التأكيد الإسلامي في الشريعة على هذه الواجبات، التي تقع على الآباء أولا، وعلى المجتمع، وعلى الحاكم الشرعي، لأنه كثيرة هي التجاوزات التي قد تحصل على الأطفال والأبناء بالتحديد، هنالك مخالفات على مستوى التشريع وقد يكون ضحيته الأبناء منها سوء التربية، وسوء المعاملة والاستغلال، والعنف ضد الأطفال...
تقرير: حسين علي حسين
ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية، موضوعا حمل عنوان (حقوق الأبناء دراسة ما بين رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) والتشريع العراقي)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
قدم الورقة النقاشية وأدار الجلسة الحوارية الباحث في المركز الدكتور علاء الحسيني وجاء في ورقته البحثية:
نبارك للجميع الولادات الشعبانية الميمونة، التي تصادف في هذه الأيام، ونتمنى أن يعيدها الله على الجميع بالخير واليمن والبركة.
بالتأكيد إن الأبناء كما يوصفون بأنهم نعمة من الله عزّ وجل، للآباء، ولذلك اهتمت الشريعة الإسلامية، وسائر الشرائع السماوية الأخرى، وكذلك الشرائع الأرضية والقوانين الوضعية، بحقوق الأبناء.
وقد ورد في رسالة الإمام زين العابدين (عليه السلام) المعروفة برسالة الحقوق، أن من تلك الحقوق هي حقوق الولد ويقول عليه السلام: (إن من حقوق ولدك أن تعلم إنه منك ومُضاف إليك، في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنت مسؤول عن تأديبه) ويستمر الإمام (عليه السلام) بكلام معين عن حقوق الأولاد.
فهو يشير إلى أن من حق الابن أن يشعر الأب بأنه منه وينتمي إليه، وأنه منسوب إليه بخيره وشره، ولذلك هنالك العديد من الأدلة في الشريعة الإسلامية، التي تشير لحقوق الأبناء، بداية اهتمت الشريعة الإسلامية بالأبناء، أيما اهتما بوصفها ركيزة من ركائز بناء الأسرة.
وبما أن الأسرة هي النواة الطبيعية لتكوين المجتمع المسلم والمجتمع بشكل عام حتى غير المسلم، فاهتمت الشريعة بتلك النواة المهمة، ونجد أن الشريعة اهتمت بدءا بتكوين الأسرة، واختيار الزوج لزوجته، تمهيدا لإنجاب الأولاد ومن ثم في حياة الأولاد فيما بعد، هناك الكثير من الأدلة الشرعية التي تلزم الآباء بأن يكونوا آباءً صالحين لأبنائهم.
ونجد أن الشريعة قد عالجت حتى مسألة إسقاط الولاية، بالنسبة للأب في ظروف وأحوال معينة، علنا نقف في هذه الكلمة عند بعضها.
كذلك التشريع العراقي اهتم بالأبناء، والصغار بشكل عام، وهنالك العديد من الوثائق، القانونية التي تنظم هذا الجانب المهم من حياة المجتمع، بدءا من الدستور، العراقي الذي أشار للأبناء في مقدمته، وأيضا في بقية المواد الأخرى التي أشارت إلى هذا الجانب، ومرورا بقوانين كثيرة عراقية تبنت الإشارة لحقوق الأبناء ومحاوِلة أن تضع لها حماية قانونية معينة.
عود على بدء، لما نتحدث عن الرسالة الإسلامية وعن رسالة الإمام زين العابدين (عليهم السلام)، فهو يشير إلى حقوق الأبناء، وهي واحدة من أهم الحقوق التي تقع على الآباء أولا، طبعا الحقوق هنا ليست مقصورة على الأسرة وإنما على الدولة الإسلامية، فهي أيضا مسؤولة عن حقوق الأبناء أو الصغار بشكل عام.
وهذا ما ينبغي أن نلتفت إليه، بداية يشير الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز إلى حقوق عديدة للأبناء، منها مثلا حق الأبناء في الحياة، حيث يحرم قتل الأبناء لأي سبب كان، ولذلك ورد في القرآن نهي عن وأد البنات مثلا: (وإذا الموءودة سئلت)، التكوير 8. وفي آية أخرى (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) الإسراء 31.
وهنا يشير الباري عز وجل إلى حق الأبناء بالحياة، وحقهم بعدم الاعتداء عليهم وعلى حياتهم، خشية الفقر أو ما شاكل ذلك من بعض الناس أو من بعض الحالات التي كانت تسود في تلك الحقبة، وكذلك يشير الباري إلى مسألة التربية، وضرورة أن الآباء يربون أولادهم، ولنا القصص التي وردت في القرآن الكريم مثال على ذلك.
لقمان الحكيم يخاطب ابنه، وفي كثير من الموارد التي وردت في القرآن الكريم، حول النصائح التي وجهها إلى ابنه والتي هي عبارة عن تربية قرآنية (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) لقمان 18. وغيرها من الآيات القرآنية التي تدلل لنا على أن القرآن يلزم الآباء بالتربية.
الحقيقة لما بحثت في بعض المواقع الإلكترونية ومنها مواقع المراجع، وجدت سؤالا يُطرح دائما على المراجع الدينية، أنه ما هي حقوق الأبناء؟، فيشيرون إلى أن حقوق الأبناء كثيرة، لكن أهمها حق التربية وحق الإنفاق.
هذان أبرز حقين، وأما الحقوق المتفرعة عنها أو المرتبطة بها فهي كثيرة، بدءا من اختيار الزوج او الزوجة (اياكم وخضراء الدمن) التوجيهات النبوية أو توجيهات أهل البيت التي تشير إلى ضرورة اختيار الزوجة الصالحة حتى يكون نتاج هذا الزواج ثمرة جيدة للمجتمع.
وكثير من المرحل التي تمر بها حياة الإنسان قبل أن يولد وما بعد أن يولد، وكثيرة هي المسائل التربوية والأخلاقية التي وردت عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وهنالك كتاب (جامع السعادات) اطلعت على بعض صفحاته، فوجدت فيه الكثير من الأشياء التربوية التي ينصح بها الإمام الأب والأم، قبل الملاقاة الزوجية وما بعدها.
كلها الغاية منها هي الوصول إلى الثمرة الجيدة المباركة إن شاء الله، في المستقبل التي يربي بها المسلمين ويوجههم إلى هذا التوجه.
إذًا الشريعة الإسلامية، ورسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) تشيرنا إلى الكثير من الالتفاتات المهمة التي ترسخ مسألة حقوق الأبناء، حق الأبناء في التربية موجود في القرآن الكريم وكذلك في السنة النبوية الشريفة.
هنالك حديث يُروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يوجه المسلمين نحو علاقة الأب بالابن: (ربهِ سبعا ثم أدبه سبعا ثم صاحبه سبعا)، حتى يصبح عمره واحدا وعشرين سنة، وهناك الكثير من الروايات التي تتعلق بحقوق الأبناء، وبالتحديد حقهم في التربية كما ذكرنا، وحقهم في النفقة، وغيرها من الحقوق.
المسألة الأخرى، لماذا التأكيد الإسلامي في الشريعة على هذه الواجبات، التي تقع على الآباء أولا، وعلى المجتمع، وعلى الحاكم الشرعي، لأنه كثيرة هي التجاوزات التي قد تحصل على الأطفال أو على الأبناء بالتحديد، هنالك مخالفات على مستوى التشريع وعلى مستوى الشريعة الإسلامية، وقد يكون ضحيته الأبناء.
منها سوء التربية، وسوء المعاملة، والاستغلال، والعنف ضد الأطفال وما شاكل ذلك، وكل واحدة من هذه المفردات وجدنا أن القرآن الكريم ينهى عنها، في آية معينة، فيما يخص التربية أو سوء المعاملة، أو ما يخص غيرها كالعنف مثلا، وكذلك السنة النبوية الشريفة.
في التشريع العراقي، أيضا نجد أن حقوق الأبناء وجدت لها مساحة كبيرة، في التشريعات العراقية، بدءا من الدستور العراقي الذي يشير في المادة 29 إلى أن الأسرة أساس المجتمع، تحافظ الدولة على قيمها، وكيانها، وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية.
ومن واجب الدولة أيضا المحافظة على الأمومة، والطفولة، وهنا يشير المشرع الدستوري إلى الطفولة، وأن المحافظة عليها هي من واجبات الدولة، وكذلك في البند الثاني من المادة 30، يشير المشرع العراقي إلى مسألة أنه حقوق الأبناء على الوالدين في الرعاية والتربية وكذلك هناك حقوق للآباء على الأبناء بالرعاية، ويشير لها المشرع الدستوري أيضا في هذه الفقرة.
