك الشعبية" الانفصالية وأيضاً اخترقت مواقع روسية للدعاية المناهضة لأوكرانيا بالإضافة لشركات عسكرية روسية خاصة.
وكانت هجمات نت بتيا (Notpetya ) عام 2017 واحدة من أشد العمليات السيبرانية تكلفة حيث أصابت الشبكات الخدمية التابعة للقطاعات المصرفية والحكومية لأوكرانيا وعطلت الوصول إليها. وتسربت تلك الهجمات لتصيب بعد الشبكات الخدمية في العديد من الدول الأخرى مثل ايطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا وقدرت تكلفة تلك الهجمات بعشرات المليارات من الدولارات.
وفي عام 2022 قبل اندلاع الغزو الروسي لأوكرانيا في منتصف يناير من العام ذاته حدث هجوم سيبراني حيث عطلت القراصنة عشرات المواقع التابعة للحكومة الأوكرانية متضمنة وزارة الخارجية الأوكرانية وبالتزامن مع اندلاع الحرب في أوكرانيا حدث أكثر من ٢٠٠ هجوم الكتروني على أوكرانيا منذ بدء غزوها في شباط حتي نيسان وذلك وفقاً لتحليل أجرته شركة ميكروسوفت ومنهم استهداف ما يقرب عن 70 من الكيانات الحكومية الاوكرانية. وفي أحدص تطور عام2023 أعلنت مؤسسة "روستيخ" الروسية أنها تعمل على مشروع جديد يتعلق بمجالات (الأمن السيبراني).
وجاء في بيان صادر عن المؤسسة "روستيخ ستتعاون مع شركة ألماز-أنتي الروسية على مشروع يتعلق بمجالات (الأمن السيبراني) و(حماية نظم المعلومات)، وستصبحان مساهمين أساسيين في شركة Altius Lab المتخصصة في هذه المجالات، هذه الشركة ستضمن تطوير البرمجيات لمواجهة (التهديدات السيبرانية)، و(ضمان أمن المعلومات) في مرافق البنى التحتية المرتبطة بإدارة الحركة الجوية في البلاد". وأضاف البيان "Altius Lab ستعمل على زيادة مستوى أمن المعلومات في النظم الموحدة لإدارة الحركة الجوية في روسيا، وستقوم بالبحث عن نقاط الضعف في برمجيات هذه النظم ومعالجتها، وستدخل على هذه النظم كل ما هو جديد في مجالات الأمن السيبراني، الشركة ستعمل على الأراضي الروسية ونخطط لإدخال خدماتها إلى الأسواق الأجنبية أيضا".
وحول الموضوع قال نائب المدير العام لمؤسسة "روستيخ" نيكولاي فولوبيوف: " ألماز-أنتي هي شريك استراتيجي لنا على المدى الطويل، وسنعمل معها على المشروع الجديد بما يتماشى مع استراتيجية الأمن القومي في الاتحاد الروسي، والتي من بين أبرز أولوياتها ضمان أمن المعلومات في الأنظمة الإلكترونية في روسيا. ومن جانب آخر وفي إطار الشراكة سيوفر مركز كفاءة أمن المعلومات التابع لمؤسستنا الحلول البرمجية والأجهزة الموثوقة اللازمة للمشروع الجديد، وستقدم جمعية الأبحاث العلمية التابعة لألماز-أنتي الموظفين والخبراء الذين يعملون في مجال أمن المعلومات ومجال الملاحة الجوية".
اضف تعليق