أيام قلائل أمامنا لننتقل من شهر الولادات المباركة، إلى شهر رمضان، (شهر الله) شهر الخيرات كلها، شهر العفو والغفران، وهذه أحسن نهاية ينتهي بها شهر شعبان، لندخل في رحاب شهر عظيم مختلف عن كل شهور السنة، فهو شهر الصيام، شهر المحبة، شهر القرآن والأدعية المباركة، شهر الأرزاق الكريمة، وأهم العطايا الإلهية هي الغفران...
(رمضان شهر لتنظيم حياة الإنسان والتطهّر من كل دنس)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
أيام قلائل أمامنا لننتقل من شهر الولادات المباركة، إلى شهر رمضان، (شهر الله) شهر الخيرات كلها، شهر العفو والغفران، وهذه أحسن نهاية ينتهي بها شهر شعبان، لندخل في رحاب شهر عظيم مختلف عن كل شهور السنة، فهو شهر الصيام، شهر المحبة، شهر القرآن والأدعية المباركة، شهر الأرزاق الكريمة، وأهم العطايا الإلهية هي الغفران.
ولكن مع كل هذه المزايا والعطايا، نجد أن هناك من يحرِم نفسه بنفسه منها، فلا تكون له حصة في هذا الشهر من الخيرات والغفران، لأسباب كثيرة، أهمها أنه لا يعير اهتماما للحقوق العبادية الملقاة على عاتق كل مسلم وكل إنسان، وهذا الاهمال يقود الإنسان إلى تقصير كبير في جانب التفريق بين الحلال والحرام، وهذا النوع من البشر غالبا لا فرق بالنسبة له بين ارتكاب المحرّمات وبين احترام الأحكام والشريعة والواجبات.
لذا سوف يُحرَم من ميزة الغفران في شهر رمضان، وهذا هو الشقيّ، كما وصفه الرسول (صلى الله عليه وآله) في حديث شريف، فالشقي هو الذي يحرمه الله من المغفرة، والسبب الأكبر في هذا الحرمان يقع على عاتق الإنسان نفسه، كونه لم يلتزم، ولم يعطِ شهر رمضان حقه من الالتزام بالواجبات والأحكام.
والابتعاد عن كل ما يُغضب الله، لذا فإن الشقاء سوف يحيط بهذا البشر لأنه لا يعبأ ولا يحترم الشهر الأكرم الذي يسميه الله تعالى باسمه، فشهر رمضان هو (شهر الله) وهو الذي يجازي التزام العباد به.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يذكر في كتابه القيّم الموسوم بـ (نفحات الهداية):
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. فقد قال علماء البلاغة: إن الجملة هنا تدلّ على الحصر، أي إن الشقيّ هو مَن حُرم غفران الله في شهر رمضان المبارك فقط، وليس في أي شهر آخر. فالشقاء منحصر في مَن شُقي في شهر رمضان وحُرم غفران الله فيه، لا غير).
بالطبع الإنسان الشقي محصور في هذه الحالة بمن حُرم من مزايا هذا الشهر الكريم، حيث خص الله تعالى شهر رمضان بالكثير من الخيرات والعفو والمغفرة دون أن يخص غيره بمصل هذه المزايا الكبيرة، لها تم التأكيد علة قضية (الشقاء) وهذا التوصيف ينبّه الناس، وعليهم الالتفات إلى هذا التركيز على حصر هذا الشقاء بمن يحرم نفسه من المغفرة والعفو الإلهي.
مزايا إلهية عظيمة
لذا قد يرتكب الفرد معاصٍ عدة، في شهور أخرى، وهي عليها نتائج وعقوبات، ولا شيء يفلت من الحساب، ولكن معنى ومفردة الشقاء حُصِرَتْ بهذا الشهر وبهذا الإنسان الشقي الذي لم يلتفت لخصوصية شهر رمضان، ولم يسعَ لاستثمار المزايا وخاصة الغفران والعفو الذي يُطلَق له العنان في هذا الشهر الكريم بأشكال وطرق مختلفة.
ولأن المزايا الإلهية عظيمة وكبيرة ومختلفة وغير محدودة، وأن بعض الناس يحرمون أنفسهم منها، كونهم لم يعطوا شهر رمضان حقه، لذلك فإن المقصود بالشقي، هو الذي يحرمه الله مما يمنحه ويهبهُ لغيره، ولهذا السبب فهو شقيّ.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إن الشقيّ كلّ الشقاء هو الذي يحرم غفران الله في هذا الشهر خاصة).
ومما يجعل من شهر رمضان مختلفا، لا يتشابه مع سواه من الشهور، أنه يساعد الإنسان على تنظيم حياته بشكل أقرب إلى الكمال، وهذا سوف يفتح له أبوابا واسعة للتغيير نحو الأفضل، فغاية الناس في هذه الحياة بالدرجة الأولى أن تتغير إلى الأمام، وأن تُسعَد في حياتها، وأن تنجح في جعل هذه الحياة منطلقا للدار الآخرة بنجاح وتوفيق تام.