المشرع العادي أيضا أشار إلى رعاية الأبناء، وهناك حيز كبير للأبناء وجد في التشريعات العراقية، بدءا من قانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959، ومرورا بكثير من التشريعات التي تخص الأطفال، لعل أبرزها مصادقة العراق في عام 1994 على اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، التي صادق عليها العراق وتحفّظ على فقرة خاصة بقضية دين الأطفال. أما بقية الأشياء فقط صادق عليها.
وهي تتعلق بحقوق الطفل وتربيته وحرية الرأي وحرية التعبير وتلقي المعلومات والتنشئة وغيرها من الحقوق الكثيرة التي لها مصاديق في إعلانات حقوق الإنسان والوثائق الدولية الأخرى التي تتعلق بحماية حقوق الأطفال أو بحقوق الأبناء بشكل عام.
أثير جدل كبير حول مسألة الحضانة مثلا في حالة فقدان الأب وما شاكل ذلك، مثلا المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية تشكل ميدان جدل لدى الفقه، في حالة الفرقة بين الأب والأم لمن تكون الحضانة للأم أو للأب، ومتى تقط حضانة الأم، متى تبدأ حضانة الأب، في عمر 15 أو أقل، وهكذا ولا نزال نسمع أو نرى بأم العين كثيرا من الإشكاليات التي تتعلق بالمادة 57 وسواها من القوانين الخاصة.
قانون رعاية الأحداث أيضا كان له الدور الكبير في تنشئة الحماية القانونية للأحداث، وكذلك قانون الحماية الاجتماعية، رقم 11 لسنة 2014، أشار إلى فئة من الفئات التي يمكن أن توف لها الحماية، وهي فئة الأبناء أو الصغار بشكل عام.
لما نعود إلى أصل الفكرة وهي حقوق الأبناء، نقول ما هي الحقوق التي يمكن أن يتم الاعتراف بها للأبناء، على مستوى الشريعة الإسلامية وعلى مستوى القانون، هنالك العديد من الحقوق بدءا بحقهم بالحياة، ومرورا بالحقوق المرتبطة أو المتفرعة من هذا الحق، منها على سبيل المثال حقهم في التعليم، وحقهم بالجوانب الثقافية أو ما تسمى اليوم بالهوية الثقافية، التي يمكن أن يتمتعوا بها.
والتي تتفرع منها العديد من الحقوق الثقافية، والحضارية وما شاكل ذلك، حقهم في الحرية، لاسيما حرية الرأي والتعبير، والاعتقاد، وحقهم في الرعاية أو الحضانة وما شاكل ذلك، وهنا نأخذ أمثلة مبسطة عن هذه الحماية الشرعية أو القانونية، مثال على حقهم بالحياة.
أشرنا للآية الكريمة التي تحرم قتل الأبناء، خشية إملاق أو غيرها، وكذلك الآية التي تحرم وأد البنات بالنسبة لبعض الثقافات التي كانت موجودة قبل الإسلام، وفي ذلك دليل قاطع على تحريم القتل أو الاعتداء على الطفل، أيا كان مصدر هذا الاعتداء، لاسيما إذا كان من قبل الأولاد.
كذلك المشرع العراقي في قانون العقوبات العراقي، لم يميز بين القتيل إذا كان كبيرا أو صغيرا، وإنما عاقب القاتل سواء كان من الآباء أو غيرهم، نعم هناك نوع من التخفيف إذا كان ذلك في ظروف معينة بموجب أحكام المادة 405، كذلك حقهم بسلامة الجسد، وعدم الاعتداء عليهم بأي صورة من الصور.
لذلك نجد أن المشرع العراقي، وكذلك الشريعة الإسلامية تحرم العدوان على شرف الابن، والمشرع العراقي يجعل ذلك ظرفا مشددا، يرفع بالعقوبة إلى الإعدام، إذا كان المعتدي على شرف الطفل هو أحد أصوله، وهذا ما ورد في المادة 393 من قانون العقوبات، وغيرها من العقوبات التي تحمي أو تصون حقوق الابن أو الأطفال بشكل عام.
بهذا نجد أن هناك حماية، سواء من قبل الشريعة الإسلامية أو من قبل القوانين بمختلف مسمياتها ومستوياتها، لحقوق الأبناء.
نأتي إلى الآثار التي تترتب على هذه التشريعات التي أقرتها الشريعة السماوية أو التي أقرتها القوانين الوضعية، سواء في العراق أو في سواه، لاسيما إننا نتكلم عن توفير جو آمن لحياة هؤلاء الأبناء أو الأطفال بشكل عام، من قبل الوالدين، هذا الجو ممكن أن يخلق إنسانا إيجابيا إذا وفرنا هذه الحماية والأسس القانونية والشرعية التي تحرم العدوان عليهم، فنحن وفرنا بيئة صالحة لنشأة إنسان إيجابي.
باعتبار أن معاناة الابن بالتحديد في أي حال من الأحوال، بالعدوان عليه سواء كان العدوان ماديا أو معنويا، هذا لن يسمح بتنشئة هذا الطفل وتربيته ونشأته كإنسان تنشئة سليمة مثلا، كعقلية سليمة، وإنما سينعكس هذا العدوان سواء كان ماديا أو معنويا على تنشئة هذا الطفل، ولعله ينشأ وهو يعاني من مشكلات نفسية أو مشكلات جسدية تنعكس عليه.
وربما يكون في المستقبل عالة على هذا المجتمع، الجانب الآخر هنا عندنا فئة من الأبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة، هؤلاء لابد من توفير حماية مشددة لهم، سواء على مستوى الشرع المقدس أو على مستوى القانون، وتكون مسؤولية حمايته ورعايتهم لا تقع على مستوى الآباء والأسرة فقط، وإنما يكون من مسؤولية الدولة أيضا.
لذا فإن الدولة اليوم أو المؤسسات الرسمية في البلد، تحرص كل الحرص على ان توفر بيئة آمنة لهذا النمط من الأبناء، لذلك حينما نقول أن هناك حماية مباشرة، فما أشرنا إليه هو الحماية المباشرة، ولكن هناك حماية غير مباشرة لا تقل أهمية عن الحماية المباشرة، كيف؟
الآن الخطر الأعظم على الأبناء هو الفقر، فقر الآباء، وفقر العوائل والعوز الذي تعيشه بعض الأسر، لأن هذه الآفة بالتحديد ستنعكس على الأبناء أيما انعكاس، وتجعل هؤلاء خطرا على المجتمع أكثر، لما ينشأ في حالة من العوز، وفي حلة من الحرمان.
لذلك لما نعود إلى الدستور العراقي ونجد أن الدولة العراقية ملزمة بموجب المادة 25 بأن تصلح الاقتصاد العراقي، وفق أسس اقتصادية حديثة، ذات حماية للأولاد وحماية للمجتمع، لأن هناك إلزام للدولة بأن تحمي المجتمع أو تحمي الاقتصاد العراقي من التقلبات الاقتصادية، وأن تبني هذا الاقتصاد على نحو جيد.
هناك حماية أخرى غير مباشرة، نجدها في المادتين 29 و 30. لما يتحدث المشرع العراقي في المادة 30 عن أن الدولة تلتزم بتوفير الضمان الاجتماعي والضمان الصحي للعراقيين وبخاصة للمرأة والطفل، في هذه النقطة نجد حماية للأبناء نعم هي غير مباشرة لكنها مؤثرة جدا في مستقبل الأبناء وفي بناء شخصيتهم وأجسادهم ونفسياتهم.
وبالتالي نحن إذا وفرنها هذه الأجواء والبيئات، سوف نحصل في المستقبل على جيل أفضل ممكن أن ينهض بالبلد، وينهض بالمهام التي تلقى على أبناء هذا المجتمع في المستقبل، لذلك لما قلنا بأن التربية والإنفاق من أهم وأجلى صور حقوق الأبناء على الآباء.
نقول نعم بالفعل إن هذين الحقين من أهم الحقوق للأبناء على الآباء لأن هذه التربية من الممكن أن تُخرج لنا إنسانا إيجابيا يخلو من العقد ومن الآثار السلبية التي تقود مستقبلا لآفات كثيرة تفتك بالمجتمع ومكوناته.
للاستزادة نطرح السؤالين التاليين لإدراج مداخلاتكم في هذا الموضوع:
السؤال الاول: ما الأسباب التي أدت إلى تراجع حقوق الأبناء على نحو خطير في العراق؟
السؤال الثاني: ما السبيل إلى صيانة حقوق الأبناء من قبل الأسرة والمجتمع؟
المداخلات
صناديق مقفلة
الدكتور حميد مسلم الطرفي؛ مدير منظمة الهلال الأحمر سابقا:
تمنيت لو كان العنوان مخصصاً للأبناء الأطفال وليس عامة الأبناء فالأبناء الكبار قد لا تكون مسؤولية الآباء مهمة اتجاههم في هذا الظرف قدر مسؤولية الأبناء اتجاه الآباء.
