يجري البحث باستمرار في بلادنا المسكونة بالازمات السياسية، عن النمط او السبيل المفضّل لعلاقة حسنة وبناءة بين الدولة والشعب، ولم يتم الاتفاق على طريق محدد الى الآن، مما يبقي الأمر مرهوناً بالمحاولات والتجارب بين هذا وذاك، في وقت يصارع الناس –الى جانب هذه الأزمة السياسية- أزماتهم المتواصلة...
يجري البحث باستمرار في بلادنا المسكونة بالازمات السياسية، عن النمط او السبيل المفضّل لعلاقة حسنة وبناءة بين الدولة والشعب، ولم يتم الاتفاق على طريق محدد الى الآن، مما يبقي الأمر مرهوناً بالمحاولات والتجارب بين هذا وذاك، في وقت يصارع الناس –الى جانب هذه الأزمة السياسية- أزماتهم المتواصلة؛ من عمل، وسكن، وفقر، مع تحديات كبيرة ليس أخطرها؛ الصحة والجهل والتخلف والتبعية.
وقد بحث الموضوع علماء و مختصون في هذا الميدان، و خرجوا بأفكار جيدة من شأنها الإفادة في بناء نظرية متكاملة لهذه العلاقة، ومن ثمّ تحويلها الى برنامج عملي يحمل نسب جيدة من النجاح، ومن هذه المحاولات؛ الدراسة المعمّقة والقيّمة لسماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي التي ضمّها دفتي كتابه: "ملامح العلاقة بين الدولة والشعب"، و أشار فيها الى ستة أطر قانونية يمكنها ان تحكم العلاقة بين الدولة والمجتمع.
وقبل الخوض في تفاصيل هذه الأطر القانونية كما أدرجها سماحته في مؤلفه، يجدر بنا التوقف عند حقيقة طالما يتم تغييبها وهي؛ الدور المشترك بين الدولة والمجتمع في إنجاح أو إفشال أية محاولة لصياغة علاقة طيبة بين الجانبين، مهما كانت امكانات الدولة بأحزابها ومؤسساتها وأموالها، ومهما كان حماس الجماهير واندفاعهم الهادر تحت شعارات مختلفة، فالقضية تكاملية الى حدٍ بعيد.
1- الوكالة؛ بمعنى أن الحاكم وكيل عن الشعب في "تمشية أموره"، اي في إحقاق الحق وفي إبطال الباطل، وفي النهوض بمصالح الشعب، وفي الحفاظ على استقلال واستقرار وازدهار البلاد، وفي توفير الحريات والحياة الكريمة لآحاد الناس.
2- الإذن؛ بمعنى أن الشعب قد أذن للحاكم بهذه السلسلة من التصرفات، من إبرام عهد دولي او معاهدة، أو إقامة صلح، أو إعلان حرب، في السياسة الداخلية او الخارجية.
3- الإجارة؛ بأن يكون الحاكم أجيراً للشعب لأربع أو خمس سنوات، حسب آراء الناس، والحاكم يستوفي راتباً معيناً بإزاء خدمات معينة يقدمها للشعب.
4- عقد جديد؛ بأن يكون "عقداً مستأنفاً"، فلا هو إجارة، ولا هو وكالة، ولا هو إذن، ولا هو جعالة، وإنما عقد مستأنف، وهي صيغة أخرى يمكن الالتزام بها في بعض الامور.
5- الولاية؛ في نوعية وماهية العلاقة بين الطرفين (العلاقة الولائية)، بمعنى ان تكون علاقة الحاكم بالمحكوم، علاقة تسليط اعتباري ولائي، إما من مصدر خارجي مثل الشرع المقدس، أو من مصدر داخلي، أي من المحكومين للحاكم عليهم.
6- التفويض؛ وهو الذي يركن بعض الحكام –في بلادنا الاسلامية- حيث يدّعون تفويض الناس إليهم أمر الحكومة تفويضاً مطلقاً، فيمارس الحاكم المستبد سلطته زاعماً تفويض الأمة اليه، ويحصل أن يدّعي الحاكم التفويض ليس من الشعب فقط، وإنما من السماء لمزيد من تكريس سلطته وفرض الطاعة على الناس.
من الملاحظ أن بعض هذه الأطر تتضمن مشتركات يمكن ان تلتقي في إطار او نمط واحد، فالحاكم اليوم في العراق الديمقراطي والبرلماني –مثلاً- يُعد وكيلاً مأذوناً من جماهير الشعب ممن يشاركون في الانتخابات المحلية والبرلمانية لاختيار نواب عنّهم، وهم بدورهم كسلطة تشريعية، يشكلون الحكومة (السلطة التنفيذية)، الى جانب دورهم في تشكيل السلطة القضائية، وهؤلاء الوكلاء (النواب –الوزراء) يتقاضون رواتباً وفق الاتفاق الضمني غير المكتوب بينهم وبين جماهير الشعب على أنهم يقوموا بدورهم ويتحملوا مسؤولياتهم المحددة.
ويحدث الخلل عندما ينسحب أحد الطرفين من هذا الاتفاق بشكل او بآخر فتنتج لدينا الديكتاتورية في الحكم، والفوضى في الشارع، بيد أن جانب الجماهير أكثر وقعاً في حصول الخلل كونهم القاعدة الشرعية التي يستند عليها الحكام (السلطة التشريعية والتنفيذية) عندما ينسحبون عن الساحة ويعزفون عن المشاركة في الانتخابات لاسباب تعنيهم، لكن لا علاقة لها بأصل الموضوع، وهو التوصل لصيغة نهائية لنمط وإطار قانوني ملزم لعلاقة ناجحة بينهم وبين الدولة، مثلاً؛ وجود فاسدين في الحكم لا يعني بأي حال من الاحوال الإطباق على اليأس بوجود هكذا علاقة، فمنطق العقل يقف أمام هكذا حكم واستنتاج.
والشواهد من الحاضر والماضي تؤكد مسؤولية جماهير الشعب بكل فئاتهم وشرائحهم عن نمط الحكم واستمراره، بالسكوت عليه لمبررات مختلفة، مما يمكن القول معه، بأن قدرة الشارع على التغيير تفوق بكثير قدرة رجال الحكم على التسيير، مهما امتلكوا من مال، وإعلام، وسلاح، فمبدأ الشرعية الجماهيرية، قاعدة أساس لا يمكن لأي حاكم في العالم تجاوزها واستبدالها بشيء آخر.
اضف تعليق