ان الشعب الضعيف لا تهابه السلطة، وهذه كلمة صحيحة تجرنا الى البحث عن ميزان القوى بين الشعب والدولة، ويمكن ان نتصور ثلاث حالات ان تكون الدولة اقوى من الشعب، او تكون الدولة اضعف من الشعب، او تكون العلاقة متوازنة، وللتوازن حالتان: اما توازن الضعفاء او توازن الأقوياء. ..
كتب احد الاصدقاء في صفحته في الفيسبوك "ان الشعب الضعيف لا تهابه السلطة". وهذه كلمة صحيحة تجرنا الى البحث عن ميزان القوى بين الشعب والدولة. ويمكن ان نتصور ثلاث حالات: ان تكون الدولة اقوى من الشعب، او تكون الدولة اضعف من الشعب، او تكون العلاقة متوازنة، وللتوازن حالتان: اما توازن الضعفاء او توازن الأقوياء.
نستطيع ان نعتبر الحالات المذكورة جميعها غير محببة ماعدا علاقة توازن الأقوياء. لان الحالات الاخرى عبارة عن مجموعة من السلبيات الضارة بالطرفين.
وفي البحث عن توازن الأقوياء يحق لنا ان نسأل عن عناصر قوة الدولة، وعناصر قوة الشعب، لكي يسعى الطرفان الى توفيرها معا.
تكمن قوة الشعب في عدة عناصر أساسية تتضافر معًا لتشكيل كتلة مجتمعية متماسكة وقوية قادرة على تحدي السلطات التي تفتقر إلى العدالة أو تسعى للسيطرة بطرق غير عادلة. إليك بعض تلك العناصر:
1. الوعي: وهو الأساس لأي تغيير إيجابي، حيث يجب على أفراد الشعب أن يكونوا على دراية بحقوقهم وواجباتهم، ومدركين للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المحيط بهم.
2. التعليم: يؤدي تعليم الجميع إلى خلق مجتمع مثقف وقادر على التفكير النقدي والإبداع في حل المشاكل وتحسين ظروف الحياة.
3. التضامن والوحدة: تمثل القوة الحقيقية في الاتحاد. عندما يقف الشعب معًا، موحدًا في أهدافه وطموحاته، يصعب التغلب عليه.
4. المشاركة الفعالة: يجب على الشعب أن يشارك بفعالية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد، من خلال الانتخابات، والنشاط الاجتماعي، والمطالبة بالحقوق.
5. التنظيم والتخطيط: تنظيم الشعب في هيئات وتكتلات وحركات تهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة يعزز من قدرته على التأثير في القرارات السياسية والاقتصادية.
6. القدرة على التضحية: التغيير الإيجابي قد يتطلب تضحيات، وعندما يكون أفراد الشعب على استعداد للتضحية من أجل مستقبل أفضل، تزداد قوتهم.
7. الاستقلال الاقتصادي: تقليص الاعتماد على الخارج وتعزيز الاقتصاد المحلي يجعل الشعب أقوى وأقل تأثراً بالضغوط الخارجية.
يتطلب بناء قوة الشعب العمل الجاد، والتفاني، والتخطيط الاستراتيجي على المدى الطويل، إضافة إلى التعلم المستمر والتكيف مع التحديات الناشئة.
اما عناصر قوة الدولة التي يمكن أن تتوازن مع قوة الشعب فهي تشمل عدة جوانب رئيسية:
1. الاقتصاد القوي: الدولة التي تمتلك اقتصاداً قوياً ومتنوعاً قادرة على توفير فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة لشعبها، مما يزيد من رضاهم ويقلل التوترات الاجتماعية.
2. النظام القانوني الفعال: نظام قضائي مستقل وعادل يضمن التطبيق الفعال للقوانين ويحمي حقوق الأفراد، مما يساهم في الحفاظ على النظام العام وسيادة القانون.
3. القوات المسلحة والأمنية المحترفة: قوات مسلحة وأمنية مدربة جيداً ومجهزة بشكل كافٍ تضمن الأمن الداخلي والدفاع عن البلاد ضد التهديدات الخارجية.
4. التعليم والبحث العلمي: نظام تعليمي متطور ومتاح يرفع من مستوى المعرفة والكفاءة لدى المواطنين ويشجع على الابتكار والبحث العلمي.
5. البنية التحتية المتقدمة: الاستثمار في البنية التحتية مثل الطرق، المواصلات، المستشفيات، والمدارس، يسهل حياة الأشخاص ويعزز النمو الاقتصادي.
6. الدبلوماسية النشطة والعلاقات الدولية القوية: تعزز علاقات دولية متوازنة مكانة الدولة في المجتمع الدولي وتوفر الدعم والتعاون في القضايا الإقليمية والعالمية.
7. الشفافية والمشاركة السياسية: تشجيع مشاركة الشعب في العملية السياسية وتطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة يزيد من ثقة الشعب في حكومتهم.
8. الرعاية الاجتماعية: نظام رعاية اجتماعية شامل يوفر الدعم للفئات الأكثر ضعفاً ويساهم في تقليل الفجوات الاجتماعية والاقتصادية.
9. السياسات البيئية المسؤولة: الحفاظ على البيئة والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لضمان التنمية المستدامة.
توازن القوة بين الدولة والشعب يعتمد على مدى فعالية هذه العناصر وقدرتها على الاستجابة لحاجيات الشعب وتطلعاته.
وتتضح ابعاد هذه العلاقة في النص الطويل التالي للامام علي (ع) الذي مارس الحكم والخلافة من موقع العلم والفقاهة، اذ كان أفقه صحابة رسول الله وأقضاهم، اذ يقول: «ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضا ولا يستوجب بعضها الا ببعض. وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل، فجعلها نظاما لألفتهم وعزا لدينهم فليست تصلح الرعية الا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة الا باستقامة الرعية. فاذا أدت الرعية الى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الاعداء.
واذا غلبت الرعية واليها، او اجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور وكثر الادغال في الدين وتركت محاج السنن، فعمل بالهوى، وعطلت الاحكام وكثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنالك تذل الابرار وتعز الاشرار وتعظم تبعات الله سبحانه عند العباد، فعليكم بالتناصح في ذلك، وحسن التعاون عليه».
اضف تعليق