الدعوة الاصلاحية وفق منظومة القيم توصل الى الهدف، فيما الدعوات التي لا تستهدي بمنظومة القيم ماهي الا دوران في حلقة مفرغة لا تنتج الاصلاح المطلوب. ان منظومة القيم العليا هي البوصلة التي تضبط مسار الحركة الاصلاحية وبدونها سوف تضل الحركة الاصلاحية طريقها. وهذا امر ثابت تاريخيا ويمكن اثباته تجريبيا. ..
"قَالَ: يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي، وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا، وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ؛ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ".
تلخص هذه الاية الدور التاريخي للانبياء، وهو الاصلاح على اساس منظومة القيم الحضارية التي جاءوا بها عن الله سبحانه وتعالى.
وهذه الاية هي مقطع من نص طويل يتضمن الرسالة الإصلاحية للنبي شعيب في قومه اهل مدين. ويقول النص كما جاء في سورة هود:
"وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88).(سورة هود)
ونستطيع ان نفهم من هذا النص ان رسالة النبي شعيب الإصلاحية ذات مضمون اقتصادي. والقران عرض نماذج مختلفة لرسالات الانبياء الإصلاحية حيث تتحد هذه الرسالات في الدعوة الى عبادة الله من جهة، وتتنوع في المحتوى الظرفي الخاص للرسالة باختلاف المجتمع المخاطَب بها من جهة ثانية. فنجد ان رسالة النبي لوط اخلاقية، ورسالة النبي موسى-هارون سياسية. ورسالة النبي محمد شاملة لكل هذه الجوانب.
والاصلاح ضرورة اجتماعية دائمة. فالمجتمعات البشرية، ومنها المجتمع العراقي الحالي، بحاجة دائما الى الدعوات الإصلاحية بسبب النقص الطبيعي في الانسان. فمادام الانسان معرضا للنقص والخطأ فهو بحاجة دائمة الى من يصلح اخطاءه ونواقصه. ويقوم بهذه المهمة الاجتماعية الإصلاحية فريق من الناس نسميهم "النخبة الواعية".
وشرط هؤلاء امران. الاول ان يصلحوا انفسهم اولا، والثاني ان تكون دعوتهم الإصلاحية وفق منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري؛ لان منظومة القيم العليا هي الدليل الهادي للعمل الاصلاحي وليس الاجتهادات الفردية الظرفية المتغيرة بتغير المصالح والدوافع والانطباعات. الدعوة الاصلاحية وفق منظومة القيم توصل الى الهدف، فيما الدعوات التي لا تستهدي بمنظومة القيم ماهي الا دوران في حلقة مفرغة لا تنتج الاصلاح المطلوب. ان منظومة القيم العليا هي البوصلة التي تضبط مسار الحركة الاصلاحية وبدونها سوف تضل الحركة الاصلاحية طريقها. وهذا امر ثابت تاريخيا ويمكن اثباته تجريبيا فلا نقاش فيه.
وهذا ينطبق على الدعوات الاصلاحية في العراق. فلابد لها من بوصلة حاكمة. وهذه البوصلة هي الدولة الحضارية الحديثة بوصفها الاطار المؤسساتي لمنظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري. وما عدا ذلك عبث لا جدوى منه.
اضف تعليق