رعاية الأطفال وتربيتهم وحسن معاملتهم من قبل الآباء فيها مشكلة كبيرة بعموم منطقة الشرق الأوسط أو لنقل دول العالم الثالث وإذا كان الغرب قد تجاوز هذه المشكلة بقدر كبير فهو بسبب القوانين شديدة الصرامة اتجاه العرائس التي لا تحسن التعامل مع الأطفال وقد وصل الأمر حد المبالغة ربما كما يصلنا بين الحين والآخر من سحب الشرطة وبالقوة الأطفال من آبائهم وأمهاتهم لورود معلومات حول سوء معاملة الأطفال من قبل ذويهم.
في العراق المنظومة القانونية والقواعد الأخلاقية متوفرة من أجل بيئة أفضل للأطفال، ولكن هناك فجوة لم يعالجها القانون في كيفية التطبيق أو وصول المعلومة للجهات المختصة حول وجود الانتهاكات بحق الأطفال والسبب في ذلك الخصوصية التي تمتاز بها العائلة في العراق فهي صناديق مقفلة من جهة وضعف الطفل وقصوره عن التبليغ، وإذا كان الرسول أوصى بالضعيفين المرأة واليتيم فإن الضعيف الثالث الطفل سواء يتيما أو لا.
وجود الشرطة الأسرية خطوة جيدة ولكنها تحتاج لمزيد من الدعم ومزيد من الصلاحيات للتحري لغرض الوصول إلى الأطفال المعنفين أو الذين لا يتلقون التربية الحسنة أو العناية المطلوبة.
ما ظهر في الآونة الأخيرة من أطفال معنفين بشكل يندى له الجبين يستدعي إعطاء مثل هذه الصلاحيات للشرطة وللمختارين ولكل أجهزة الضبط القضائي ناهيك عن تشجيع الأطفال في المدارس لكي يبثوا همومهم أو شكاويهم من سوء المعاملة التي يتلقونها في منازلهم، وان لا تكون الخصوصية على حساب انتهاك حقوق الأطفال في الأسر المتهتكة.
أهمية تعليم الشعب
الباحث صادق الطائي:
وجود نسبة كبيرة من الأمية في المجتمع العراقي وترك الأطفال والبالغين للدراسة والذهاب للعمل اليدوي، والابتعاد الكلي عن العلم والتعليم والتصرف بجهل تام.
أمريكا تريد شعبا جاهلا ويحتاج للمعسكر الغربي في كل شيء في الإنتاج والتصدير والتنقيب والتعليم، وتذكر الإخبار ان عمليات اغتيال العقول العراقية (دكاترة وأساتذة جامعات ومجموعة من الكوادر العلمية النادرة) كان من أول عمليتها وزرع حالات الخوف كي يهرب الدكاترة إلى أوروبا أو الدول القريبة.
المشكلة حتى الحكومات العراقية المنتخبة لم تستطيع حل هذه المشكلة لحد الان.
الإجابة عن السؤال الأول: المثل الصيني يقول إذا أردت ان تتقدم مئة عام إلى أمام عليك بتعّليم الشعب، اعتقد تراجع حقوق الأبناء بشكل خطير في العراق هو (التعليم) الأبناء إذا درسوا وتعلموا تخرجوا بلا شك سوف تتحقق العدالة، وبناء المجتمع الصالح الذي لا يقبل بالمستعمر ويكون واعيا ودقيقا بألاعيب القوى الغربية عكس حالة التشدد والجهل وعدم الاستعداد، يذكرون عن وضع الطبقة التعليمية في سنغافورة كانت من أتعس الطبقات وتحولت بعد الالتفات نحو التعليم ونشره في المجتمع إلى أرقى فئة في المجتمع ماديا، وكذلك يذكر ان الإمبراطور الياباني قال ان المعلم سوف نعطيه جوازا دبلوماسيا، هذا يدلل على ان هناك احترام وتقدير وعرفان بحق الأسرة التعلمية في البلد.
الإجابة عن السؤال الثاني: اعتقد توجد صيانة وسبل لتحقيق ونيل كل الحقوق الضائعة للأبناء والأسرة العراقية يكون بالتركيز على التعليم واحترام المدرس والمدرسة، صحيح العراق عاش ظروفا استثنائية وويل مستمر من اعتقالات وإعدامات واحتقار لمهنة التدريس، تركت جيلا كاملا بدون أب وأسر ترعى الأبناء وتدعوهم لتكميل تعليمهم ورفد المجتمع، بطاقات وطنية ترعى مصلحة الوطن، ألان نحن بظروف أقل قساوة من السابق وأمامنا فرصة نشر التعليم والتعلّم والانعتاق نحو المستقبل.
حماية الأجيال القادمة
الدكتور صلاح البصيصي؛ باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
هذه الورقة تعالج شريحة مهمة من شرائح المجتمع، ولا شك أنها جيل المستقبل، فمثلما نفكر في الجيل الحالي، كذلك علينا أن نفكر في الجيل القادم، وتوجد العديد من النصوص الدستورية والقانونية، باعتباري رجل قانون وأشير إلى أهمية حماية الأجيال القادمة وليس الأجيال الحالية فقط،
فواحدة من أهم حقوق الأبناء طرحها الدكتور الباحث في ورقته هذه، وهي حق التربية والرعاية والتعليم، وهذا في الحقيقة نص دستوري موجود في المادة 29 من الدستور، والمشكلة التي نجابهها نحن في العراق، أن هناك الكثير من النصوص الدستورية تحتاج إلى قوانين، فنحن نعرف أن الدستور ينص على القواعد الكلية، فدائما النص الدستوري يحتوي على عبارات عامة واسعة.
المشكلة لدينا في العراق، لحد آخر إحصائية وجدت أكثر من 2000 قانون أو نص في الدستور تقريبا غير مفصّل، فالأمور متروكة لنصوص عامة وهذه النصوص العامة لا تغطي التفاصيل، من الضرورة بمكان مثل هذا النص الدستوري، الذي ينص أنه على الوالدين حق التربية، والرعاية والتعليم.
نحن في فترة من الفترات في كلية القانون في جامعة كربلاء، أخذت على عاتقها بنشر الثقافة القانونية في المدارس والاعداديات، في وقت المرحوم الدكتور عباس الحسيني نقيم دورات تثقيفية في القانون.
عندما كنا نذهب إلى المدارس، إحدى الطالبات في المرحلة المتوسطة رفعت يدها وقالت: حضراتكم تقولون في الدستور أن على الوالدين التربية والتعليم والرعاية. طبعا بالمقابل على الابن الاحترام والرعاية عندما يكبر الوالدان، فتساءلت الطالبة قائلة: ما هو جزاء الابن الذي يمنع ابنه من الذهاب إلى المدرسة، وما هو جزاء الأب الذي يجبر ابنه على العمل وسنّه صغير دون سن العمل؟ بسبب ضيق العيش مثلا.
في الحقيقة هذه مشكلة يعاني منها العراقيون، يعني النص الدستوري ذكر القاعدة، مثلا لنأخذ قانون الأسرة وقانون رعاية الأبناء وقانون الطفل، كان عليه أن يذكر هذه التفصيلات، وقد ذكر الباحث أن سبب عدم إكمال الأطفال للتعليم سبب اقتصادي، ولكن أغلب النصوص التي ذكرها الباحث تكفلها الدولة، لكن علينا أن لا نحصر المسؤولية بالأب فقط، وإنما مسؤولية الأبوين، فالأم عليها مسؤولية أكبر خاصة في مرحلة الطفولة حيث تكون الأم أقرب للطفل من الأب.
أما قضية ما هو السبيل لصيانة حقوق الأبناء، فيجب ان تكون هناك قوانين خاصة وليس هذه القوانين العامة مثل، قانون الأحوال الشخصية، أو قانون العقوبات، هذه القوانين تعالج قضايا وأشياء عامة، نحن إزاء قانون خاص يفصل هذه المسائل، مسألة الرعاية، مسألة الإنفاق، مسألة التعليم، وما هو الحل في حالة عجز الأب أو الأم عن الصرف على الابن؟
يجب أن يؤسس القانون إلى إنشاء صناديق للضمان الصحي، والضمان الاجتماعي، والحقيقة هذه القضايا أيضا موجودة في الدستور، لأننا حتى الآن نراها نصوصا قانونية فقط، ولم تتحول إلى واقع عملي، أو لم يتم العمل على إيجاد المؤسسات التي تقوم بهذا العمل.
النص يقول ترعى الدولة النشء والشباب، حتى أننا أحيانا ننتقد وزارة الرياضة والشباب، فنقول إنها تركز على الرياضة وتهمل الشباب، في حين هي وزارة من شقين، ويفترض أن يكون الاهتمام كبير بشريحة الشباب المهمة، وأعود فأقول هم جيل المستقبل، فكلما كان البناء قويا يكون المستقبل أفضل إن شاء الله، وأذكر هنا البيت الشعري ومضمونه: إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا تلين. فلابد أن يكون البناء صحيح، وبالتالي تكون النتائج صحيحة.
