موقف حزب الله من الصراع المستمر في غزة سيكون متأثرًا بتطوره. لحزب الله، خطوطه الحمراء تتمثل في عدم تمكين القضاء على حماس أو إنهاء وجودها في قطاع غزة، بالإضافة إلى الحرص على الحفاظ على إدارتها وعدم تهجير الفلسطينيين من القطاع. هذا يؤدي إلى إمكانية تطور الصراع، حيث ستزداد...
في الوقت الذي يحيط بـ "الوقفة الإنسانية" للقتال في غزة حالة عدم يقين، والتي تم تسميتها بـ هدنة قابلة للتمديد، تبقى جبهة لبنان في حالة تعليق بين فرصة السعي نحو حلول سياسية، واستئناف القتال الذي يُعد به من قبل قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين كخيار يُؤكدون على استمراره، بغض النظر عن العواقب والتحذيرات السابقة من قبل دول أوروبية التي قامت بالتضامن مع إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي.
مع جميع التأكيدات من إيران ، سواء العلنية أو في اتصالاتها مع الدول ، بأنها لا ترغب في توسيع الحرب ، فإن استمرار السيطرة على الجبهة الجنوبية في لبنان من قبل حزب الله ، يعني استمرار الاشتباكات في الجنوب وتأثيرها على الوضع في غزة ، وهذا يعني أن جميع الجهود لضمان عدم تفاقم المواجهة العسكرية بعد استئناف الجيش العدو حربه على غزة هي قابلة للفشل ، على الرغم من نجاحها في الأيام الخمسين الماضية في منع الحرب الشاملة. تبقى المبادرة في يد إسرائيل ما دامت حكومتها مصممة على استمرار إبعاد حماس عن شمال غزة ، استعدادًا لتراجعها في جنوب القطاع.
قامت حكومة بنيامين نتانياهو في الأيام الأخيرة بإصدار إشارات واضحة بأنها ستعيد بدء الحرب لتحقيق أهدافها البعيدة التي تتجاوز إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى "حماس". فقادة إسرائيليون عندما يبررون الحرب الهمجية التي نفذوها في الجولة الأولى لمدة 48 يومًا مع تدمير أكثر من 40٪ من شمال قطاع غزة وقتل الآلاف وتهجير المئات من الآلاف... يتلاعبون أمام الرأي العام المحلي لتلبية طلب الغالبية الإسرائيلية بتقديم تنازلات لصالح استعادة 240 شخصًا من المدنيين والعسكريين المحتجزين لدى "حماس"، ولاكتساب تأييد هذا الرأي العام بأن الجريمة التي ارتكبوها منذ عملية "طوفان الأقصى" هي التي أدت إلى إتمام الصفقة التي يتم تنفيذها لليوم الرابع على التوالي، ولإقناعه أن الثمن الباهظ الذي تدفعه دولة إسرائيل من قتلى في صفوف الجيش وصواريخ تتعرض لها المدن والبلدات الإسرائيلية والتدهور في الوضع الاقتصادي، كان ضروريًا لإبرام تلك الصفقة واستعادة الرهائن.
ومع ذلك ، فالهدف الأول هو استعادة القدرة الردعية من خلال تدمير بنية "حماس" البنية التحتية؛ وتأسيس مساحة أمنية في شمال قطاع غزة، واستمرارية بقاء الجيش الإسرائيلي في القطاع لفترة طويلة لإنشاء إدارة طيعة للقطاع، ترافق تنفيذ الهدنة مع المؤشرات التي تشير إلى نية استئناف الحرب وتحقيق هدفها، وتتمثل هذه المؤشرات في ما يلي:
- تم منع النازحين القادمين من الجنوب من شمال القطاع بعد إعلان وقف إطلاق النار من العودة لمعاينة الدمار والأضرار في منازلهم، حتى لا يحاولوا الاستمرار في البقاء وإقامة المساكن المؤقتة مثل الخيام أو في أماكن عامة مثل المدارس والمنشآت الدينية. على الرغم من الدمار والعنف الجماعي الذي تعرضوا له والهجرة القسرية وتدمير البنى التحتية الحيوية، التي قامت بها إسرائيل، إلا أنها تتصرف خلال فترة الهدنة وفقًا لمبادئ الحرب التي شنتها وتعتزم استئنافها. ولهذا السبب، تم إطلاق النار على الغزاة الذين حاولوا العودة.
حاولت إسرائيل تخفيض تدفق المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة للقضاء على أي أمل في صمود النازحين الذين يقدر عددهم بمليون شخص، في حال قرروا العودة والبقاء. وبسبب ذلك، تأخرت عملية تبادل الأسرى والرهائن في اليوم الثاني، وأجبرت حماس على مطالبة زيادة عدد الشاحنات المحملة بالمساعدات التي تصل إلى القطاع، بعد أن قلصت إسرائيل عددها ومنعت وصولها إلى الجزء الشمالي.
- تمهّد إكمال السيطرة الإسرائيلية على الشمال الطريق للمرحلة المقبلة من الحرب وتصبح هدفها استهداف جنوب غزة لتقليص قدرة "حماس" على الحركة اللوجستية والعسكرية، وللقضاء على قادة "حماس" المتمركزين في المنطقة الجنوبية.
