ان المضارب بالعملة سيستمر بالتربح طالما بقي الفارق بين سعر الصرف الرسمي والموازي قائما، وان العبئ سيقع على المواطن الفقير الذي يحتاج لشراء أو تحويل بضع مئات من الدولارات أو تحويلها لاغراض المساعدة العائلية أو العلاج الطبي الذين يخصعون لاجراءات مشددة في حين ان المضاربين في السوق السوداء والبيضاء...
اصدر البنك المركزي اعمامه بالعدد 9/2/635 في 8/ 11/ 2023 والمتضمن السماح للمصارف الاهلية المجازة باستيراد النقد الاجنبي لتلبية حاجة زبائن هذه المصارف من الشركات والمنظمات والهيئات المسجلة اصوليا والأفراد العاملين لصالح شركات ومؤسسات اجنبية الذين تردهم حوالات من خارج العراق على ان يقوم المصرف المستورد ببيان الكمية المطلوب استيرادها وتفاصيل الشحنة وان يكون إدخالها عبر المنافذ الجوية حصرا، مع تسجيل الأرقام التسلسلية لها واشعار دائرة الرقابة على المصارف بها وبيانات مستلمها لاحقا.
وهنا يجدر الإشارة الى ان مجلس الدولة العراقي اصدر قراره بالعدد (2 / 2011) في 10 / 1/ 2011 جوابا على استفسار ديوان الرقابة المالية الاتحادي حول قيام البنك المركزي العراقي بمنح اجازات استيراد النقد الأجنبي للمصارف الاهلية دون وجود سند قانوني، حيث لم يتضمن قانون المصارف رقم (94) لسنة 2004 وقانون غسيل الأموال اي نص قانوني يجيز منح هذه التراخيص.
كما اشار كتاب الديوان الى غياب الآلية الواضحة المعلن عنها لهذا الغرض، وكانت اجابة البنك المركزي العراقي تستند في إجراءاتها الى نص المادة (40) من قانون البنك المركزي رقم (56) لسنة 2004 المتعلقه بصلاحية البنك المركزي في صياغة السياسة النقدية وتنفيذها في العراق، وقد خلص رأي مجلس الدولة الى عدم وجود سند قانوني لقيام البنك المركزي العراقي بمنح اجازات استيراد العملة الاجنبية عن طريق مكتب غسيل الأموال لان قانون غسيل الأموال لم يتضمن قيام المكتب المذكور بمنح اجازات استيراد العملة الاجنبية، لاحقا لجأ البنك المركزي لاصدار تعليمات استيراد المصارف المجازة للعملة الاجنبية رقم (4) لسنة 2011 ونشرت التعليمات في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4198) في 4/ 7 / 2011 اي بعد مرور سبعه اشهر من الرأي الصادر من مجلس الدولة العراقي.
حيث تضمنت التعليمات سابقة الذكر ترخيص المصارف المجازة لاستيراد العملة الاجنبية من خارج العراق بموافقة البنك المركزي وتحت اشرافه بعد اعلامه بمقدار العملة المستوردة وتزويده بكشوفات أسبوعية تتضمن مقدار العملة ومستندات الاستيراد مع سعر الشراء من الخارج وسعر البيع في الداخل على ان لاتزيد المبالغ المستوردة عن (20 بالمئة) عشرون بالمائة من رأس مال المصرف واحتياطاته السنوية؟
ومن وجهة نظر تشريعية يمكن القول أن هذه التعليمات قد منحت البنك المركزي صلاحيات لم ترد في قانونه ولا في قانون المصارف سابق الذكر، وهذا يعد تجاوزا على اختصاص المشرع لان هذه التعليمات تضمنت قواعد موضوعية لم ترد في القانون وان دور التعليمات يقتصر على تسهيل تنفيذ احكام القانون دون ايراد احكام جديدة.
كما ان هذه التعليمات استندت في اصدارها لاحكام المادة (27) من قانون المصارف رقم (94) لسنة 2004، وبالرجوع لهذه المادة نجد انها حددت على سبيل الحصر الانشطة المصرفية التي يجوز للمصارف ممارستها وفقا لشروط ترخيصها أو اجازتها، وورد في الفقرة (ج) من هذه المادة صلاحية المصارف المجازة ببيع وشراء العملات الاجنبية والمعادن النفيسه لحسابها من سوق النقد دون الاشارة لاستيرادها.
كما ان هذه التعليمات استندت في صدورها للمادة (104) من قانون المصارف سابق الذكر التي اعطت للبنك المركزي سلطة اصدار الانظمة والتعليمات والمعلومات ذات الصلة لتيسير تنفيذ احكام هذا القانون، وليس بهدف انشاء قواعد قانونية موضوعية جديدة لم ترد في صلب القانون، وهذا يعد تجاوزا على الاختصاص التشريعي المناط بموجب الدستور الى البرلمان العراقي، ومن جانب اخر فأن السماح باستيراد المصارف المجازة للنقد الأجنبي بعد فرض الحكومة اجراءات مشددة على تهريب العملة الاجنبية خارج العراق مع عدم السيطرة على سعر الصرف في السوق الموازي من شأنه خلق مضاربين رسميين محميين بموجب القانون للاستفادة من فرق بيع العملة البالغ (32) الف دينار لكل مائة دولار.
وربما اذا اكثر اذا ما تم تحميل النقد المستورد تكاليف الشحن والتأمين التي الزمت التعليمات بتحملها من قبل المصرف مستورد العملة والذي بدوره سيحملها لمشتري النقد في السوق المحلية، اما موضوع التبرير بتغطيه الحوالات الواردة من الخارج ازاء عدم قدرة البنك المركزي من توفيرها للمستلمين نقدا (كاش) بسبب تفاقم هذه الحالة، فأن سبب كثرة الحوالات هو لاغراض الاستفادة من فرق سعر الصرف من خلال بيع الحوالات الواردة من الخارج بسعر الصرف الموازي.
وبذلك فأن المضارب بالعملة سيستمر بالتربح طالما بقي الفارق بين سعر الصرف الرسمي والموازي قائما، وان العبئ سيقع على المواطن الفقير الذي يحتاج لشراء أو تحويل بضع مئات من الدولارات أو تحويلها لاغراض المساعدة العائلية أو العلاج الطبي الذين يخصعون لاجراءات مشددة في حين ان المضاربين في السوق السوداء والبيضاء مستمرين بالتربح وتدفق النقد الأجنبي للاستفادة من فرق سعر الصرف... والله الموفق.
اضف تعليق