الأبناء بين سلبيات وإيجابيات الحياة
الدكتور خالد العرداوي؛ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
نلاحظ أننا كلما تطرقنا إلى موضوع معين، عندما نركز عليه سنجد أن هذا الموضوع مهم في ذاته، ويحمل مخاطر وتهديدات كثيرة، وبالتالي حقوق كثيرة أيضا، لأنه يبدو أن مشاكلنا وأزماتنا التي نعيشها مترابطة مع بعضها، وسوف أركز هنا على الأسباب التي جعلت حقوق الأبناء تتراجع بشكل خطير بل وخطير للغاية في المجتمع العراقي.
لقد وضعت عدة أسباب، وهي:
السبب الأول: وجود مؤثرات ثقافية سلبية، حيث توجد في الوقت الحاضر مؤثرات سلبية تؤثر على المجتمع، وتزاحم الأسرة في تربية الأبناء وفي تأهيل الآباء، لذلك نلاحظ أن السوشيال ميديا بمختلف أشكالها، أحيانا تعطي صورة زائفة عن دور الأب والأم في بناء الأسرة، وقد وصل الأمر كما نلاحظ ذلك في تطبيقات (التيك توك) وغيره، أن بعض الآباء أحيانا يتاجرون بزوجاتهم وأبنائهم. وهذه الأفعال مخالفة للقانون، كونها ليست صحيحة.
السبب الثاني: عدم أهلية الآباء، كثير من الآباء غير مؤهل لتكوين أسرة، نعم الأسرة والزواج هو حق من حقوق الإنسان، ولكن بشرط حتى يتمتع الإنسان بهذا الحق لابد أن يكون مؤهلا له، فنحن نلاحظ أن كثير من الآباء والأمهات غير مؤهلين لهذا الغرض، والأسباب كثيرة منها زواج القاصرات، التخلف الثقافي، الفوارق الطبقية، ولكن عدم الأهلية أين تنعكس؟، تنعكس بشكل أساسي على الأسرة وخصوصا على الأبناء، فيكون الأبناء ضحية عدم أهلية الآباء.
السبب الثالث: صعوبات الحياة، حيث أصبحت الحياة اليوم صعبة، في الوقت الحاضر، وبالنتيجة نلاحظ أن الآباء منشغلين طول الوقت لتوفير الحياة الكريمة لأبنائهم، ولكن يتم هذا على حساب تربيتهم التربية الحسنة، فنلاحظ الأب مشغول من الصباح حتى المساء لكي يوفر المواد الاقتصادية لعائلته.
لكنه ينسى أن أبناءه يحتاجون إلى جزء من وقته حتى يعلمهم ويثقفهم ويوجههم ويبين سلبيات وإيجابيات الحياة. لذا اعتقد أن صعوبة الحياة، انعكست سلبا على حقوق الأبناء.
السبب الثالث: دور الدولة، وقد أشار إلى ذلك الدكتور صلاح وأغناني عن هذا الموضوع، ولكن فقط دور الدولة في الجانب القانوني، بمعنى نحن اليوم لا نعاني من نقص في المنظومة القانونية فقط، فيما يتعلق بحقوق الأبناء، وإنما نجد أن الدولة حاليا، تخلت عن مسؤوليتها في مساعدة الأسرة على تربية أبنائها بشكل جيد، وعلى إيجاد الاستراتيجيات المناسبة لهذه التربية.
لذلك فإن الدولة تتحمل أيضا المسؤولية، ونلاحظ اليوم هذا الفساد الذي تعاني منه مؤسسات الدولة، وضعف الاستراتيجيات الداعمة لبناء الأسرة، تشكل خطرا على حقوق الأبناء.
السبب الرابع: التطرف الفكري والسلوكي، نلاحظ هناك تطرفا فكريا وسلوكيا، في المجتمع، وانعكس سلبا على قضية الأبناء، حيث يتأثر الأبناء بهذا التطرف الفكري والسلوكي، في حياتهم، وحتى حين نتكلم عن المنظومة القانونية، نلاحظ أن المجتمع العراقي، نلاحظ أننا بمجرد أن نتكلم عن كيان المرأة والطفل، يقول بعضهم إننا نعيش في مجتمع إسلامي.
ولكن هل أنت تعيش اليوم في مجتمع مثالي، أم أنه مجتمع غارق في انهيار المنظومة القيمية والمنظومة الأخلاقية، ومثل مجتمعنا هذا لابد أننا نحتاج إلى قوانين تحمي حقوق الفئات الهشة والضعيفة، مثل الأطفال والنساء.
فحين يتناول الكلام هذا الموضوع نلاحظ وجود تطرف في التعامل في منظومات هذه القوانين، ولذلك هذا الأمر أثرّ عليها سلبا.
السبب الخامس: انتشار المخدرات، وانتشار عصابات الجريمة المنظمة، المشكلة أن تعاطي المخدرات انتشر بشكل كبير، وهؤلاء المتعاطون أنفسهم بعضهم آباء وأمهات، فكيف للمتعاطي الذي يقع تحت وطأة العصابات المنظمة أن يحافظ على حقوق أبنائه، أعتقد أن هذا ألمر سوف يخلق لنا مشكلة.
السبب السادس: التأثير السلبي للعادات والتقاليد السلبية، ونقصد بها هذه الثقافة القلبية التي نتعايش معها، هذه الثقافة لا تهتم بحقوق الأطفال، ولذلك نلاحظ في كثير من المناسبات يكون الضحية بسبب هذه الثقافة هو الطفل، فنلاحظ أحيانا يُقتل الأطفال، لأن الثقافة القبلية مبنية على الثأر والانتقام، ونلاحظ تفرق العوائل لأن الثقافة القبلية لا تؤمن بالحفاظ على الأطفال في ظل المشاكل العائلية.
اعتقد أن الجانب السلبي من الثقافة التقليدية يؤثر على حقوق الأطفال، نعم هناك جوانب إيجابية، ولكن هناك تأثيرات للجانب السلبي منها أيضا.
اخير أعتقد أن هناك تأثيرا سلبيا للحروب والنزاعات، والاضطرابات السياسية والأمنية، نلاحظ مثلا إرهاب داعش، ماذا فعل، مئات الأطفال من العراقيين تعرضوا لهدر الحقوق، حتى الآباء الذين استشهدوا فالابن يريد العيش أيضا، وأعتقد أن هذه العوامل مع بعضها تشكل تهديدا كبيرا لحقوق الأطفال، والأبناء في مجتمعنا العراقي.
إما كيف نعالج هذه الأمور، فاعتقد حينما نعالج الأسباب فإننا سوف نبني أجيالا صالحة، أما إذا بقيت الأسباب كما هي، بسبب المعالجات الضعيفة وغير المجدية فلا جدوى من ذلك، لأن هنالك عيبا موجودا في منظومتنا القانونية في التعامل مع قضية حقوق الأبناء، أليس الدستور يكفل العيش الكريم للمواطن، طيب ماذا نقول عن 25% من العراقيين بلا سكن؟، لذا اعتقد يوجد عيب كبير في منظومتنا القانونية.
ازدهار الثقافة المادية على حساب القيم
الأستاذ حامد عبد الحسين؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
في تقديري هنالك ثلاثة أسباب هي:
أولا: العامل الثقافي، ثانيا: العامل الاقتصادي، ثالثا: العامل القانوني.
العامل الثقافي يتعلق بالثقافة المادية، نلاحظ ذلك على المستوى العالمي والمستوى المحلي، حيث تزدهر وتتوسع الثقافية المادية على حساب ثقافة القيم، اليوم نلاحظ أن القيم في حالة تراجع غريب وعجيب، فعندما نتكلم حتى مع الشباب وليس مع الأطفال، عن موضوع قيمي يسخر ويستهزئ بالأمر، فهناك استغراب كبير عندما نتحدث عن القيم.
لذا فإن صعود عوامل الثقافة المادي، أصبح يتفّه القيم وقد انعكس ذلك على الأطفال من حيث التربية والتعليم، والعامل الثقافي يحتوي على جانبين هما صعود ثقافة المادة على حساب القيم، والعامل الثاني هو العامل الاجتماعي الذي يتعلق بالعادات والتقاليد.
فالإنسان الأكبر لابد أن نكن له الاحترام وهذا حق محفوظ له لكن يجب أن لا يتعسف باستخدام هذا الحق، لذا نلاحظ أن الطفل والشاب لا يأخذ حريته على مستوى كلامه أو فكرته، ودائما هو على خطأ، لماذا؟، لنه هو الأصغر، بينما يفترض أن يكون له الحق بطرح رأيه أو فكرته ويتم التعامل معها باحترام واهتمام من قبل الجميع لكن هذا الشيء غير موجود في مجتمعنا اليوم، هذا عامل ثقافي اجتماعي ينعكس على دور الشباب والأطفال.
