ان الانسان دون التزامات حياتية تصبح حياته باهتة لا يعرف لونا لها ولا طعم او رائحة، يقضي أيامه على الهامش، لا يبحث عن المثير وليس لديه القدرة او الاستعداد على مواجهة الصعوبات، ينهزم امام اول موجهة تحديات، وبذلك يتحول الى شخص عديم المسؤولية ضعيف الشخصية مقارنة بالأشخاص الناجحين...
في بداية التحاقنا بالدراسة الجامعية، كنا نسمع من طلبة المراحل الأخرى، بأن المواد التي سندرسها في المرحلة الأولى متوسطة او خالية من الصعوبة، بينما تأخذ هذه الصعوبة بالتزايد مع تقدم المراحل وصولا الى المرحلة الرابعة التي من المفترض ان تكون فيها قد خبرت المادة العلمية لجميع المراحل، بعد ان قمت بالالتزام من اجل تعلم المواد التعليمية.
وهكذا هي الحياة، فلو تأملتها بتفاصيلها التي نعيشها لوجدت أنها كلها منذ بدايتها وحتى النهاية تقوم على الالتزام، فالطفل حين يولد، يبدأ معه التزام أهله به، تأخذ الام على عاتقها الالتزام برعايته منذ اللحظة الاولى لخروجه إلى الدنيا، فتلبسه الثياب المناسبة للجو، حرا كان أم بردا، وتطعمه الطعام المناسب لسنه، حتى يصل إلى الخامسة أو السادسة.
تنتقل مسؤوليته اليه من والدته بعد التحاقه بالمقاعد الدراسية، وهنا يتوجب عليه الالتزام بالاستيقاظ في وقت محدد، وبارتداء زي موحد لا خيار له فيه، ومعنى هذا انه فقد حرية اختيار ميعاد نومه واستيقاظه، كما فقد حرية اختيار الطعام الذي يتناوله وميعاد تناوله، وشيئاً فشيئاً يجد نفسه مقيداً بنظام محدد لا يحيد عنه.
وحدها الظروف التي يعيشها والمجتمع من يفرض عليه سلوك معين، وتزداد هذه المسؤولية عندما يلتحق بوظيفة حكومية او في القطاع الخاص، المهم انه سيلتزم بمواعيد محددة لبدء العمل وانتهاءه يصبح خروجه من العمل يتطلب تقديم ورقة زمنية وبدونها قد تضيع حقوقه في حال تعرضت حياته الى شيء.
نفس هذه الحال يعيشها رجال الامن بمختلف مستوياتهم، اذ يتوجب عليهم الالتزام بالقوانين المعمول بها في مديريات الامن، ولا يختلف عنهم المهندسين والأطباء والمعلمين والأساتذة الجامعيين وغيرهم من الوظائف والمهن، لا شيء يمكن ان ينجع في هذه الحياة دون الالتزام المطلق بالقواعد الحاكمة والضوابط اللازمة لتحقيق هذه الغايات.
وتكثر الالتزامات مع قدوم اول اطفالك الى الحياة فتشعر ان القيود ازدادت حلقة، وبدلا من تخفيفها عليك الإذعان لها، وهو على ما يبدو امر جبلت عليه الطبيعية البشرية، حلقات الالتزام تأخذ بالازدياد وليس للنقصان وعلى الفرد ان يكون على قدر المسؤولية لإنجاح المهمة الحياتية.
وان تخلى الانسان عن بعض الالتزامات السطحية، فلا يمكن ان يتخلى عن الأشياء الأساسية، كشراء احتياجات المنزل، والذهاب مع الاهل بسفرة عائلية، وغيرها من الأشياء التي تعد المحرك الرئيس للحياة داخل الاسرة، ولا مفر منها لحين الممات.
تحدث كثير من حالات الطلاق والانفصال بين الأزواج، نتيجة وجود أحد الطرفين او ربما كلاهما غير قادرين على تحمل المسؤولية، وعندما تسأل الزوج عن سبب تفكيره بالانفصال، يقول انه غير مؤهل لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة عليه من الناحية العقلية او الجسدية.
الزوج الذي لا يعرف قيمة الالتزام تجاه اسرته ومحيطه الاجتماعي، لا يمكن ان يبني منزلا لزوجته واطفاله، الالتزام وحده من يدفع الفرد الى العمل بجد من اجل الوصول الى منطقة النجاح، المتمثل بالحصول على وظيفة جيدة وعمل ممتاز يسهم في تحسين ظروفه المعيشية واقتناء عجلة فاخرة وهكذا بقية الاحتياجات.
ولأن لكل قاعدة استثناء، فإن هناك أشخاصا كُثر يخرجون على تلك القاعدة، فهم يفوزون بمراكز متقدمة، رغم انهم لا يخضعون لأية قاعدة من القواعد التي تلزمنا بها الحياة وتقودنا الى النجاح.
فهم لا ينامون في وقت مبكر، ولا يستيقظون في وقت محدد، يقضون أيام الدراسة في عراك مع أهلهم، يهتمون بواجباتهم وقتما يشاؤون، ويستيقظون وقتما يرغبون، ويتوجهون إلى مدارسهم بعد صراع مع النفس والاهل، ويحصلون على الشهادات بالغش والخداع، يلتحقون بالوظائف بالواسطة أو المحسوبية.
مما سبق نعرف جيدا ان الانسان دون التزامات حياتية تصبح حياته باهتة لا يعرف لونا لها ولا طعم او رائحة، يقضي أيامه على الهامش، لا يبحث عن المثير وليس لديه القدرة او الاستعداد على مواجهة الصعوبات، ينهزم امام اول موجهة تحديات، وبذلك يتحول الى شخص عديم المسؤولية ضعيف الشخصية مقارنة بالأشخاص الناجحين.
اضف تعليق