كل هذه من الممكن تحقيقه، ولكن على الإنسان أن يحافظ على قلبه نظيفا، وعلى أقواله، وأن يحمي سلوكياته مما يغضب الله تعالى، وأن لا يقترب من الدنس بأي شكل من الأشكال، فالدنس إذا لوث قلب الإنسان ونفسه، فلا فائدة من كل الأعمال الأخرى التي يقوم بها طالما أنه لم ينجح في حماية قلبه ونفسه وسلوكياته من الأفعال الفاحشة التي حرمها الدين، وحذرت منها الأحكام الشرعية، ونبهت العباد على عدم تجاوزها.
لذا يجب التمسك بطاعة الله بأقصى درجة ممكنة، لأن هذه الطاعة تقرب البشر من نظافة القلب، وتصون النفس من الانحدار، وتحمي الإنسان من التلوث الذي يعصف اليوم بالعالم كله بألف طريقة وطريقة، لهذا يجب الحذر، ليبقى الإنسان مطيعا لله، مستفيدا من الفرص العظيمة المتاحة للمغفرة والرزق والتغيير الأحسن في (شهر الله).
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على:
(إن شهر رمضان هو شهر الله سبحانه وتعالى، قد خصّ به نفسه دون باقي الشهور، فهو شهر لتنظيم حياة الإنسان والتغيير نحو الأفضل والتطهّر من كل دنس، والطاعة لله سبحانه).
شهر العفو العام
إن ما يرتكبه الناس من ذنوب ومعاصٍ كثيرة وبعضها كبيرة، طالما هناك حركة ونشاطات مختلفة وأعمال متنوعة ومصالح متضاربة، فالدخول في أي نشاط قد ينحدر بالإنسان نحو التلوث بالمحرمات، فهل عليه الجلوس حبيس البيت حتى لا تقرب منه الذنوب؟
هذا الحل غير منطقي، لأنه يحرم الناس من العيش بطريقة جيدة، كما يحرمهم من التطور، ومن العلاقات الإنسانية الشريفة، لذا على الإنسان أن يبحث عن الحلول الصحيحة، نعم عليه أن ينشط ويتحرك ويسترزق في جميع مجالات العمل غير المحرَّمة، ولكن في نفس الوقت عليه أن يتجنب الانحراف حتى يفوز بالغفران العظيم.
ففي شهر رمضان تنزل المغفرة الإلهية أضعافا مما يحدث في الشهور الأخرى، كذلك توجد في هذا الشهر المبارك ليلة القدر العظيمة، وهي ليلة خير من ألف شهر، إنها ليلة المغفرة التي لا يمنحها الله لعباده في الليالي الأُخَر والأيام اللأخرى.
لذا ينبّه سماحة المرجع الشيرازي دام ظله إلى هذه القضية فيقول:
(في شهر رمضان يغفر الله للإنسان كل يوم وليلة أضعاف ما يغفر في سواه من الشهور، كما خصّه بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والتي يغفر الله فيها ما لا يغفر في غيرها من الليالي والأيام).
وهناك صفة عظيمة تم توصيف شهر رمضان بها، إنه شهر (العفو العام)، فالغفران لا ينحصر في يوم أو ليلة معينة من هذا الشهر، هناك مغفر في أوله وفي وسطه وفي نهايته، بالإضافة إلى غفران الليالي والأيام الأخرى، لهذا حقا من يُحرَم من عطايا هذا الشهر فهو الشقيّ، لأنه أضاع هذه الفرصة من بين يديه.
وعليه أن ينتظر سنة كاملة لكي يقطف ثمار الغفران مرة أخرى، وهل يضمن الإنسان وجوده لحظة واحدة قادمة، بالطبع كلا، لهذا يجب أن يكون الإنسان متمسكا بشهر رمضان، وبما يقدمه من فرص عظيمة للفوز بالمغفرة الإلهية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(كذلك يغفر الله في أوله ووسطه وآخره. فشهر رمضان هو شهر «العفو العام». فمن لم يُشمل بالعفو والمغفرة فيه فهو الشقي حقاً).
ونحن نتطلع بقلوب متلهفة وعيون كلها رجاء وإيمان، نحو شهر رمضان، فإننا يجب أن لا نضيّع فرصة المغفرة، والعفو، وبقية العطايا والهدايا التي يسبغها الله تعالى على عباده، وإننا ونحن نغادر شهر الولادات المباركة شهر شعبان، سنكون على استعداد تام للاستفادة من شهر الخير والبركة والغفران أفضل الاستفادة وأحسن الاستثمار.
اضف تعليق