العامل الثاني هو الاقتصادي وقد أشرت له بأنه دائما له دور باتجاه تقليل الحالة المادية وانعكاسها على مستوى التربية، حيث نلاحظ أن العوائل التي تعاني من عوز مادي تدفع بأطفالها إلى الشارع من أجل توفير لقمة العيش وهذا ينعكس على مسألة حقوق الأبناء في التربية.
العامل القانوني هو أيضا يتمثل بعدم وجود قانون رادع باتجاه حماية وتربية الأطفال، خصوصا مسألة العنف، لو هناك اليوم نوع من الحرية، وهنا دوافع عملية باتجاه معرفة حجم العنف الذي يتلقاه الأطفال، أتوقع خروج تقارير عجيبة حول هذا الموضوع، وهذا ما تركز عليه الأمم المتحدة، خصوصا ما يتعلق بزواج الأطفال، فهناك نسبة تقول بأن 25% من زواج النساء هو تحت 18 سنة.
وأختم كلامي بسؤال يتعلق بالتربية والتعليم وبالذات بالتربية: على مستوى أو مسألة الدرس الديني، درس الإسلامية، فهل من الممكن أن يكون هناك نوع من الحرية بأن يتعلم الشخص كل الأديان، وهل من حقه اختيار الدين الذي يريده؟، فهل له حق الاختيار في ذلك؟
مخرجات التربية الارتجالية والعشوائية
الشيخ مرتضى معاش:
هناك شيء مهم تم طرحه في آخر الورقة، وهو يتعلق بتأثير التربية على صناعة الإنسان، يعني يمكن أن يكون الإنسان معاق نفسيا واجتماعيا وثقافيا وفكريا، نتيجة للتربية السيئة، ويمكن ان يكون على العكس من ذلك.
أتصوّر أن التربية هي أهم عامل أساسي في عملية التغيير بالإصلاح الذي يحتاجه المجتمع، فكل التخلف الموجود في المجتمع هو نتيجة لسوء التربية، أو لفقدان التربية، أو لإهمال التربية، بالنسبة إلى موضوع حقوق الأبناء هو أعم من أن يكون ابن الإنسان، بل هو ابن المجتمع، أبناء الدولة. ونفس الإنسان الذي له ابن، هو أيضا ابن، فهي مسؤولية عامة مشتركة.
الإمام السجاد (عليه السلام) طرح هذه القضية بهذا العنوان، وأجاب عن الكثير من المشكلات في هذا المجال، لكن المشكلة الأساسية التي نفقدها تتمثل بغياب مفهوم التربية المخطط لها، وفقدان التربية المفهومة، أو التربية التي توجد فيها قواعد وأسس، وليس التربية الارتجالية، أو التربية العشوائية.
ما يحصل عليه الإنسان اليوم هي تربية عشوائية، بلا خطط ولا أفكار، بل كل أب هو يربي أبناءه على ضوء الأفكار الخاصة، في بعض الأحيان يتربى الإنسان على ما تربّى عليه أبوه، فالإنسان لا يتربى على التطرف، لأن التطرف هو رد فعل للتربية التي نشأ عليها.
لذا نلاحظ في بعض الأحيان يكون الأب بخيلا، فيصبح الابن عكس أبيه ويكون ضد البخل بشدة، يعني يكون عنده تطرف في عملية الإسراف والتبذير، والتطرف في مجالات أخرى أيضا، مثلا إجبار الابن على الأمور الدينية، فنراه ينشأ متطرفا ضد الدين، أو ينشأ متطرفا في قضية الدين، فالتطرف هو نتيجة للتربية المتطرفة.
المشكلة في قضية التربية العشوائية، أنها تكون بين إفراط وتفريط، فلا توجد لدينا رؤية واضحة عن مفهوم التربية، فما هو المراد وما هي المخرجات لصناعة هذا الإنسان، فتلاحظ وجود إفراط في عملية التسلط على هذا الإنسان الذي يعد مجرد تابع للأب، أو تابع للمجتمع، أو تابع للدولة، فهناك نوع من التفريط الكبير بحيث يصل إلى مرحلة الإهمال.
فلا يشعر هذا الإنسان بأنه منتمٍ ومرتبط بهذا الأب أو بهذه الأسرة أو بهذا المجتمع، فيكون بين إفراط وتفريط، وهذه دلالة على عدم وجود رؤية واضحة لإستراتيجية التربية، استراتيجية الأسرة والمجتمع، والمدرسة، وبشكل علم في الدولة كلها.
الإمام السجاد (عليه السلام) طرح هذه القضية في مكانين، (وأما حق ولدك)، و(وأما حق الصغير) فطرح الموضوع في فقرتين، الفرق بين ولدك، وهو يعني (ابنك أنت)، وحق الصغير من ناحية أعم، فمثلا أنت معلم تتعامل مع الطفل الصغير، المجتمع أيضا يتعامل مع الطفل الصغير، فهو أقل منك عمرا وتجربة، فكيف تتعامل معه، بالنتيجة هما يشتركان معا سواء كان (ولدك) أو (الصغير).
نلاحظ هنا أن حق ولدك (فتعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره)، معنى هذا أنه ينتسب لك، وليس معنى ذلك أنك تملكه، هناك نسبة معينة، لا تمتلكه، ولا يستقل عنك بشكل كامل، لأنه هناك ارتباط وثيق بينهما، لا يؤدي إلى تبعية مطلقة، ولا يؤدي بالنتيجة إلى استقلال كامل.
فعمل هذا الأب وعمل الابن يرتبط بأعمال الدنيا، بالشر وبالخير كله، (وإنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب) الأدب كلمة قوية جدا في التربية، فالأدب لا تعني تربية الابن على الأمور البسيطة فقط، وإنما تعني التربية الثقافية، التربية الأخلاقية، التربية السلوكية، التأديب بمعنى منظومة مشتركة متكاملة من القيم، يتربى عليها الإنسان.
ولا يعني التأديب الضرب، وهذا أحد الأمور المتوارثة، في المجتمعات بأن التأديب يعني الضرب، والصراخ، والسب والشتم، والعنف اللفظي والجسدي، هذه هي الثقافة التقليدية، أما (لفظ الدلالة على ربه) فلا يعني أنه وصي عليه في اختيار أفكاره وثقافته، وإنما هو دليل، الله سبحانه وتعالى أرسل للأنبياء والأئمة عليهم السلام كدليل وكطريق لنا في الذهاب نحو الطريق المستقيم.
كذلك الأب هو دليل للابناء للسير في طريق الله (والمعونة تعلو على طاعته فيك)، المعونة تعني المساعدة، الإرشاد والمساعدة في الطاعة، ولا يعني ذلك القسر، (كمثاب على ذلك ومعاقب) يعني مثلما يعمل الابن أي شيء من خير وشر، الأب يحصل على نفس النتيجة، لأنه هو المسؤول، وهو الذي أدخل ابنه في هذا الطريق.
(فاعمل مؤتمرا بأمره عملا بحسن أثره عليك)، هذا هو معنى الأدب، النتيجة، والغاية التي حصل عليها الإنسان (بحسن أثره في عاجل الدنيا المنصرف إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام). ويوجد كلام كثير حول هذا الموضوع ولكنني أنتقل إلى الفقرة الثانية:
(أما حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فإن سبب للتوبة، والمدارة له)، يعني عملية التوجيه والإرشاد، تعني أنه لا تعاقب الابن على أخطاءه وإنما وجهه، وأرشده للطريق السليم، لأن العقاب يؤدي إلى ردة فعل التي تتحول إلى تطرف عند هذا الابن أو الإنسان، فأي إنسان يُضرب أو يعاقب بالنتيجة يؤدي هذا إلى أن يكون متمسكا جدا بالخطأ الذي ارتكبه.
أما إذا عاملتهُ بمداراة وبحسن تعامل وباللين، فإن هذا يؤدي إلى توبته بحق، وإلى الاعتراف بأخطائه ورجوعه إلى الطريق الصحيح.
(وترك مماحكته، فإن ذلك أدنى لرشده) فهذا الجدل الذي تلاحظونه في داخل العوائل بين الأبناء والآباء، هذه هي المماحكة وهذا هو الجدال العنيف، وهذا كله يؤدي إلى تصغير هذا الإنسان، ومن ثم إلى اختلال في النمو الاجتماعي، وفي النمو العقلي، بينما إذا دخل الإنسان في حوار عقلاني (فإن ذلك أدنى لرشده). يعني أن الإنسان يرشد بالحوار العقلاني الموضوعي الطبيعي.
