تلتزم بغداد وطهران اتفاقات وتفاهمات مشتركة، أمنية وسياسية واقتصادية، وتسعى حكومتا البلدين إلى تعزيز تلك العلاقات، إذ يهتمّ الجانبان العراقي والإيراني بملفات مشتركة عدّة، من بينها الوضع الإقليمي في ظلّ أحداث متسارعة في المنطقة، خصوصاً حرب غزة (طوفان الأقصى) والرد الإيراني المحتمل على اغتيال رئيس حماس إسماعيل هنية في طهران...
وجَّه رئيس مجلس الوزراء محمّد شياع السوداني، في شهر تموز/ يوليو 2024، دعوةً رسمية إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لزيارة العراق في شهر أيلول. المثير في الأمر أنَّ زيارته إلى بغداد تعدّ أول محطة لزياراته الخارجية منذ تسلمه منصب الرئاسة الإيرانية، أواخر تموز2024.
وبرز اسم مسعود بزشكيان، الطبيب الجرّاح الإيراني الشهير ووزير الصحة في حكومة خاتمي الثانية والآذري صديق الأقليات والإصلاحي المنفتح، كأحد أبرز المرشحين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الرابعة عشرة، والتي جاءت بعد وفاة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ووفده المرافق له إلى أذربيجان الشرقية، وهي المنطقة القريبة من نظيرتها الغربية مسقط رأس بزشكيان.
وإزاء ترشّح الإصلاحي بزشكيان في الانتخابات الإيرانية، وهو الآذري «التركي» الذي انحدر من مدينة مهاباد بمحافظة أذربيجان الغربية، وواصل تعليمه في مدينة أورومية، كما حالفه الحظ بأداء الخدمة العسكرية في محافظة سيستان وبلوشستان في سبعينيات القرن الماضي، وهو ما جعله يقترب كثيرًا من ثقافات القوميات غير الفارسية ومعرفة الكثير عن احتياجاتهم ومطالبهم، وهو ما وضعه في موقف المدافع عن تلك القوميات أو الأقليات في أحيان كثيرة.
يعزّز تلك الفرضية ما ذكره بزشكيان عن نفسه في إحدى جلسات مجلس الشورى الإسلامي عام 2016 حين قال: «أشكر الله دائمًا أن جعلني آذريًا تركيًا، وأرفض أن يسخر أحد من لغة الأتراك وثقافتهم، كما يسمح دستور بلادنا في مادته الخامسة عشرة للأتراك وغيرهم من الأعراق الأخرى بالكتابة بلغتهم في المدارس». وتلتزم بغداد وطهران اتفاقات وتفاهمات مشتركة، أمنية وسياسية واقتصادية، وتسعى حكومتا البلدين إلى تعزيز تلك العلاقات، إذ يهتمّ الجانبان العراقي والإيراني بملفات مشتركة عدّة، من بينها الوضع الإقليمي في ظلّ أحداث متسارعة في المنطقة، خصوصاً حرب غزة (طوفان الأقصى) والرد الإيراني المحتمل على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران.
ومن الملفات المشتركة التي يحرص عليها العراق وإيران ضبط الحدود المشتركة وتأمينها، وملف الاتفاقية الأمنية بين بغداد وطهران التي نصّت على إبعاد المعارضة الإيرانية عن مناطق إقليم كردستان القريبة من إيران وتجريدها من سلاحها.
وقد نفّذ العراق تلك الاتفاقية بشكل كامل، بينما وعدت طهران التي تحرص جداً على هذه الاتفاقية، بعدم تنفيذ أي ضربات على الإقليم في حال التزام العراق بنود الاتفاقية. وكان قد اتصل رئيس مجلس الوزراء محمّد شياع السوداني اتصالاً هاتفياً بالرئيس الإيراني الجديد (مسعود بزشكيان) مقدِّماً له التهنئة بمناسبة فوزه بالانتخابات.
وشهدت أجواء الاتصال عزماً من الطرفين على استمرار التعاون المشترك، في مختلف القطاعات والملفات الاقتصادية والأمنية، بما يعزز مصالح البلدين الجارين، وازدهار شعبيهما، مكتب رئيس مجلس الوزراء العراقي أشار في بيان إلى دعوة قدّمها رئيس الوزراء لبزشكيان لزيارة العراق.
وأضاف البيان أنَّ «بزشكيان عبّر عن شكره للسوداني، مؤكداً حرص بلاده على توسعة التعاون ودعم التفاهمات الثنائية في العديد من المجالات، بما يعزّز جهود استقرار البلدين، والمنطقة».
وعن طبيعة الوفد المرافق للرئيس الإيراني بزشكيان قال السفير الإيراني لدى العراق محمد كاظم آل صادق: إنَّ «بزشكيان سيزور العراق على رأس وفد رفيع المستوى قريباً، تلبية لدعوة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني»، وعن أهداف الزيارة كشف السفير الإيراني في بغداد عن أنَّ «الهدف منها توسيع العلاقات وتعميقها في مختلف المجالات، وإبرام اتفاقيات كان من المقرر أن يوقع عليها الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي».
وكان من المرتقب أن يزور الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي العراق في 28 مايو أيار 2024، قبل مصرعه في تحطم مروحيته، في 19 أيار/ مايو/ 2024، لتوقيع جملة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الأمنية والسياسية والاقتصادية بين الجانبين، بما فيها قرار رفع التأشيرات وإلغاء الازدواج الضريبي، والتنسيق في مجال حقول النفط المشتركة بين البلدين والتي ما زالت غير مستثمَرة حتى الآن. كما كان من المفترض توقيع مذكرات تفاهم أمنية واقتصادية بين بغداد وطهران، إلا أنها أجِّلت إثر حادثة مقتل رئيسي، وذلك قبل مراجعتها من قبل وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني، الذي زار بغداد في 13 يونيو/ حزيران 2024، تمهيداً لتوقيعها في الفترة المقبلة.
اضف تعليق