الحقيقة المخفية عن اغلب العراقيين ان الأموال التي تشيد فيها المجمعات السكنية والمباني المرتفعة هي الأموال التي حاصرتها الإجراءات الحكومية ومنعتها من الخروج الى المصارف الدولية كما في السنوات السابقة، لتتحول الى ارصدة في حسابات الأشخاص اللاعبين في المال العام...
تُشيد المباني والابراج الشاهقة في العاصمة بغداد وغيرها من المحافظات، الى جانب انتشار المجمعات السكنية الفارهة التي اخذت بالانتشار في السنتين الأخيرتين، وفيما يعتبرها البعض دليل وعلامة من علامات الازدهار والرخاء الذي يعشيه العراق في ظل الاستقرار الاقتصادي والإجراءات الاقتصادية التي تعتمدها الحكومة الحالية، لكنها تحمل دلالات أخرى فما هي؟
الحقيقة المخفية عن اغلب العراقيين ان الأموال التي تشيد فيها المجمعات السكنية والمباني المرتفعة هي الأموال التي حاصرتها الإجراءات الحكومية ومنعتها من الخروج الى المصارف الدولية كما في السنوات السابقة، لتتحول الى ارصدة في حسابات الأشخاص اللاعبين في المال العام.
ضجيج الآلات والمعدات العاملة في المشروعات السكنية والعمارات هي الموسيقى التي اعتاد العراقيين على سماعها بشكل يومي، وهي مؤشر يدل على ضخامة الاعمال التي تضطلع فيها الشركات المنفذة، والتي عادة ما تتم في سنوات طويلة مستنفذة لمئات الملايين من الدولارات.
التشييد السريع والكبير في اغلب المدن العراقية، جعل سعر المتر الواحد يتخطى عتبة العشرين ألف دولار ببعض المحافظات، متفوقا على أسعار العقارات في عواصم الدول المتقدمة التي تتمتع بجميع الخدمات من ماء وكهرباء وشبكة طرق نقل وغيرها من البنى التحتية التي توفر حياة كريمة للفرد.
بينما اغلب الاحياء حديثة التصميم والتي وزعت على شرائح مختلفة من أبناء الشعب العراقي، لا تزال مجرد ارقام وخرائط على الورق، غير صالحة للسكن، ولا يوجد فيها أي مقوم من مقومات الحياة، خالية من شبكات الصرف الصحي، ولم تسحب لها أعمدة للإنارة، والطرق غير واضحة المعالم.
ومع كل ذلك تجد الأسعار ملتهبة ولا يمكن لفقير او موظف في الدرجات الوسطى من السلم الوظيفي ان يشتري قطعة ارض في ابعد نقطة من مدينة كربلاء على سبيل المثال لا الحصر، وبذلك يكون الفرد الذي يطمح ببيت يليق فيه ضرب من ضروب الخيال وامنية صعبة المنال.
إجراءات الحكومة للتخفيف من ازمة السكن في البلاد، لا يمكن معالجتها في الوقت الذي يستحوذ عدد ليس بالقليل من المتحكمين في السلطة على المال العام الذي تحول الى غول يطارد الفقراء ويمنعهم من التمتع بسكن بسيط يتناسب ومستوى دخلهم الشهري، في الوقت الذي يشهد فيه سوق العقار قفزات وليس صعودا منطقيا.
تعد التجربة العراقية من التجارب الفتية فيما عمليات الضبط الحكومي لحركة الأموال وامتلاك العقارات، ويتمثل ضعف الرقابة الحكومية في عدم معرفة العقارات المسجلة بذمة شخصية سياسية او كبيرة في جهة حزبية معينة.
وكمخرج من المخارج القانونية يذهب هؤلاء الى توزيع تسجيل العقارات على الأقارب والأصدقاء هروبا من الملاحقة الرسمية، مستفيدين بذلك من عملية تسجيل الأراضي والممتلكات التي لا تزال تعتمد على الورق، ولا تتم مشاركة البيانات بين الوكالات الحكومية، ما يوفر المزيد من الحماية للمالكين الحقيقيين من التدقيق.
قبل اقل السنتين كشفت التحقيقات بقضية سرقة القرن، (عملية اختلاس بقيمة 2.5 مليار دولار)، أن الأموال المسروقة وجدت طريقها إلى سوق العقارات، وتبين أن 286 مليون دولار منها توزعت على 55 عقارًا تم شراؤهم، بمعدل 5.2 مليون دولار للعقار الواحد!
بهذه الأموال وغيرها من أموال العراقيين التي سُرقت على مدار العقدين الماضيين زاد الاقبال على الاستثمار في سوق العقار الذي تحول الى سوق مضاربات محصورة بين هذه الشريحة، وهو ما ضاعف الازمة وفاقمها بالنسبة للعراقيين من الطبقات المتوسطة والمعدومة، في الوقت الذي تشهد فيه المدن نزوح غير مسبوق، وبحسب إحصائية لوزارة التخطيط، فإن نحو 70% من سكان العراق يسكنون المدن ومراكزها.
ومن آثار غسيل الأموال الحاصل في العراق انه جعل الفجوة تتسع بين الطبقات، اذ ظهرت طبقة مترفة تتخذ من القطاع العقاري بوابة لكسب مزيد من الأموال، وطبقة أخرى تكافح من أجل البقاء دون الهبوط إلى ما دون خط الفقر، ويقبع فيها نحو 25% من السكان، وأخرى أعلى منها تحاول الصعود إلى الأولى، وما بين الطبقتين أخرى خارج السباق تقطن العشوائيات، تشكل وبحسب وزارة التخطيط 10% من مجموع سكان البلد.
اضف تعليق