الإمام علي (عليه السلام) رواية جميلة جدا أريد أن أذكرها هنا، حتى نعرف ما هو المنهج الذي وضعه لنا أهل البيت، وهو في الواقع منهج بنيوي أساسي، على ضوئه يكون لدينا مشروع متكامل للتربية، فيقول الإمام في وصيته لابنه الحسن (عليهما السلام):
(وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته)، فعندما نرسل أبناءنا إلى المدارس، وعندما يلعب أبناؤنا في الشوارع فهي أرض خالية، فكل شيء موجود في الخارج يدخل في قلبه، ويدخل في نفسه (فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك) يعني يحتاج هذا الأمر إلى رؤية، إلى مشروع استراتيجي للتربية المباشرة.
أن أضع مشروعا متكاملا لتربية الأولاد، تربية حقيقية قائمة على قناعة وطاعة في إطار الاقتناع، وليس طاعة في إطار الإكراه. (قبل أن يقسو قلبك ويشغل لبك) لأن الإنسان كلما يكبر يتطور ويتطور ويصل إلى عمر معين، سوف يُقفَل قلبه ولا يستقبل أي شيء، ولا يمكن تغييره بسهولة.
(لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته)، بمعنى لا ترمِ ابنك في وسط التجارب، لأن هذه التجارب غير معلومة، فهناك أصدقاء السوء، وشبكات التواصل الاجتماعي، هذه هي التغذية السلبية السيئة، التغذية القويمة هي المعرفية، فلابد للأب أن يحتوي ويرعى ابنه حتى يستطيع الدخول في مشروع ناجح في الحياة.
النقطة الأساسية المهمة، أن نعلم أبناءنا على طاعة الله سبحانه وتعالى، والابتعاد عن المعاصي، نلاحظ اليوم عندما يصبح عمر الابن 14 سنة يبدأ الدخول في مرحلة سيئة من التعاطي مع أصدقاء السوء، وقد يذهب وراء المخدرات، وبعض الانحرافات الأخلاقية، والسبب في ذلك ان الأب لم يعمل على ابنه في عملية الطاعة لله سبحانه وتعالى.
الالتزام بالعبادات، الصلاة والصوم، ولم يعمل على تجنيبه المعاصي، بل أنه بالعكس في أوقات معينة شجعه على المعاصي، وهو لا يعرف بأن هذا التشجيع أين سيوصل ابنه؟، أتذكر في المدرسة هناك طالب كان يدخن السجائر وكان عمره 15 سنة حتى أسنانه أصبحت في وقتها سوداء، فقال هذا الطالب إن أبي علمني على التدخين منذ كان عمري 8 سنوات.
لذا فإن الاستهانة بالمعاصي والذنوب توصل الإنسان إلى مخاطر كبيرة جدا في حياته، لأن الذنوب هي أخطاء قاتلة إذا استهان بها الإنسان، لذا مطلوب مشروع وقاية للإنسان، هناك رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) وأختم بها:
(لما نزلت هذه الآية، يا ايها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا، قال الناس: كيف نقي أنفسنا وأهلنا، قال: اعملوا الخير وذكروا به أهليكم وأدّبوهم على طاعة الله)، لأن التأديب على طاعة الله هو الوقاية الكاملة والتقوى الكاملة لبناء الإنسان الصالح، وإلا إذا كان الإنسان جزء منه يطيع الله والجزء الآخر لا يطيع الله، بالنتيجة هذا طريق نحو الانحراف.
دور الأسرة والمؤسسة التعليمية
الأستاذ محمد علاء الصافي؛ باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
إن تراجع الحقوق سببه التراجع في مؤسستين، وهي التي تغذي الأبناء بشكل مباشر بالتغذية التربوية والسلوكية والقيمية، وهما المؤسسة الأسرية (الأسرة)، والمؤسسة التربوية والتعليمية في العراق.
فالتراجع واضح فيها، وفي فترة من الفترات وصل تراجعها إلى مرحلة الانهيار، تم الاستعاضة عن هاتين المؤسستين اللتين ترتبطان ارتباطا مباشرا مع الأبناء، بخصوص بناء القيم والفكر والعادات، والسلوكيات، واتجاههم إلى عالم جديد هو العالم التكنولوجي، وعالم مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أن أغلب جيل اليوم الجيل الشبابي الذي نشأ بعد 2003، وحتى بعد 2010 بعد غزو هذه المواقع نلاحظ أن أغلب الشباب أما وصلوا مرحلة الجامعة أو أواخر الإعدادية.
نلاحظ اختلافا كبيرا جدا في السلوكيات والقيم والعادات، والمستويات حتى الفكرية والعلمية لديهم، عن الشباب الذين كانوا يسبقونهم بعشر سنوات، الذين تربوا في نهاية التسعينات، ويوجد اختلاف كبير جدا بين الجيلين من هؤلاء الشباب، ليس فقط في القضايا الأمنية أو على مستوى الجامعة أو المدرسة، بل يوجد اختلاف كبير جدا بالسلوكيات.
السبب في ذلك هو غياب دور الأسرة وتخلي الدولة تماما عن دعم المؤسسة التربوية، بغرس القيم والأفكار الجيدة، عند الأبناء، لأنه بالنتيجة فإن المسؤولية مشتركة، لأنه من غير الممكن في ظل الانفتاح الكبير في العالم، أن الأب أو الأم ونحن نتكلم عن النموذج الطبيعي للذين يعملون ويفرون حياة كريمة للأبناء.
نحن لا نتكلم هنا عن التفاوت الطبقي كونه بحث آخر، نحن نتطرق هنا إلى الوضع الطبيعي لشخصين اتفقا على تأسيس أسرة ويعيشان الوضع الطبيعي ويربيان أبناءهما وفق نمط معين ويوفرون لهم كل الاحتياجات الطبيعية، ويعيشون بصورة متماسكة، نحن نتكلم عن هذا النموذج من العوائل، وهذا النموذج هو الأعم، لكنه يحتاج إلى دعم من مؤسسات الدولة.
لكن الدولة اليوم تخلت عن كل الواجبات الموكولة لها سواء في المؤسسات التربوية، أو المؤسسات التعليمية وصولا إلى الجامعية التي تغرس القيم والعادات والأفكار الجيدة، كذلك غياب المنتديات الثقافية، غياب المنتديات الرياضية، غياب دور المكتبات العامة، غياب الجانب الترفيهي لطلبة وتلاميذ المدارس وغياب روح التنافس، داخل هذه المؤسسات.
هذا جعل من المجتمع يكون خاملا بشكل مفرط ويذهب نحو مواقع التواصل الاجتماعي وهي غير مسيطر عليها بالكامل، حيث تغذيهم بأفكار قد تكون سيئة جدا، لذلك فإن هذا الموضوع يتجاوز مرحلة سن القوانين والتشريعات الموجودة، لانه حتى في العالم الغربي ومع وجود القوانين الصارمة التي تحمي الأبناء والتي تحد من العنف الأسري وغير ذلك، ومع ذلك لم يسيطروا على بناء أسرة صحيحة من دون مشاكل نفسية وقضايا جانبية.
بالنتيجة القوانين لوحدها تكون غير كافية، لذلك فإن المسؤولية هي اجتماعية، أي مسؤولية الأسرة نفسها ومسؤولية الدولة تجاه هذه الأجيال، لأنها هي التي ستكون حاكمة وهي التي تتكون منها الأيدي العاملة، وأيضا تنتج المفكرين للأجيال القادمة.
مسؤولية الشباب تجاه أنفسهم
علي حسين عبيد؛ كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
أتمنى على الدكتور مقدّم هذه الورقة أن يهتم بالآباء وكبار السن بنفس الدرجة من الاهتمام بالشباب في الأوراق القادمة.
من الأسباب التي لم تتطرق لها المداخلات السابقة حول هذا الموضوع المهم، العامل الذاتي، فأنا أعتقد بأن الشاب نفسه أو الشباب أو الأبناء بشكل عام، أيضا تقع عليهم مسؤولية ذاتية للارتقاء بأنفسهم، الأسرة والأب كذلك يعني أيضا تقع عليهما هذه المسؤولية، وأعتقد أن الاستفادة من التجربة السابقة مهمة من خلال استذكارها وتطبيقها اليوم.
وأقصد هنا تجربة الأب في حياته وأسرته، وتاريخ سيرته عندما يبدأ طفلا في داخل أسرته، فعندما يستعيد مساراته التربوية، كيف عاش، وكيف ربّاه أبوه وأمه، وكيف اهتم به الأب والأم أو العكس من ذلك لم يهتما به ولم يبذلا الجهد التربوي المطلوب، وهذا يحصل سابقا وحاليا وحتى مستقبلا في بعض الأسر، لذا أعتقد أن الاستفادة من هذه التربية الذاتية في تربية الأبناء مهمة جدا.
