جاءت هذه المدرسة باعتقادنا مكملة أو امتداداً للفلسفة الإسلاميّة لا سيما ما طرحه الكندي والفارابي وصولا لابن رشد في التأكيد على ضرورة التوفيق بين الحكمة والشريعة، والقول بأن طلب العلم فريضة حتى وإن كان هذا العلم عند أمم مخالفة لنا في الدين والملة والمعتقد...
جاءت هذه المدرسة باعتقادنا مكملة أو امتداداً للفلسفة الإسلاميّة لا سيما ما طرحه الكندي والفارابي وصولا لابن رشد في التأكيد على ضرورة التوفيق بين الحكمة والشريعة، والقول بأن طلب العلم فريضة حتى وإن كان هذا العلم عند أمم مخالفة لنا في الدين والملة والمعتقد. يمكن أن يعد المعتزلة والفلاسفة المسلمين جذراً لتوجهات هؤلاء الفكرية لا سيما (الكندي) و (ابن رشد) في الجمع بين الحكمة والشريعة أو بين العقل والنقل، إذ يقول ابن رشد: «الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له»،
بمعنى أن الدين حق والفلسفة حق وان النتيجة التي يوصل اليها طريق البرهان لا تختلف عن النتيجة التي يوصل إليها طريق الإيمان.
إنَّ الدعوة الإسلامية هي دعوة للتعقل والتحرر من كل من مظاهر الجهل والتخلّف السابق.
يمثل كل من (الطهطاوي) و(الأفغاني) نقطة بداية المشروع النهضوي الإصلاحي، ومن ثم جاءت جهود خير الدين التونسي ومحمد عبده والكواكبي لتتوج آراء هؤلاء في الدفاع عن الاسلام والنظر إليه على أنّه جاء ليدافع عن العلم والتطور واحترام القانون والعدل فكان سبب تقدم المسلمين في نهضتهم الأولى، واليوم بعد أن ترك المسلمون الإسلام أو جهلوه وما عرفوه حق المعرفة فنجدهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تخلف وتأخر وجهل.
ركز أصحاب هذا الاتجاه على الجمع بين العقل والنقل أو بين الحكمة والشريعة أو الدين والفلسفة.
الدين عندهم هو دافع إلى الكمال كونه يرفع أو يسمو بالإنسان إلى عالم اللاهوت والابتعاد عن مغريات الدنيا الماديَّة وشهواتها، وهو دين الخلاص.
إنَّ الطهطاوي والأفعاني يشكلان بداية تبلور المشروع النهضوي العربي عموماً، وهناك بعض أصحاب الاتجاه العلماني ممن تأثروا بمقولات الطهطاوي والأفغاني، ومن أهم من تأثروا بهم.
وبعد هؤلاء جاء محمد عبده الذي تأثر به علي عبد الرازق وأحمد لطفي السيد وطه حسين ومن تبعهم.
أهم منطلق يبتدئ فيه أصحاب هذا الاتجاه هو معرفة أن السبب الرئيس في تراجع الأمة وتخلفها هو الاستبداد، فبوجوده يغيب الحق وتختفي العدالة والمساواة والإنصاف.. الخ.
يدعو أصحاب هذا الاتجاه إلى تبني كل ما لا يتعارض مع الدين لا سيما في الموقف من حرية المرأة وحرية الرأي، رغم أن موقف الطهطاوي من حرية المرأة كان موقفاً مرتبكاً ومتردداً بين الأخذ بالتوجهات الغربية وبين الالتزام بما تريده الشريعة، وهذا واضح حينما نقارن بين ما جاء في كتابه (تخليص الابريز) من موقف ناقد للمرأة وبين ما جاء في كتابه (المرشد الأمين للبنات والبنين) من موقف مدافع عنها.
المنطلق الأهم هو الدعوة إلى الاجتهاد وإعادة فتح باب الاجتهاد، وهناك قول للأفغاني: «متى سُدّ باب الاجتهاد.. فمالك إنسان، وأبو حنيفة إنسان، والشافعي إنسان، وأنا إنسان...».
يترتب على ذلك القول بتأويل النص القرآني، فالنص عندهم قابل للتأويل حتى يُلائم كل عصر، أي أنه يؤمن بالتأويل ومتى ما تعارض النقل مع العقل، فيجب تأويل النقل بما يتطابق مع العقل.
هذه من أهم القضايا الأساسية عند الأفغاني، وأنّه يعتقد بأن سبب تأخر المسلمين أنهم تركوا الدين.
لذلك يرفض الأفغاني فصل الدين عن السياسة، مؤمناً أن أفضل الطرق للتعبئة السياسية للأمة الإسلامية هو توظيف الدين لصالحها.
التراث يعد مصدر إشعاع بالنسبة لهم واعتقادهم بأن الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها كما قال الامام مالك، نقول على الرغم من التزامها بهذا البعد إلا أنّها دعت في الوقت نفسه إلى الانفتاح على الحضارة الأوروبيّة والنهل منها بحساب أن منجزات هذه الحضارة لم تأتِ من فراغ وإنما جاءت عبر تواصل حضاري، والعرب والمسلمون كانوا حلقة وصل ومصدر إضافة وإبداع على الحضارات السابقة وما كانت أوروبا لتصل إلى ما وصلت اليه لو لم يصل العلم العربي عبر الاندلس إلى أوروبا.
بحكم سفره إلى باريس نجد الأفغاني يسجل أول انطباعاته عن الفرنسيين بشكل خاص بقوله:
«شعب قد تفرّد بين الشعوب الاوروبية بإحراز النصيب الأوفر في رفع منار العلم والصناعة بعد الرومانيين، وصار بذلك مشرقا للتمدن في سائر الممالك الغربيّة، وبما أحرز الفرنساويون من تلك الأصول كانت لهم الكلمة النافذة في دول الغرب إلى القرن الثامن عشر من الميلاد المسيحي حتى ظهر فيهم (فولتير) و(روسو) يزعمان حماية العدل ومغالبة الظلم والقيام بإنارة الأفكار وهداية العقول».
جاهد أصحاب هذا الاتجاه في سبيل رفعة الإسلام العقلاني الذي يُحارب الاستبداد، وينشد الحرية، عبر دفاعه عن «المشروطة» (الدستور) ونقده للـ «المستبدة»، بما يضمن للشعوب الحريات، والعمل على فصل السُلطات «التنفيذية» و «التشريعية» و»القضائية».
اضف تعليق