لا يزال القادة العسكريون الإسرائيليون يعتقدون أنه يجب عليهم العمل على تقليل قوة "حماس" في قطاع غزة وضمان أمن شمال إسرائيل من خلال استهداف "حزب الله" في جنوب لبنان، حتى في ظل الظروف الدولية التي تعتبر مناسبة على الرغم من تراجع بعض الدعم الغربي وخاصة الأوروبي بسبب تعاطف جزء من الرأي العام مع الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن حكومة نتنياهو تقف ضد الجهود الدولية لمنع تصعيد الحرب مع إيران، قد تكون الدول الغربية تفقد السيطرة على الجهاز العسكري الإسرائيلي مرة أخرى.
تمكن هجوم حماس على مناطق غلاف غزة من إعادة إحياء قضية فلسطين وإعادتها إلى الواجهة السياسية بعد سنوات من الإهمال. ساهم تدخل حزب الله في تعقيد الغزو البري وزيادة تكلفته، حيث ستضطر تل أبيب إلى تخصيص قوات وموارد للدفاع عن حدودها الشمالية والمناطق الشمالية في البلاد. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هو تأثير هذا الصراع على حزب الله؟
أولاً، تم إعادة إبراز الحزب في سياق الحرب كحركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي. خلال الحرب السورية، حاولت القوى المعارضة له من الداخل والخارج تشويه صورته وتصويره كميليشيا تستهدف قتل السنة وتحطيم محاولاتهم للإطاحة بـ "النظام العلوي" في دمشق. شارك حزب الله في الحرب الحالية بهدف منع إسرائيل من التدخل البري في غزة، مما جعله يستعيد شعبيته ويعود ترديد الهتافات المؤيدة له في مظاهرات دعم القضية الفلسطينية في العالم العربي.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى حزب الله إلى تعديل نهج الصراع مع إسرائيل وتدمير البنية التحتية للمواقع العسكرية الإسرائيلية. وقد تم تدمير أجهزة التصنت والتشويش والمراقبة لهذه المواقع بشكل متعمد وضمن رؤية مدروسة بدقة، مما جعله أقل قوة من قدرة إسرائيل في التجسس وأتاح للحزب مجالاً أوسع للتحرك على الحدود. هذه المواقع تحوي أبراج مراقبة وأجهزة تنصت وتشويش متقدمة جداً. ويُتوقع أن يلجأ الحزب إلى تدمير هذه المنصات في حال إعادة بناء إسرائيل لها بعد انتهاء الحرب. كما استهدف الحزب المواقع الإسرائيلية على طول الحدود بعد أن كان في السابق يستهدف المواقع الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية المحتلة، مثل مزارع شبعا وتلال كفر شوبا.
ثالثًا، تمكن الصراع الحالي من تعزيز أواصر محور المقاومة الذي يقوده إيران. أصبح هذا المحور كتلة واحدة، حيث إذا نشب صراع مع أيٍّ من أطرافه، فإن الأطراف الأخرى ستتدخل لدعمه. وسيوفر هذا مظلة حماية للمقاومة في لبنان ضد أي هجوم إسرائيلي في المستقبل، وسيعزز النشاطات العسكرية لها لمواجهة المواقع العسكرية الإسرائيلية في الأراضي اللبنانية المحتلة. لاحظنا ضربات حركات مسلحة قريبة من إيران على القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، وتعرض الحوثيون لإسرائيل بصواريخ تتم إعاقتها من قبل سفن حربية أميركية في البحر الأحمر.
في المرتبة الرابعة، نجح الحزب من خلال تدخله في تعزيز شعبيته داخلياً بعد فترة طويلة من الانقسامات الطائفية بين السنة والشيعة، حيث وقفت المجموعة الدرزية والسنية إلى جانبه في هذا الموقف. أعلن زعيم الدروز، وليد جنبلاط، عن استعداده للوقوف مع الحزب في حالة اندلاع الحرب ودعا أبناء الجبل الدرزي للتجهيز والاستعداد لاستقبال النازحين الشيعة في مناطقهم في حال تطورت الصراعات على الحدود. بالإضافة إلى ذلك، أعلن الشيخ حسن مرعب، أحد علماء الدين السنة في لبنان المعروف بانتقاده اللاذع للحزب بسبب تدخله في الحرب السورية، عن تأييده له وتأكيده على أن الطائفة السنية ستقف بجانبه في حال تصاعدت الصراعات مع إسرائيل.
توجد لدى الطائفة المسيحية هاجسين، الأول هو أنه في حال تمكنت إسرائيل من هزيمة حماس، فمن الممكن أن تشن تل أبيب حرباً على حزب الله في لبنان، وهذا سيترك آثارًا كبيرة على الاقتصاد اللبناني المضطرب بالفعل. أما الهاجس الثاني، فيحتمل أنه في حال تمكنت إسرائيل من ترحيل الفلسطينيين من غزة، فإن عودة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى بلادهم ستصبح مستحيلة، وبالتالي سيكون تجنسهم أمرًا واقعًا. هذا سيزيد عدد المسلمين بشكل كبير وسيقلل من تأثير الأقلية المسيحية التي تعاني بالفعل من تناقص عدد أفرادها.
لا شك أن موقف حزب الله من الصراع المستمر في غزة سيكون متأثرًا بتطوره. لحزب الله، خطوطه الحمراء تتمثل في عدم تمكين القضاء على حماس أو إنهاء وجودها في قطاع غزة، بالإضافة إلى الحرص على الحفاظ على إدارتها وعدم تهجير الفلسطينيين من القطاع. هذا يؤدي إلى إمكانية تطور الصراع، حيث ستزداد نشاطات حزب الله في الجنوب اللبناني تزامنًا مع تطور المعركة في غزة.
اضف تعليق