أنا شخصيا مثلا أتذكر مواقف، ومنها هذا الموقف الذي لن أنساه، فوالدي كان يعمل في إحدى دوائر الحكومة في وظيفة بسيطة مقابل راتب شهري قليل جدا قياسا لحجم العائلة، كان يتوزع على قرض العقاري وغيره، ومع ذلك فاجأني في تلك المرحلة الصعبة من العيش وأنا في المرحلة المتوسطة، ودون أن يخبرني بفحوى هذه المفاجأة.
فأخذني إلى مركز المدينة، إلى خياط في محل خياطة صغير، كان لديه أقمشة انكليزية فاخرة، وطلب من الخياط أن يعمل لي بدلة أو (قاط) انكليزي على أن يدفع له ثمنه بالأقساط، وطلب مني أبي أن أختار القماش واللون الذي أرغب به، وبالفعل حصلت على (قاط) من الدرجة الأولى ورحتُ أتباهى به بين الطلاب الأغنياء في المدرسة المتوسطة التي كنت أدرس بها.
هذا الموقف الذي أعاد فيه أبي الاعتبار لي، جعلني أثق في نفسي وأتفوق في دراستي، رغم حالة الفقر التي كنا نعيشها، وانعكس هذا الموقف على تفكيري وسلوكي في تربية أولادي، فحرصت كل الحرص على أن أفعل لهم ما فعله لي أبي، لذلك أعتقد أن التجربة الذاتية التربوية يمكن أن تنعكس إيجابيا في قضية الحفاظ على حقوق الأبناء.
تربية الآباء للأبناء قضية فطرية
الأستاذ حيدر الأجودي؛ باحث في مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية:
هناك الكثير من النصوص التشريعية والدينية، تؤكد على حقوق الآباء على الأبناء، حيث يحترمونهم ويستمعون لهم، ويبرّونهم، وعدم نهرهم، لكن تجد القضية معكوسة في قضية حق الأبناء على الآباء، أي تكون أقل، لماذا؟، لأن تربية الآباء للأبناء هي قضية فطرية، عند الإنسان وتأتي النصوص للتأكيد عليها.
وهذا ما ورد في الآية الكريمة: (قفوهم إنهم مسؤولون) الصافات 24. وأيضا (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقدوها الناس والحجارة) التحريم 6. فأكد على الأنفس في البداية وعلى الأهل، الارتقاء بالنفس أولا، ومن ثم الأهل فالأقرب والأقرب.
من الأسباب حول قضية الحقوق والواجبات، هناك جوانب تتحملها المؤسسات، سواء الحكومية أو غير الحكومية، وهي تتعلق بعدم تعريف أبناء المجتمع ماذا له وماذا عليه، وأعتقد أننا ذكرنا هذه النقطة في أحد الملتقيات، أنن تتم هذه الدورات قبل الزواج، كان تكون دورات أو محاضرات مكثفة، للارتقاء بالتعامل مع المشاكل ومع حقوق الأولاد تجنبا لحدوثها.
قضية كثرة الإنجاب، لحد الآن لم يحدد سقف للإنجاب، نعم ربما يكون خطير مستقبلا، لكن في الوقت الحاضر فإن كثرة الإنجاب من دون هدف، ربما يؤدي إلى كثير من المشاكل. في ظل وجود الفقر في الأسرة. فكما تربي أبناءك ينعكس عليك سواء في الخير وإن كان تربية شر، فهذا ينعكس على الأب أيضا.
تزايد النزعة المنفعية
الأستاذ حسين علي حسين؛ مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
بالنسبة للسؤال الأول، أظن أن التراجع بشكل عام حالة موجودة في المجتمع العراقي.. والأسباب كثيرة ومعروفة حيث انعكست التحولات السياسية الكبيرة المفاجئة على المجالات الأخرى ومنها الاجتماعية الحقوقية والتربوية.. لذا لا يمكن حماية حقوق الأبناء في ظل بنية اجتماعية هشة ومتخلخلة.
فالتراجع الذي يعاني منه الأبناء هو جزء من حالة عامة تنطبق على كل المجالات في العراق الا ما ندر.. كذلك تزايد النزعة المادية والنفعية والمصلحية تشكل احد أسباب تراجع الاهتمام بالشباب لان المسؤول بات يقدم منفعته ومصالحه على الشباب وغيرهم.. يحدث هذا في ظل وباء الإهمال الذي طال الجميع.
أما السؤال الثاني: فإن أول الحلول مهم جدا، وهو أصعب حل، بأن يحدث نهوض شامل متكامل للمجتمع كله... ولا يمكن إصلاح أوضاع وحياة الشباب في مجتمع ضعيف ومنتهك الحقوق.. الحل الآخر إطلاق حملات توعية حقوقية للشباب عبر المنظمات والجهات المعنية.. ومن الحلول أيضا وضع الخطط الحكومية والمدنية للارتقاء بواقع الأبناء وحياتهم عبر تطوير دور الأسرة والمدرسة وغيرها، كذلك لابد من أن يكون هناك دور للإعلام في التركيز على توعية الشباب بحقوقهم، وتشجيع الآباء والمؤسسات المعنية القيام بدورها وتحمل مسؤوليتها في هذا المجال.
مشكلة عشوائية التربية
الأستاذ باسم الزيدي؛ مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
يوجد شبه اتفاق أن هناك تراجع في حقوق الأبناء، طبعا أظن أن الباحث يقصد بالتراجع، هو التراجع المزمن والسلبي. وقد كانت الحقوق نوعا ما جيدة وبدأت بالتراجع، وإذا كان رأيي هذا غير صحيح فأتمنى من الباحث أن يوضح لي متى كانت هذه الحقوق جيدة، هذا أولا.
الجواب عن السؤال الثاني، أبدأ من حيث انتهى سماحة الشيخ مرتضى معاش الذي أشار إلى نقطة ممتازة وهي عشوائية التربية، ولكي نعرف كيف نحرص على تربية الأبناء، أو نعطيهم حقوقهم يجب أن نعرف أن أهم ركنين هما التربية والتعليم.
قبل أن نبدأ بعملية التربية أو التغذية، يجب ان نعرف هي مسؤولية من، لكي نعمل بشكل صحيح، فقد أشرنا إلى أن هناك عشوائية، والإمام علي (عليه السلام) يقول: (الناس أعداء ما جهلوا)، ومن جهل شيئا عاداه، هذه قضية أساسية في علم التربية.
فمرة يكون المسؤول عن التربية هم الآباء، الأب والأم، وهذا هو ما أشار إليه جزء من نص رسالة الإمام السجاد (عليه السلام)، باعتبار أنه ذكر الحقوق الحصرية للآباء في تربية أبنائهم، وهم يخرجون هذه اللبنة من الأسرة وتنمو تدريجيا.
أو في مرة أخرى توجد نظريات اجتماعية تقول هذه مسؤولية المجتمع، ووضعوها بين قوسين (المسؤولية الاجتماعية)، وهدفها وفكرها أن المجتمع هو الذي يربي أبناءه وأفراده، بمعنى أن الآباء لا يتدخلون تدخلا كبيرا في تربية أبنائهم، المجتمع هو الذي يتصدى لهذه المهمة وكل فرد فيه يؤدي دوره ضمن المنظومة التي تمثل المسؤولية الاجتماعية، فينتج المجتمع أفرادا ناضجين عبر التربية والتعليم.
قسم من الآراء يقول لا، التربية هي حصرية للدولة، فهي مسؤولة عن تربية الأبناء باعتبار أنهم جزء من ممتلكاتها، وهذا نجده في الأنظمة الدكتاتورية، على سبيل المثال كوريا الشمالية حيث يتحكم النظام حتى بقصات الشعر للأبناء، ولا يسمح للأب أن يمنح أبناءه الحقوق والتربية أو تعليم خاص.
أعتقد أنه الأفضل، أن تكون مسؤولية الأبناء عملية مشتركة بين جميع هذه الأطراف، ولو أننا نتبع كلام أهل البيت (عليهم السلام)، فالإمام السجاد ذكر الحقوق الحصرية للآباء على الأبناء، فيما ذكر الأئمة المعصومين حقوق الأفراد على الدولة مثلا، وما هي حقوقهم على المجتمع، وعندما تجمع هذه الثلاثية سوف تتحدد الأدوار، باعتبار ان الدولة توفر العيش الرغيد، الأمن، التعليم. وكذلك دور المجتمع، ودور الأفراد، وعندما تجمع هؤلاء الأطراف تكتمل المنظومة بأسرها.
تسويف حق المرأة في الميراث
الأستاذ أحمد جويد؛ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
إن هذا الموضوع لا يخلو من الأهمية الكبيرة، بالنسبة للمجتمع العراقي، وأقول ساعد الله الآباء في هذا الوقت على التربية، وكيف يؤدون حقوق أبناءهم، فأغلب الآباء اليوم يحرص على أن يكون ابنه أفضل شخص في المجتمع، حتى يحرص على أن يكون ابنه أفضل منه، لكن بالمقابل هذا الحرص المبالغ به قد يعود بنتائج سلبية على تربية الابن.
