q
الخلل في العملية الإصلاحية هو عدم شمولها الطبقات العليا او المتسببين الحقيقيين في الأذى المحلي، وإذما ارادت الحكومة الحالية وضع يدها على الجرح، فعليها البدء في تطهير قمم المؤسسات الحكومية، بدأ من الوزير او المدير العام نزولا الى ابسط موظف وقد يكون مسؤول الخدمات...

يعرف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مشاكل البلاد جيدا، يعرف صغيرتها وكبيرتها، ويعرف ان البلاد منذ تغيير النظام ولغاية الآن تسير بطريق غير معبد ولا تُعرف نهايته، ربما نهاية أكثر مأساوية من الوضع الحالي او نهاية جميلة، مع هذا هل لا تزال الفرصة قائمة؟ وهل يمكن العودة الى جادة الصواب والبحث عن مسار يُنجي البلاد؟

الدعوة الى الإصلاح ليس من الدعوات الجديدة في العراق، وليس اول من أطلقها رئيس الوزراء الحالي، سبقه العديد ممن نادى بضرورة إخراج البلد من النفق المظلم، والعراقيين جميعهم على علم ويسمعون قرابة العقدين لهذه الأصوات لكنهم لم يعثروا على من يطبقها او من يضعها في محل التنفيذ والعمل.

مبادرات الحكومات بصورة عامة للإصلاح عادة ما تأتي منقوصة ولا تلبي او توازي حجم الفساد الموجود في المؤسسات الحكومية، فلا تشمل الموجات الإصلاحية الا حافة بسيطة من الموظفين في الدرجات البسيطة، وتنتهي لهذا الحد دون الصعود الى المحيط او الشريحة الأهم المتعلقة بالفساد.

فالخلل في العملية الإصلاحية هو عدم شمولها الطبقات العليا او المتسببين الحقيقيين في الأذى المحلي، وإذما ارادت الحكومة الحالية وضع يدها على الجرح، فعليها البدء في تطهير قمم المؤسسات الحكومية، بدأ من الوزير او المدير العام نزولا الى ابسط موظف وقد يكون مسؤول الخدمات.

المحاسبة بهذه الطريقة يعني معالجة أصل المشكلة وقد يتصور البعض انها بسيطة وبإمكان أي رئيس حكومة معالجتها، بالطبع هي ليست بهذه البساطة، هي معركة طويلة الأمد، متعددة المستويات، متشابكة الخطوط، الدخول فيها يعني الدخول بحرب مفتوحة يخشى الكثير ممن سبقوا السوادني الاقتراب منها.

وربما تسأل عزيزي القارئ كيف لرئيس الحكومة ان يلبي هذا الطموح المليوني؟

يتمكن رئيس الوزراء من تلبية هذا المطلب الجماهيري إذا وضع المحاباة وتقاسم المصالح والمنافسة بين الزعماء على جانب، وإبعاد مسألة موضوعة الامتيازات والمنافع في كفة الفساد، فكل هذه الجزئيات جعلت من البلد يغرق بالفساد من أخمص قدميه إلى ما تحت الأنف.

كل من تسنم منصب رئاسة الحكومة وغيرها من المناصب الحساسة يعرف ان قطع الطريق على المتهمين بهدر المال العام يصطدم بأول صخرة وهي وقوف بعض المتنفذين في الدولة وراء الجماعات العاملة والمتغلغلة في التعاملات المشبوهة، وهذا ما يجعل أي رئيس حكومة مغلول الايدي غير قادر على مواجهتهم التي قد تؤدي الى عزله او افشال مشروعه.

وربما من مواطن الإنصاف بحق بعض رؤساء الحكومات القول انهم يتحلون بشخصية قيادية لديها الحضور المميز والكاريزما المؤثرة، لكن هذه الشخصية والحضور يتلاشى امام مُحدثي الفساد، وسنذكر آخر الأمثلة ما تعرف بسرقة القرن التي حصلت في زمن حكومة الكاظمي ولا تزال نتائجها غير واضحة.

الحكومية الحالية لديها محاسن واجب استثمارها، منها استقرار أمنى غير مسبوق الى حد ما، مع وجود بعض المشاكل الاقتصادية، فالاستقرار يوفر بيئة استثمارية جيدة، الى جانب تقديم التسهيلات من جانب الجهات المعنية ليكون البلد منطقة حاضنة للاستثمار وليس طاردة له على غرار دول الخليج العربي وغيرها من الدول التي اعتمدت هذا الأسلوب قبل عقود وتحولت الى بلدان متقدمة في جميع النواحي.

العراق يعيش في بيئة ضغوط هائلة اكثرها وقعا وتأثيرا عليه هي الضغوط الاقتصادية القادمة، التي تحتم عليه اللجوء الى الاستثمار الخارجي، فالاعتماد على النفط وحده وهذا مصدر زائل لسببين.

السبب الأول هو نضوب الحاجة إليه، والثاني نضوبه هو بالذات، ولكن ما يخيف أكثر من ذلك هو نضوب الوقت الذي يعد الأكثر خطورة، فالحكومة الحالية لا تملك الكثير من الوقت لتبقى تدور في فراغ المساجلات والمسائلات.

لدى حكومة السوداني متسع من الوقت لتفعيل ارادته دون الاخلال بالسلم السياسي او تعريضه لأي ضرر، مع وجود نخبة وطنية تدعوا للإصلاح وهي تحمل قدرا كبيرا من الخبرات والتصورات التي يمكن توظيفها للشروع في مسار تنموي جديد.

اضف تعليق