كان يفترض أن يسري الحظر على كافة الموظفين العموميين لضمان الحيادية والنزاهة واستبعاد الولاءات الحزبية في الاختيار والتعيين وشغل الوظائف العليا، كذلك الحال نجد ان قوانين العاملين المدنيين في مصر لم تحظر الموظف العام الخاضع لاحكامها من الانضمام الى الاحزاب السياسية ما عدا الحظر الوارد في قانون الاحزاب السياسية...

إن قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل لم يتضمن في المادة (5) منه المتعلقة بالمحظورات الوظيفية نصاً يمنع الموظف من الانتماء للأحزاب السياسية أو ممارسة العمل الحزبي، والأصل أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 المواد (20، 39) منه وقانون الاحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 المادة (4) منه، قد كفلا حرية ممارسة الحقوق السياسية بما فيها الانتماء إلى الأحزاب السياسية والمشاركة في تأسيسها. 

وأن قانون الاحزاب السياسية لم يمنع الموظف من ممارسة النشاط السياسي، ما عدا القيد الوارد في المادة (9/خامساً) و(10/ثالثاً) منه المتعلقة بالتأسيس او الانتماء للأحزاب حيث حظرت المادتين المذكورتين بعض فئات الموظفين من المشاركة في تأسيس الاحزاب أو الانتماء إليها ولم يشمل الحظر كافة الموظفين العموميين، حيث خير بعض الفئات بين ترك الحزب او الاستقالة من الوظيفه، وهذه الفئات هي (أعضاء السلطة القضائية، وهيئة النزاهة، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والمفوضية العليا لحقوق الانسان، ومنتسبي الجيش وقوى الامن الداخلي وجهاز المخابرات والأجهزة الامنية). 

في حين كان يفترض أن يسري الحظر على كافة الموظفين العموميين لضمان الحيادية والنزاهة واستبعاد الولاءات الحزبية في الاختيار والتعيين وشغل الوظائف العليا، كذلك الحال نجد ان قوانين العاملين المدنيين في مصر لم تحظر الموظف العام الخاضع لاحكامها من الانضمام الى الاحزاب السياسية ما عدا الحظر الوارد في قانون الاحزاب السياسية، حيث نصت المادة (6/ثالثاً) من قانون الاحزاب السياسية المصري رقم (40) لسنة 1977 على حضر بعض فئات الموظفين العموميين من العمل السياسي والتي جاء فيها (ألا يكون من أعضاء الهيئات القضائية أو ضباط وأفراد القوات المسلحة أو الشرطة أو أعضاء الرقابة الإدارية أو المخابرات العامة أو من أعضاء السلك السياسي والقنصلي أو التجاري).

دوام رسمي

أما في فرنسا: فإن ممارسة الأنشطة السياسية للموظف العام حق مكفول على أساس النظرة الليبرالية كون هذا الحق يمارس بصفة شخصية في غير أوقات الدوام الرسمي دونما تقييد أو رقابة، فالموظف لا يكون ملزماً بانتماء سياسي معين أو يفرض عليه التزام سياسي معين فهو غير ملزم بالانضمام إلى حزب سياسي أو حركة سياسية، كما لا يجوز أن يعكس الموظف أفكاره السياسية ونشاطاته أو يستغل الوظيفة لممارسة هذه الاعمال استناداً إلى مبدأ (حيادية الادارة).

لذا نجد من وجهة نظرنا أن حَوْكَمَة معايير اختيار الموظف العام تقتضي أن تكون عابرة للتحزب والعمل الحزبي وليس المقصود بذلك حرمان الموظف العام باعتباره كمواطن من ممارسة النشاط السياسي بصورة كلية كما فعلت بعض القوانين، وإنما تقتضي حظر ممارسة الأنشطة السياسية داخل الوظيفة العامة، فالموظف في وضع تنظيمي خاص ويجب أن لا يباشر نشاط سياسي من شأنه التأثير على مكان عمله وهذا ينسحب أيضاً على حرية التعبير عن الرأي وانتقاد الوظيفة التي يعمل بها أو تجاوز حدود الشكوى كاستهداف الرؤساء والتشهير بهم من شأنه المساس بسمعة المرفق العام الذي يعمل به. 

وأيضاً فيما يتعلق بوجوب كتمان الاسرار الوظيفية وحرمة افشائها من الموظف العام، كذلك نجد في فرنسا بأن القضاء الإداري قد أتجه إلى حظر ارتداء الموظف العام ما يشير إلى عقيدته أو دينه أو طائفته في المرافق العامة لما يشكل ذلك من تأثير إلى أفكار الموظفين الاخرين وضمان استمرار سير المرفق العام، ففي عام 1999 أصدر مدير اكاديمية (Reims) قرار بفصل الانسة (مارتو) (Marteaux) من وظيفتها كمديرة مدرسة خارجية بزعم أنها ترتدي الحجاب الاسلامي معلنة عن عقيدتها الاسلامية داخل مرفق التعليم وقد طعنت الانسة مارتو بقرار فصلها أمام المحكمة الإدارية المختصة وقد بين مفوض الحكومة (Remy Schwartz) في رأيه ما مفاده بأن حرية الاعتقاد لدى الموظف العام مطلقة من حيث المبدأ.

وأن الاعتقاد الديني أو السياسي للموظف لا يعد مبرراً لعدم قبول ترشيح المواطن للوظيفة العامة أو أتخاذ إجراء تأديبي ضده وهذا ما استقر عليه مجلس الدولة في قضيتي (Barel) و(Guille)، إلا أن هذه الحرمة تحفها بعض التحفظات ومنها مبدأي (الحياد والعلمانية) فعلى الموظف العام أن لا يأتي بتصرفات تجعل المنتفعين يشكون في حياده بما في ذلك ارتداء الشارات الدينية داخل نطاق المرفق العام فكل الشارات ذات المغزى الديني (أياً كانت) محظورة داخل المرفق العام وهذا الحظر يسري على كافة المرافق العامة الوطنية سواء أكان للموظف اتصال مباشر بالجمهور أم لا.

ويسترد الموظف خارج نطاق المرفق العام كأصل عام حريته في التعبير عن أية آراء أو معتقدات دينية أو سياسية وقد آخذ مجلس الدولة الفرنسي بهذا الرأي، مما تقدم ندعو المشرع العراقي الى تعديل قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل وذلك بحضر ممارسة النشاط السياسي من قبل الموظفين داخل المرافق العامة لان المرافق العامة مخصصة لجميع المستفيدين منه من ابناء الشعب وان اضهار اي صور لنشاط سياسي ما من جانب الموظف يخل بحيادية المرفق العام، ويكون للموظف مطلق الحرية في ممارسة العمل السياسي وفقاً لما كفله القانون والدستور خارج نطاق اوقات الدوام والعمل الوظيفي وان لايستغل موقعه الوظيفي لاغراض سياسية، والله الموفق.

اضف تعليق