من باب الحقوق التي أكد عليها الإسلام، حق الولد في اختيار الأم الصالحة، وهذه القضية فيها مواضيع طويلة وبحوث كثيرة، وحق الآخر في التربية التي تقوم على الأكل الحلال وهو جنين في رحم أمه، الحق الآخر هو حق الاسم الحسن، هذا ما أكد عليه أهل البيت ويقال أن للشخص نصيب من اسمه.
كذلك حق التنشئة وغيرها، واختيار الأصدقاء، الصديق الحسن، ولا بأس في أن يتدخل الأب في اختيارات الابن، لأن الأب دائما هو أكثر خبرة من الابن، في البدايات، إلى أن ينضج ويكبر ثم يعرف الأمور وبعدها يرفع التدخل في حياة الابن.
والآن أذهب إلى حق مسكوت عنه، بالنسبة للمجتمع والعرف في أغلب الأحيان خاصة في المناطق الريفية، أدى إلى هدر هذا الحق، بالنسبة للأبناء ومنهم البنات حصرا في قضية الميراث، هذه القضية نلاحظها في مجتمعنا اليوم هناك كثير من الأسر لا تورث البنات، وهذه القضية أولا تعارض الشرع والقانون.
وثانيا مثلما الولد الذكر ابنك فهذه أيضا ابنتك، وهي من صلبك، وفي المستقبل قد تكون البنات أكثر نفعا من الذكور، لآبائهم من بعض الأولاد، وأبناءكم لا تعلمون أيهم أكثر نفعا لكم. فقضية الميراث من القضايا المسكوت عنها في مجتمعنا بالنسبة للبنت، وهذه قضية مهمة، فحين يقوم الآباء بهذا الفعل الخاطئ يأتي الأبناء ويكررون نفس الخطأ مع الأخوات بعد وفاة الآباء، وبالتالي تتأصل هذه القضية.
وترسخ هذه القضية وبالنتيجة ينتج عنها قطيعة الرحم بين الأخوة، وقد تجد أسرة واحدة كل شخص منها في جهة، ولا يعلم أحدهم شيئا عن الآخرين من أفراد أسرته، بسبب هذه القضية، لذا على الآباء الالتفات إلى هذه الأمور ولهذا الحق بالذات من بعد حقوق التربية واختيار الأم وغيرها من الحقوق.
عدم الاهتمام بالبناء الداخلي للإنسان
الأستاذ عدنان الصالحي؛ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
أشارك الأستاذ باسم الزيدي على انه تراجع الحقوق المعنوية، أو الأخلاقية، لأنه اليوم الحقوق الجسدية اليوم أو الجسمانية تراجعت أكثر، فنحن سابقا في قضية المأكل والملبس كانت متراجعة جدا في الثمانينات، وبالتسعينات كانت هناك انتكاسة بسبب الحصار.
أما اليوم فالأمور أصبحت أفضل ما عدا العوائل التي فقدت معيلها نسأل الله أن يمن عليها بالستر والبركة، باعتقادي اليوم نحن نتوجه إلى بناء الشخص المادي وليس إلى بناء الشخص المعنوي.
مؤلم جدا عندما تتحول حكومتنا إلى الاهتمام بالإنسان في جانب الخدمات فقط، ولا تهتم بالبناء الداخلي للإنسان، صحيح إن الخدمات جزء أساسي من الحياة، ولكن لم نشاهد اليوم طالبا يخرج من المدرسة وهو مبني بناءً معنويا، فهو يتسابق مع الآخرين لنيل أعلى الدرجات والدخول في أفضل الكليات.
وهذا ما دفع العوائل أن تذهب بهذا الاتجاه، ولم تفعل على أن الإنسان الناجح هو الذي يبني الحياة، وليس الشهادة الناجحة، كان عندي أحد الأقارب متخصص في علم الإدارة، يوصيني دائما بالقول، لا تهتم كثيرا في قضية التخصص فالمجتمع يحتاج إلى كل التخصصات، ومن غير المعقول أن الجميع يصبحون أطباء، لابد أن تكون هناك فئات ثانية للمجالات الأخرى، فالإنسان الناجح هو الذي يبني الحياة.
قد يكون طبيبا، أو مهندسا، أو أستاذا جامعيا، أو تربويا، أو كاتبا، لكن المهم أن يكون ناجحا، ولكن من أين ينطلق النجاح؟، ينجح الإنسان إذا كان بناؤه الداخلي حقيقيا، اليوم نحن جميعا نعاني من مشكلة انه هناك هجوم على مجتمعنا من الخارج في أوْجهِ، لكن دفاعاتنا ضعيفة جدا، ونحن منشغلين في فترة الدراسة، في كيفية متابعة أطفالنا وقضية دراستهم ونيلهم أعلى العلامات وهذا واجب لابد منه.
لكن عندما تأتي الفترة الصيفية، توجد لدينا حالتان، حالة أن نترك أبناءنا بين الموبايل والنوم، أو لا نواجه الدورات (وجل احترامنا لمن يقومون بها وجزاهم الله خيرا) دورات مكثفة في تعليم القرآن الكريم والحوزة وغيرها، لكنها غير جاذبة، في حين أن هذا جزء من بناء الإنسان وليس كل الإنسان.
فالطفل عندما تأتي به وتريد منه أن يدخل في الحوزة، لكن الطفل يريد أن يعيش حياته الطفولية في البداية، فكيف تسحبه إلى هذا النوع من النشاطات، يجب أن تدخله في مؤسسة شبابية تقدم برامج ترفيهية مختلفة يرغب بها، ومن بين هذه البرامج تقدم له الدورة الدينية مثلا.
في إحدى المرات ذهبنا إلى مدرسة الفراهيدي في البصرة، وهي إعدادية ومتوسطة وابتدائية، مديرها أستاذ نعيم كما أتذكره، وعندها ما بين 2000 إلى 3000 طالبا، لا تسمع أي شيء بالمدرسة فقط صوت (مكيف التبريد) وهي مدرسة أهلية، فيخصص أوقات متساوية للطفل، فيجب أن لا يأخذ الطفل وقتا أكثر في هذه الغرفة عن غرفة أخرى، حتى لا يحدث عنده خلل، وحينما يصل مرحلة البلوغ ويصل إلى الإعدادية عندئذ هو يعرف طريقه إلى أين، فأوفر له كل الاحتياجات، وبالنتيجة يخرج إلى البيت، لم أضغط عليه بالمنهج الإسلامي ويصبح عنده نفور منه، ولم أمنعه من الحقوق الثانية وهكذا يخرج من هذه المدرسة إنسانا متوازنا، علما أن 80% من كليات الطب والصيدلة في البصرة تعود لهم.
نحن أحيانا نفكر للشاب بطريقة الأب، تعال واستيقظ فجرا للصلاة بصيغة الأمر، لكن من الأفضل أن أعلم الابن هو يوقظني للصلاة وليس أنا، نعم أسعى كي يكون ابني ملتزما، لكن علينا أن لا ننسى، فنحن أيضا عشنا مرحلة المراهقة، ونحن كآباء نريد أن نفصل أخلاقنا على ابننا المراهق ونحن في عمر الستينات والخمسينات.
اليوم لابد أن نفكر بطريقة أننا كنا نعيش في وقت لا يوجد فيه انترنيت، ولا انفتاح عالمي، وهذه الأمور الموجودة اليوم كلها لم تكن موجودة آنذاك، بينما هذه الضغوط موجودة على أطفالنا، وفي نفس الوقت انسحاب المؤسسات أو تراجعها بشكل كبير في كيفية معالجة الأخطاء، نعم هي تقدم خدمات للناس لكن محدودة جدا، وبطريقة لا تجذب الأطفال والشباب.
لذا عليك كأب أن تجعل ابنك هو الذي يأتي إليك ثم بعد ذلك أعطه المعلومة التي ترغب بها أو تريدها له، ولا تمليها عليه فينفر منها، بالنتيجة نص شبابنا ضاعوا واتهمناهم بالجوكرية، والتشرينية واتهمنا الجهات الأخرى التي أخذتهم لأننا تخلينا عنهم ولم نحتويهم.
أتمنى أن نقيم حلقة نقاشية ثانية عن هذا الموضوع ونعطي حلولا حقيقية، فالحكومة هي جزء من المجتمع ولم تنزل علينا بنص دستوري من السماء، لذا حتى لو تأخرت ترجع وتأخذ الآراء مثلما كانت تنفر سابقا عن الآراء، بالنتيجة ترجع إلى مراكز الدراسات، ويبقى مركز الدراسات يعطي مقترحات ويبرئ ذمته ويقوم بالتكليف الشرعي المكلف به أمام الله.
اضف تعليق