ما نعيشه اليوم هو ليس هو حكم التعددية بالشكل المؤسساتي للديمقراطيات الحديثة والتي هي المحاصصة كما اعتدنا على تسميتها، وانما هي قوى هوياتية مزدوجة او متعددة نافذة تتمدد على اكثر من هوية فرعية في آن واحد تتراوح بين الدين والمذهب والقومية والقبيلة لكي توفر استدامة واستقرار مصالحها وتحديداً هوية المصالح الزبائنية...
ما نحصده اليوم من مخرجات في عالم الاجتماع السياسي المشرقي عموما وفي بلادنا على وجه الخصوص والتي يطلق عليها بالمحاصصة السياسية Political power sharing ماهي الا تجسيد لخصوصيات المجتمع المشرقي التي اصلها علماء الاجتماع بازدواجية الفرد بكل تفاصيلها في الغنيمة والغلبة، سواء في السلوك او التصرفات او في تشكيل العلاقات الجمعية وما تولده احياناً من (عدوى سياسية).
وهكذا امست (الغلبة والغنيمة والعقيدة ) تمتلك اكثر من هوية فرعية وهو ازدواج خطير لحيازة مساحة نفوذ سياسي اوسع واكثر مرونة داخل المجتمع المشرقي، فبين الدين والمذهب والقبيلة والقومية تمتزج مصفوفة هويات او ازدواج الهويات الهجينة hybrid dual ´-or-multi identities matrix .اذ تسمح مثل هذه المصفوفة في التغلغل في الدولة الرسمية والعمل على صناعة الدولة الموازية parallel state في آن واحد، ما . ولدت ظاهرة في الاجتماع السياسي المشرقي هي من اغرب ظواهر النظم السياسية في العالم وهي الهويات السياسة الزبائنية political clientism identitie لممارسة نفوذ التقاسم على مصفوفة المصالح المتحولة غنائمها بين الدولة الرسمية والدولة الموازية.
وعلى الرغم مما تقدم، فان عقد التخادم الافقي والعمودي بين (الدولة الرسمية والدولة الموازية) اخذ يتحول الى ظاهرة عنفية violence ولاسيما عندما تختل منظومة المصالح الاقتصادية بين (الهويات الزبائنية) وهي الهويات التي اعتادت الانتقال السهل والمرن عبر محاور تعدديتها الفرعية (النافذة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ) والتي تتنقل بين الهوية الدينية او المذهبية او القبلية او القومية في آن واحد . اذ يمارس العنف violence بشتى اشكاله كتعبير عن ممارسات السلطة الموازية عبر منظومة المصالح ذات الهويات الفرعية المزدوجة، لتعبر عن شراسة تاثيرها في الاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي عند اختلال توازن نفوذها. يقول عالم الاقتصاد امرتاي سن Amartya Senفي كتابه الموسوم: الهوية والعنف: اوهام القدر -Identity and Violence: The Illusion of Destiny ان التحريض على العنف يحدث بفضل هويات مفردة انعزالية وعدوانية، يناصرها ويؤيدها محترفون بارعون للإرهاب، على أناس بسطاء وساذجين.
ما نعيشه اليوم هو ليس هو حكم التعددية بالشكل المؤسساتي للديمقراطيات الحديثة والتي هي (المحاصصة) كما اعتدنا على تسميتها، وانما هي قوى هوياتية مزدوجة او متعددة نافذة تتمدد على اكثر من هوية فرعية في آن واحد تتراوح بين الدين والمذهب والقومية والقبيلة لكي توفر استدامة واستقرار مصالحها وتحديداً (هوية المصالح الزبائنية) وهي الهوية الفرعية الاكثر فاعلية في نفوذها وتغلغلها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وتتحرك وتتقدم على خريطة مشرقية الارث في السلوك والمعتقد و حسب اولويات الاستخدام وتعظيم المنفعة utility maximisation، سواء في كسب المصالح او في تقاسم الثروة او النفوذ في صراع هاديء يتحول الى صراع تناحري، اداته ممارسة العنف والتمرد بمختلف اشكاله، ولاسيما عندما يختل توازن الهويات الفرعية في المصفوفة الزبائنية المزدوجة dual´-or-multi clientism matrix او المتعددة كما نوهنا آنفاً .
ومع كل تأزم اقتصادي داخل المصفوفة الزبائنية للهويات الفرعية يرتفع منسوب العنف، وهناك علاقة سببية ومتلازمة بين العنف والتأزم الاقتصادي والعنف والفقر والعنف والبطالة، وهي علاقة استثمرت فيها مصفوفة الهويات الفرعية كثيراً وكانت محدداً من محددات تشكيل استقطاباتها الشعبية وبناء صراعاتها المجتمعية.
ختاما، وقفت كثيرا امام اقتباس لفيلسوف مدرسة المهجر ميخائيل نعيمة " (1889_1988.م) :بالقول حُكم الأكثرية حكم غياب العقلاء فما كان العقلاء يومًا إلّا قلّة في الأرض. ما أكثر الناس وما أندر الإنسان.
اضف تعليق