إن تنفيذ القوانين حق مشروع، ولكن هذا لا يعني هذا التعسف في ممارسته وتنفيذه من دون توفير البديل المنطقي السليم. نعم.. القانون لا يحمي المغفلين وحتى هؤلاء لا يمكن تجريدهم من سبل الحياة، وإنما أن نوفر لهم سبل العيش في العمل والسكن الآمن...
لا يختلف أحد في كل الإجراءات التي اتخذتها وتتخذها الحكومة ـ أية حكومة ـ من أجل تنفيذ القوانين ومراعاة الحق العام، ذلك أن أولى مهام الحكومة هي حماية حقوق مواطنيها من أي مستغل أو مغتصب. فهي بمثابة الأب الذي يراعي جميع أفراد عائلته ويوزع عطفه وحنانه واهتمامه وعدالته بينهم، ولا يسمح لأي احد منهم باستغلال سواه، وإنما يفترض به الدفاع عن حقوق كل فرد من سطوة الآخرين.
لا أحد يعترض على ذلك، فحقوق المواطنين مصانة ومحفوظة وتتكفل بها الحكومة..
الحكومة مسؤولة عن أمن وسلامة كل مواطن، مثلما هي مسؤولة عن ملكية وحقوق وأموال الجميع. إلا أن هذه المراعاة المحمودة، يفترض ألا تتقاطع مع الآخر، بحيث تهدد أمنه وعيشه وكيانه كله.
نعم. الشوارع والأرصفة والأراضي وكل ممتلكات الدولة. خطوط حمراء، لا يمكن التفريط بها ولا استغلالها لصالح شخص أو جماعة بعينها. وهذا امر يتطلب توعية الناس به، واتخاذ التدابير كافة، وعلى حسب التسلسل الإداري في حماية حق المواطن وحماية كل ما يعود للدولة.
إن دوائر البلديةـ بوصفها أصغر وحدة إدارية ـ مسؤولة عن منح إجازات البناء ومحاسبة المخالفين الذين لا يحملونها، وإدانة حتى عامل البناء الذي يتولى العمل من دون المطالبة بإجازة البناء، قبل الشروع في العمل، ومحاسبة المراقب البلدي عن كل مخالفة يراها ومحاسبته كذلك عن أي تقاعس أو إهمال في أداء الواجب المناط به، وتحصينه من أي رشى يمكن له الحصول عليها.
كل هذه الإجراءات سليمة ومطلوبة وحتمية وضرورية كذلك. منعا لأي تغافل أو تجاهل لحقوق المواطن وعلى ممتلكات الدولة. إلا أن كل ما يمكن إجراؤه وتنفيذه؛ لا بد أن يكون خاضعا للدراسة، بحيث لا تكون حماية حقوق مواطن على حساب حقوق مواطن آخر.
نعم.. من حق المواطن أن يعيش عيشة آمنة وكريمة، وواجب الحكومة أن توفر كل السبل لتحقيق إنسانيته وبناء كيانه. كأن توفر له سبل العمل. والعمل هنا لا يخص الوظيفة تحديدا، ذلك انه لا يمكن للحكومة أن تجعل كل مواطنيها موظفين، وإنما هناك سبل أخرى للعمل، كأن يتم إنشاء معامل وحركة عمران واستصلاح أراض وفتح قنوات وإقامة مشاريع كبيرة وصغيرة، وان تكون الأفضلية في العمل لمواطني البلد، قبل سواهم من العمالة الوافدة من الجنسيات العربية والأجنبية كافة، فحق المواطن للعمل في وطنه، حق مصان ومسؤولية وطنية ملقاة على عاتق الحكومة، كما أن توفير السكن لكل مواطن؛ امر غير تعجيزي أمام إرادة الحكومة الوطنية التي تعنى بشؤون مواطنيها.
من هنا. لا يمكن اتخاذ إجراءات فورية في إزالة التجاوزات وهدم العشوائيات، لأن هذه الإجراءات سوف تلحق الضرر بالكثرة من المواطنين. ويمكن للحكومة بناء أسواق شعبية نظامية وتأجيرها مقابل مبالغ متواضعة يمكن للكسبة الاستجابة لها. وهذا ما وجدناه في عدد من الأسواق الشعبية النظامية والتخصصية في مدينة الموصل مثلا، حيث نظمت وقسمت على حسب المهن.
كما لا يمكن إزالة مئات البيوت والفخمة منها مثلا، والتي تم بناؤها بشكل عشوائي أو على أراض زراعية هي من ممتلكات الدولة، وصرفت عليها الملايين وبذلت الجهود الكثيرة لإعمارها.
والحل في مثل هكذا حالات يمكن أن تقوم الحكومة على مصادرة تلك البيوت أو المباني أو العمارات بدلا من هدمها، لتصبح ملكا للدولة والتي يمكن أن تشغلها في فتح مستوصفات أو مقرات أو مدارس لعدد من الدوائر، وتعويض أصحاب تلك الدور والعمارات ليس بالمال، وإنما بتخصيص قطع أراض سكنية أو دور شعبية يتم بناؤها ودفع أثمانها بأقساط سنوية وعلى وفق مبالغ محددة. وبذلك تكون الحكومة قد حققت لنفسها مباني جاهزة، وللمواطن سكنا آمنا وقانونيا يمكن له السكن فيه باطمئنان.
نقول مرة أخرى. إن تنفيذ القوانين حق مشروع، ولكن هذا لا يعني هذا التعسف في ممارسته وتنفيذه من دون توفير البديل المنطقي السليم. نعم.. القانون لا يحمي المغفلين وحتى هؤلاء لا يمكن تجريدهم من سبل الحياة، وإنما أن نوفر لهم سبل العيش في العمل والسكن الآمن.
اضف تعليق