هنالك بلا شك فرق شاسع بين العمل والإنجاز، فالعمل يعني القيام بالمهام الروتينية المنوطة بهذه الوزارة أو تلك المؤسسة، بينما يكون الإنجاز من خلال كسر ما هو مألوف في العمل الروتيني، كتقديم أفكار قابلة للتطبيق، تسعى لتطوير العمل وتغيير منهجيته إلى الأفضل، أو إضافة مسارات جديدة...
من يقرأ النيوز بار (شريط الاخبار) الموجود أسفل شاشات التلفاز يجدها في اغلب الأحيان تنقل تصريحات لمسؤولين يتحدثون عن انجازاتهم اليومية وبطولاتهم الفريدة التي يسطروها خلال تواجدهم في المنصب، وفي الحقيقية فهي عبارة عن جرد يومي لما قام به الوزير او المدير العام من زيارات وتفاهمات تصب في صلب عمله وليس إنجازا على المستوى الفردي.
فمثلا تصريح وزير الصحة عن أهمية تجويد الخدمات الصحية والطبية المقدمة للمواطنين، يندرج ضمن الروتين اليومي لوزير الصحة، وكذلك تصريح وزير الداخلية من احدى الدول عن ضرورة توفير الامن والعمل على إشاعة الاستقرار في المدن العراقية، امر لا يستحق الإشادة.
مثل هذه الأمور والاعمال لا تستحق الإشادة، ذلك لان من الطبيعي ان يتباحث وزير الصحة ويحاول ان يجد الطريقة المثالية لتقديم الخدمات العلاجية، وبالنتيجة فهي جزء من مهامه اليومية في الوزارة ولا جهود مميزة في الموضوع.
اما وظيفة وزير الداخلية الأساسية هي توفير الامن للمواطنين في جميع المدن، ولا يمكن ان نعد المهام اليومية، إنجازا فريدا يسجل في السجل الحافل للوزير، ومن هنا نود الإشارة الى أهمية التفريق بين الروتين اليومي والعمل الفريد الذي يستحق الإشادة والنقل في الشريط الاخباري.
ولكيلا يتحول شريط الاخبار، والنشرات الإخبارية بصورة عامة الى لوحة إعلانية مجانية للمسؤولين لبيان مسؤولياتهم وتحركاتهم اليومية، يجب ان نركز فيها على الجهود الاستثنائية التي يبذلها المسؤول بشكل حقيقي، على سبيل المثال، تعاقد وزارة الصحة مع فريق طبي على المستوى الأول في الكشف عن سرطان الثدي.
مثل هذه الجهود جدير بوسائل الإعلام ان تعطيها المزيد من الاهتمام والتركيز عليها في النشرات الإخبارية والبرامج اليومية، ذلك للمساهمة في الحد من انتشار هذا المرض الخطير والذي يفتك بالعشرات يوميا، الى جانب ذلك التشاور من اجل جلب الأجهزة الطبية الحديثة التي ساعد على سرعة التشخيص وعدم جعل الأطباء يحومون حول المرض ولم يتمكنوا من العثور عليه وتشخيصه مبكرا.
ويستحق الاهتمام أيضا تصريح وزير التربية الذي يؤكد الشروع ببناء مئات المدارس لفك الدوام المزدوج في المدارس، فمثل هذه الاخبار تشعر المواطنين بالجدية الحكومية لغلق بعض الملفات الحيوية المتعلقة بالمواطنين وابنائهم، وترك انطباعا جيدا على المدى البعيد يسهم في زيادة المقبولية والاقبال في الاستحقاقات الانتخابية.
هنالك بلا شك فرق شاسع بين العمل والإنجاز، فالعمل يعني القيام بالمهام الروتينية المنوطة بهذه الوزارة أو تلك المؤسسة، بينما يكون الإنجاز من خلال كسر ما هو مألوف في العمل الروتيني، كتقديم أفكار قابلة للتطبيق، تسعى لتطوير العمل وتغيير منهجيته إلى الأفضل، أو إضافة مسارات جديدة لعمل الوزارة أو المؤسسة، وبشكل يحفّز العمل والإنتاج والعطاء.
تأتي حرية التفكير والإبداع والانفتاح على كل الاحتمالات والحلول، كأهم معايير الخروج بالعمل والمهام الروتينية من خانة التكرار والروتين اليومي، إلى مرحلة الإنجاز الفعلي المبتكر، أو ما يسمى بالأفكار خارج الصندوق، وتلك أمور للأسف غائبة تماما عن ثقافة المسؤولين بشكل عام، ليس على المستوى السياسي وحسب، وإنما كذلك على المستوى التعليمي والثقافي والأدبي.
لذلك تغيب الابتكارات والإنجازات والتفكير المختلف في كل مؤسساتنا ووزاراتنا، مما يجعلنا دائما ندور في دوامة الخلط بين المهام الروتينية وبين الإنجازات الخارجة من رحم التجديد والابتكار والخروج عن المألوف.
مثل هذا الواقع يسود في البلاد وفي كل المواقع، بدءاً بالتلميذ في مدرسته، مرورا بالموظف في عمله، ووصولا إلى الوزير في قمة هرمه، حتى أصبح التكريم عادة يومية يؤديها المدير لبعض الموظفين او الوزير لجملة من المدراء العاميين، وفي الواقع لا يوجد عمل يستحق التكريم والمكافأة سوى ان الموظف او المسؤول التزم بعمله على اتم صورة.
لا شك بأن لكل عمل أو أداء قيمته، ومن المؤكد أن كل فرد، وبغض النظر عن موقعه، يقوم بالتزاماته العملية والمهنية، لكن ما نحن بصدده اليوم ليس العمل الروتيني، والذي يأتي في قلب مهام التلميذ أو الموظف أو الوزير، وإنما الإنجاز الاستثنائي الذي يخرج عن عباءة الروتين، ويدفع باتجاه مجالات متجددة ومختلفة.
اضف تعليق