الشباب هم القوة القادرة على التغيير، والبناء، والإعمار، وهم الشريحة الأهم في المجتمع؛ لأنها قادرة على العمل والتطوير، فامنحوا الشباب الفرصة للتعبير عن أنفسهم قبل كل شيء ليس في ساحات التظاهر هذه المرة، بل في إطار ضوابط النظام الديمقراطي...

هنالك مقولة تقول "احذروا الحليم إذا غضب"، ويمكن وضع رديف لهذه المقولة، احذروا الشباب إذا نفذ صبرهم، وما يؤسف له ان شريحة الشباب في العراق يأتون في مراتب متأخرة في قائمة اهتمام الحكومات، وهو ما اجبرهم على الخروج باحتجاجات شبابية عرفت فيما بعد بثورة تشرين التي عملت قوى داخلية وخارجية على اخماد جذوتها، لكن تبقى الطاقات الشبابية براكين قابلة للانفجار في أي لحظة واي زمان.

العراق من البلدان التي تحولت الى محرقة لحرق شبابه، فمنذ ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم والى اليوم تعاني هذه الشريحة من بطش الحكام وقساوة الظروف، ففي القرن المذكور عمد النظام السابق الى مطاردة الشباب لدوافع دينية وأخرى امنية، مما اجبر كثير منهم على الهجرة الى البلدان الاوربية والآسيوية.

ومنهم من لم تسنح له الفرصة للهروب من الجحيم، واضطر لمواجهة المصير المحتوم، اما الإعدام او العيش بذلة وكأنه متهم بتهمة الخيانة الكبرى، الى جانب ذلك، المجازر التي طحنت مئات الآلاف من البشر في حروب عبثية لا دافع لها سوى هواجس الرئيس الأوحد آنذاك.

هذه الأساليب من التعامل مع شريحة الشباب وفي جميع الحقب الزمنية، منها حرمانهم من الوظائف الحكومية، وغياب فرص العمل الأخرى، فضلا عن عدم وجود مرافق شبابية للتعبير عن قدراتهم الإبداعية، كالمنتديات وورش لاكتشاف المواهب والعمل على تطويرها.

طيلة أربعة عقود عاش الشباب العراقي وهو يواجه مرارة الحياة انتهت آخرها بالحرب على الإرهاب ناهيك عن الازمات السياسية والاقتصادية التي القت بضلالها على جميع الشرائح الاجتماعية، لكنها برزت بصورة واضحة على ملايين الشباب، وجعلت منهم أفواج من العاطلين عن العمل.

وأصبح لدينا اليوم في العراق أكثر من جيل ينظر إلى المستقبل نظرة سوداوية ملؤها اليأس من التغيير إلى الأفضل، ويورثها كل جيل إلى الجيل الذي يليه، وتقف وراء تلك النظرة السوداوية لدى الشباب أسباب، نذكر منها على عجالة واهمها السياسات الحكومية والتغافل المتعمد عن اهم حقوقهم.

 وتتحمل تلك الحكومات الجزء الأكبر من مشاكل الشباب؛ لأنها جاءت في حقبة التغيير التي كان من المفترض أن تفتح أبواب الأمل من جديد بعد مرحلة ديكتاتورية اخذت مأخذها من أبناء الشعب العراقي.

إن مسألة الشباب اليوم تعتبر قضية ذات أولوية كبرى تفوق كل المشاكل المطروحة، فالاهتمام بالشباب ينبغي أن ينطلق من توفير حياة حرة كريمة لهم، ليس بالتعيين الحكومي فقط، بل بتوفير فرص العمل لهم بعيداً عن المحسوبية، والمنسوبية، والفساد في القطاع العام والخاص على السواء.

والأهم من كل ذلك صياغة هوية وطنية لكل شاب، حينها سيدرك أن الأمل موجود في بلاده، وأن القادم خير، والمستقبل أفضل، وهذا لن يأتي من فراغ، بل من برامج توعية تتحمل مسؤولياتها الحكومة وكافة الفعاليات الوطنية والاجتماعية.

ومن أجل الضرورات المرحلية يجب إشراك الشباب في العملية السياسية، حتى يصل العراق إلى مرحلة بناء جيل واعٍي، قادر على النهوض بمتطلبات الحاضر ومواجهة مصاعب الحياة، وتسهم في تغيير ذلك الواقع المؤسف والمضي قدماً إلى الأمام، ومواكبة التطور الحاصل في المنطقة.

فالشباب هم القوة القادرة على التغيير، والبناء، والإعمار، وهم الشريحة الأهم في المجتمع؛ لأنها قادرة على العمل والتطوير، فامنحوا الشباب الفرصة للتعبير عن أنفسهم قبل كل شيء ليس في ساحات التظاهر هذه المرة، بل في إطار ضوابط النظام الديمقراطي.

اضف تعليق