إنها عمياء لا تملك القدرة على النظر بدقة إلى الأشياء ولا التفاعل مع الاخر، وانما هي رؤوس محشوة بمعلومات معتقة وشعارات بالية وانفعالات عابرة، ترى متى تدرك هذه البرامج الحوارية ضرورة أن تقدم شخصيات علمية لها حضورها ووعيها وعلميتها في مناقشة موضوعات مخصصة بعينها؟...
نستمع ونرى مساء كل يوم؛ جملة من الحوارات السياسية التي تعرضها الفضائيات العراقية على وجه التحديد، والتي لا تكاد تختلف في انتقاء المتحدثين فيها والموضوعات التي تختارها كذلك.
وفي المألوف، يتم اختيار شخصيات متباينة في ارائها وطروحاتها السياسية، حتى بتنا نعرف ما ستقوله هذه الشخصية أو تلك قبل أن تدلي بحديثها، لأن مفرداتها وطبيعة حديثها وموقفها واحد وفي شتى الموضوعات.
وتبدو كما لو أنها مستنسخة عن سابقتها مع بعض التغييرات الطفيفة، مما يعطي المتلقي انطباعا إلى أن هذه (الشخصيات) غير قادرة على استيعاب الرأي الآخر، ولا قدرة لها على محاورتهم أو التفاعل معهم ومع الحقائق التي يدلي بها سواهم، كما لا يجيبون على أسئلة مقدمي تلك البرامج.
وعلى الرغم من أن عددا من هذه (الشخصيات) يمثل جهات سياسية أو يترأس منابر فكرية وإعلامية (كبيرة)؛ إلا إنه غير قادر على استيعاب وجهة النظر الأخرى.. وفي أفضل الأحوال يعجز عن الادلاء برأي خارج ما رسم له.. ولا عليه مما طرح أمامه والذي يمثل وجهة نظر أخرى.
إن هذه الأفكار المطروحة لا يدفعها أبدا على مناقشة الاخر وليس بوسعها الاعتراف بأخطائها أو أخطاء الجهة، التي يمثلها ولا بالمعطى العلمي والوثائقي والبرهاني الذي يقدم امامها؛ وانما تصر على ما سبق إن قالته في فضائيات عدة.
والعجيب أن عددا من مقدمي ومعدي هذه البرامج السياسية ـ الحوارية؛ يصرون ويكررون الأسئلة ذاتها والشخصيات نفسها، وكأن الامر يخلو من الأسئلة المنطقية والموضوعات الملحة والشخصيات البديلة، أو أن الأمر يعتمد على القصدية المراد منها الكشف عن طبيعة مثل هذه (الشخصيات)، والعمل على فضحها وكشف هويتها وكلامها السقيم، وتوجيه الإهانة اليها علنا وهي تقبل بمثل هذه الإهانات مرارًا وتكرارا.
ان تلك (الشخصيات) المستضافة ترضى بما قسمه الله من تلك الاهانات ولا عليها من رؤيتها العمياء.
صحيح أن هناك شخصيات أكاديمية علمية، تنظر وتناقش وتدلي بآرائها وتتحمل مسؤولياتها الفكرية والأخلاقية بشكل معمق وعلمي ومتقن ومتحضر ودقيق؛ إلا أنها تواجه بجدران من الجهل والدوغمائية التي تميزها عن سواها بالجهل.
وهذا الأمر إضاعة للوقت، وقت الحوار الذي يفترض أن يكون مثمرا، إلى جانب وقت المشاهد الذي يفترض ألا يمر سدى من دون فائدة ولا نتيجة ولا عمق وانما هو مجرد ثرثرة دعائية متكررة، بدل أن تكون مثل هذه الحوارات تحمل رؤى ديمقراطية ورأي صريح إلا أن الكثرة، من هذه الحوارات لا يدل على أن قسما كبيرا من هؤلاء (المحللين) ليس بوسعهم حل عقدة حبل فكيف بهم القدرة على حل مشكلات متراكمة ومعقدة، تعاني منها الأوضاع الشائكة في العراق على مدى اكثر من عقدين من الزمن..
إشكالات لا قدرة لهذه العناصر العمياء مناقشتها ولا النظر اليها بمنظور واضح وصادق، ذلك أنها لا تملك عقولا معرفية سليمة وواضحة.
وبعيدا عن التشبث بهذه (الشخصيات) التي تبتعد عن المصداقية وتحمل الهوية الكاذبة والدعية، التي يكررونها والتي لا يختلف بشأنها اثنان من المشاهدين.
إن الحوارات لا يراد منها النيل من الآخر، ولا التعنت في تقديم كلمات سقيمة بلهاء تكشف عن ضحالة أصحابها ولا يهمهم ان تكون كلماتهم كذلك شرط أن ترضي مرجعيّاتهم السياسية والحزبية، التي تراقب أكاذيبهم وعدم قدرتهم على مقابلة الحجة بالحجة والبرهان بلا أدلة.
الحوارات لا يراد منها سوى اغناء المتلقي بوجهات نظر منطقية سليمة، بعيدة عن التشنجات والانفعالات والابتعاد عن الأجوبة العابرة أوتقديم أجوبة لا علاقة لها بالاسئلة والموضوعات المطروحة.
إن وجود عقول نيرة مشهود لها بالعلمية، لا يمكن لها اقناع عناصر امية في معلوماتها وعدم جديتها في المناقشة، إنما جاءت للمشاركة في هذه البرامج، بهدف اظهار اناقتها والتباسها وعلو صوتها الفارغ من المعاني، وهي التي تملأ مكانها وكلامها بالعصبية والانفعال والصياح، وذلك بسبب عدم قدرتها على الحوار المنطقي مع الآخر ولا الإصغاء إلى الأطروحات العلمية المعرفية الناضجة.
ان تلك (الشخصيات) تسيء إلى الجهات التي تمثلها، لأنها لا تملك رصيدا معرفيا ولا قدرة لها على حوار الآخر بهدوء وروية.
إنها عمياء لا تملك القدرة على النظر بدقة إلى الأشياء ولا التفاعل مع الاخر، وانما هي رؤوس محشوة بمعلومات معتقة وشعارات بالية وانفعالات عابرة.
ترى متى تدرك هذه البرامج الحوارية ضرورة أن تقدم شخصيات علمية لها حضورها ووعيها وعلميتها في مناقشة موضوعات مخصصة بعينها؟
اضف تعليق